مقدمة:
يشهد العالم اليوم حربًا قاسيةً لم يشهدها من قَبل بين روسيا وأوكرانيا اللتين تمتلكان عددًا كبيرًا من المفاعلات النووية، فروسيا وحدها تمتلك (31 مفاعلًا نوويًّا)، بينما تمتلك أوكرانيا (15 مفاعلًا)، وفيما يتعلق بالمخاطر، فيتمثَّل أكبرها في الإشعاع، وهو تهديدٌ غير مرئيٍّ يمكن أن يتسبَّب في تسمُّم البشر الَّذين يتعرضون لمستوياتٍ مرتفعةٍ منه، أو يتسبَّب لاحقًا في أمراضٍ؛ من بينها: السرطان، ومن خلال السطور القادمة نستعرض سويًّا أهم الآثار الضارة لتلك الإشعاعات.
ويُعدُّ التحقيق والتحقُّق من الآثار الصحية لحوادث الإشعاع النووي المُؤيَّن أمرًا ضروريًّا لحماية الصحة العامة، فضلًا عن توفير المعلومات للبلدان في جميع أنحاء العالم التي قد تعاني من أحداثٍ مُمَاثلةٍ، والمعرفة والفهم أمران حاسمان للتأهُّب لحالات الطوارئ، وقد عانت اليابان من الدمار المشترك لزلزال شرق اليابان الكبير عام 2011م، وما تلاه من (تسونامي)، وحادث نووي في فوكوشيما، بالإضافة إلى تعرُّضها للآثار المدمرة لقنبلتين نوويَّتين في الأربعينيَّات، وتساعد الدراسة العلمية الصحيحة والشاملة لجميع هذه الأحداث وتأثيراتها الصحية على تكوين مجموعةٍ من الأدلة التي يمكن للعالم أن يبني عليها سياسات وخططًا مستقبليةً فعَّالةً ومنقذةً للحياة.
الآثار الضارَّة للإشعاعات النووية:
- التأثير على صحة الإنسان:
عند تعرُّض جسم الإنسان للأشعَّة النووية -سواء على فتراتٍ طويلة الأمد أو قصيرةٍ- توجد ثلاث احتمالات لتفاعل الأشعَّة مع خلايا وأنسجة الجسم:
- الخلايا المُصابة أو التالفة تصلح نفسها، ولا ينتج عنها أضرار.
- تموت الخلايا مثلما تموت ملايين خلايا الجسم كل يومٍ، حيث يتمُّ استبدالها من خلال عمليات بيولوجية طبيعية.
- تقوم الخلايا بإصلاح نفسها بشكلٍ غير صحيحٍ، وتصبح خليةً سرطانيةً.
وفيما يلي أبرز الأضرار التي تُلْحقها الأشعَّة النووية بجسم الإنسان، والتي قد تتسبَّب في موته:
- الإصابة بمتلازمة الإشعاع الحاد التي تتَّسم بالعديد من الأعراض؛ كفُقْدان الشهيَّة والغثيان والقيء، ويكون ذلك في الساعات الأولى من التعرُّض للإشعاع، ويتبع بألمٍ في البطن، وحُمى وإسهال؛ ممَّا يؤدِّي إلى الجفاف، وحالة شبيهة بالصدمة المميتة.
- إحداث ضررٍ بالجلد وبطانة الجهاز العظمي ونخاع العظم؛ حيث تظهر تأثيرات الإشعاع على هذه الأعضاء بشكلٍ أساسيٍّ.
- تُعتَبر الإصابة الفوريَّة بالحروق والقروح دليلًا على التعرُّض للإشعاعات، كما أنَّها قد تؤدِّي إلى سرطان الجلد.
- الإصابة بأنواعٍ مُعيَّنةٍ من السرطان؛ مثل: اللوكيميا، وسرطان الثدي.
- إصابة الأجنَّة بالتشوُّهات خلال عملية التكوُّن؛ حيث إن الخلايا المُكوِّنة للجنين شديدة الحساسية ضد الإشعاع، ومن تلك التشوُّهات في الجهاز العصبي: انخفاض حجم المخ، أو الفشل في تكوين العينين، أيضًا يُسبِّب التخلُّف العقلي، وصغر حجم الرأس.
كما يشير التقرير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية في عام 2013م إلى الأضرار الناجمة عن حادثة (فوكوشيما) اليابانية التي وقعت عام 2011م، فتُشير إلى أن هناك احتمالية في ازدياد بعض أنواع السرطان؛ كسرطان الثدي، وأنواع السرطانات الصلبة، وسرطان الغدة الدرقية في الإناث اللَّواتي تعرَّضن للإشعاع خلال فترة الرضاعة، في حين تنبَّأت بازدياد معدل الإصابة باللوكيميا عند الذكور الذين تعرَّضوا للإشعاع خلال فترة الرضاعة.
- أضرار الأشعَّة النووية على الهواء:
يُؤثِّر انتشار الأشعَّة النوويَّة على جودة الهواء؛ ممَّا قد يتسبَّب في ازدياد نسبة الإصابة بمرض سرطان الرئة. وفي عام 2005م، قام الجرَّاح الأمريكي (ريتشارد كارمونا) بالإشارة إلى أنَّ غاز (الرادون) المُشع هو السبب الرئيس الثاني لإصابة الأشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية بسرطان الرئة، وأنَّ أكثر من (20 ألف أمريكي) يموتون كل عامٍ بسبب سرطان الرئة الناتج عن غاز (الرادون).
- أضرار الأشعَّة النووية على المياه:
- تلويث مصادر المياه العذبة المستخدمة في العديد من الأنشطة البشرية.
- تلويث المحيطات والبحار التي تعيش فيها الكائنات الحية؛ مما ينعكس سلبًا على حياة هذه الكائنات.
- عقم التربة:
إنَّ انتشار الأشعَّة النووية في الغلاف الجوي يؤدِّي إلى تواجدها في التربة، والذي ينتج عنه حدوث تفاعل بين تلك المواد المُشعَّة في التربة مع العناصر الغذائية المختلفة؛ ممَّا يتسبَّب في تدمير تلك العناصر الغذائية، وبالتالي يَنجُمُ عنه عُقْم التربة، وزيادة سُمِّيتها، والذي بدوره يؤثر سلبًا، ويؤدي إلى تلوث المحاصيل الزراعية، وتصبح في النهاية غير صالحةٍ للاستهلاك من قِبَلِ البشر والحيوانات.
- التأثير على النبات:
- تغيُّر الكروموسومات، وتضرُّر الحمض النووي DNA الناتج عن الطفرات التي تلحق الضرر بجزيئات الحمض النووي، أو عكس تسلسل الحمض، أو حذف أجزاء من سلسلة الـDNA .
- الحد من معدل النمو والتكاثر.
- تأثُّر معدل الإنتاج، بما في ذلك العقم، أو التسبُّب في التشوُّهات، أو التأثير على قدرة الجيل اللاحق.
- ضعف قدرة البذور.
- التسبُّب في الموت، وانخفاض معدل الحياة.
- إحداث حروق مباشرة للأنسجة المكشوفة.
- التأثير على الحيوانات:
- الإصابة بالعديد من الأمراض.
- التسبُّب في موت الحياة البرية؛ ممَّا يؤثر على أعداد الحيوانات، وهجرتها من مواطنها.
- ظهور عيوب خِلْقية في أنواع من الحيوانات بسبب زيادة الطفرات والتغيُّرات الحاصلة في حمضها النووي؛ ممَّا يؤثِّر على معدل الحياة.
- تضرُّر الخلايا الحيوانية التي تنقسم بسرعةٍ، وتأثُّرها بشكلٍ أكبر، فالخلايا الموجودة في نخاع العظام والأنسجة اللمفاوية تعتبر أكثر حساسيةً من غيرها، وكذلك الأمر بالنسبة للخلايا سريعة الانقسام في بطانة الجهاز الهضمي للثدييات.
- تتسبَّب الجرعات الهائلة من الأشعَّة النووية في الإسهال والقيء، والنزيف الداخلي، وفقر الدم.
- إحداث تلفٍ دائمٍ في الحمض النووي الخلوي نتيجة التعرُّض لمستوياتٍ عاليةٍ من الإشعاع، ويؤدي هذا إلى الإصابة بالسرطان.
خاتمة:
يُشكِّل التعرُّض للإشعاعات النووية خطرًا مُروِّعًا؛ لما يَنجُمُ عنه من أضرارٍ جسيمةٍ تؤثر على سلامة الإنسان بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ من خلال آثارها الضارة على البيئة المحيطة به من مياهٍ، وهواءٍ، ونباتٍ، وحيوانٍ؛ إذ إنها تُلوِّث البيئة، وتؤدي إلى مقتل الحيوانات والنباتات والإنسان، أو التغيير في أحماضهم النووية، فضلًا عن الأمراض العديدة التي قد تتسبَّب فيها.