مقالات المجلة

التعلم من الكارثة: تسرب الكلورين في ميناء العقبة الأردني

كان يوم الإثنين 27 حزيران 2022 يومًا عاديًّا بالنسبة لسكان الأرض، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لسكان العقبة؛ إذ أدَّى تسرب غاز الكلورين السام من أحد الصهاريج في ميناء العقبة إلى مقتل (14)، وإصابة أكثر من (250 شخصًا).

ووقع الحادث أثر سقوط صهريج بسعةٍ لا تقل عن (30 طنًّا) من رافعةٍ كانت بصدد وضعه على ظهر إحدى البواخر بسبب اهتراء حبل الرفع المعدني لينفجر مفرغًا ما بداخله؛ ممَّا أدَّى إلى انتشار سحابةٍ صفراء أثارت الهلع والفزع بين السكان نتيجة تحوُّل الكلور من الحالة السائلة إلى الغازية، وبمجرد انتشار الكلور على متن السفينة، وبالأرجاء المجاورة لها، أدَّى ذلك إلى سقوط العديد من الضحايا ممَّن كانوا في دائرةٍ قريبةٍ من الغاز؛ حيث أدَّى استنشاقهم للغاز بتركيزٍ عالٍ للغاية إلى اختناقهم، وإتلاف الخلايا المخاطية داخل الجهاز التنفسي، وسقوط مئات المُصَابين في الدوائر البعيدة، وكانت إجراءات احتواء الحادث تتمثَّل في إبعاد المُصَابين عن مكان الحادث، وتطبيق الإسعافات الأوليَّة للبعض، ونقل البعض الآخر إلى المستشفيات، والتنويه على المقيمين في العقبة بالبقاء في المنازل، وغلق النوافذ لضمان سلامتهم، كما تمَّ عزل منطقة العقبة لمسافة (4 كيلومتر)، والبدء في تطبيق احتياطات السلامة في الميناء، والاحتياطات الخاصة بالمناولة السليمة على متن السفن، ولا يتمُّ إلقاء اللوم كاملًا على اهتراء الحبل المعدني؛ إذ يُرجِعُ الخبراء أسباب هذه الحادثة إلى ضعف إجراءات السلامة وتدابير الوقاية في بيئة العمل في الميناء، رغم أنَّها بيئة حسَّاسة وخطرة إلى حدٍّ كبيرٍ؛ نظرًا لطبيعة التعامل مع الغازات والكيماويات، وغيرها من المواد السامة.

ويمتاز الكلورين باللون الأصفر المائل للاخضرار، وهو أثقل من الهواء بثلاثة أضعاف تقريبًا، ويمكن التعرُّض لأضرار غاز الكلورين عبر الاستنشاق أو التماسِّ الجلدي، أو من خلال العينين، ويحتوي الغاز على خصائص مُسبِّبة للتآكل بسبب تأثيرات الأكسدة في الكلور التي تعمل على انقسام الهيدروجين في الماء داخل الأنسجة الرطبة، ولدى تعرُّض الجسم له يُسبِّب هذا التأكسد إطلاق الأكسجين الناشئ، وكلوريد الهيدروجين في الأنسجة؛ ممَّا يؤدي إلى تلفها.

وتحدث الإصابة بعد التعرُّض لغازٍ مكثفٍ، أو جرَّاء الاقتراب كثيرًا من موقع إطلاق الغاز المُسَال تحت الضغط. وتظهر أعراض التخرش على الأغشية المخاطية مُسبِّبة التهاب القرنية، والتهاب الشُّعب الهوائية، ثم الاختناق، وانهيار الرئة، وقد تصل للموت المفاجئ، وبشكلٍ عامٍّ تعتمد شدة التأثيرات على تركيز الغاز، ومدة التعرُّض.

وبحسَب إدارة السلامة والصحة المهنية الأمريكية (OSHA) يبلغ حد التعرُّض المسموح به لغاز الكلورين في مدة ثمان ساعات عمل (1 جزء بالمليون)، يبدأ غاز الكلور في التسبُّب في تهيُّج الأغشية المخاطية عند تركيز (3 جزء بالمليون)، تبدأ الأعراض الرِّئوية عند التعرُّض إلى ما يزيد عن (15 جزءًا بالمليون)، وعند المستويات الأكبر من (430 جزءًا بالمليون)، تكون الإصابة قاتلةً في غضون نصف ساعة، وعند المستويات الأعلى من (1000 جزء بالمليون) تكون الإصابة قاتلةً في غضون دقائق.

وهناك إسعافات أوليَّة يجب الإسراع في تقديمها للشخص الذي تعرَّض لغاز الكلورين؛ للتخفيف من حدَّة الأعراض، وحمايته من المخاطر، وإنقاذ حياته، وهي: الابتعاد عن مكان انبعاث الغاز قَدْر الإمكان إذا تعرَّضت العينان للغاز، فيجب غسلها بالماء الفاتر لمدة (10 دقائق) على الأقل، وإذا كان المُصَاب يعاني من ضيق التنفس أو الاختناق، يجب عمل تنفُّس صناعي عن طريق الفم، ونقل المصاب إلى أقرب مشفًى، كما يجب ارتداء الأقنعة الواقية التي تحتوى على مرشحات للحفاظ على سلامة باقي المتواجدين.

ونجد أن الكلورين غاز يتَّسم بأنه غير ثابتٍ، ويتفاعل بسرعةٍ مع المواد الكيميائية الأخرى، ومع الماء فور انطلاقه؛ ثم يتفكَّك بتأثير أشعَّة الشمس خلال دقائق، فهو ما إنْ ينطلق حتى يتبخَّر، ويُشكِّل غيمةً صفراء مائلة للاخضرار أثقل من الهواء، ويُمْكن للرياح أن تحملها بعيدًا لمسافاتٍ تبلغ عدة كيلومترات من مصدر انطلاقها، أمَّا في الماء فإنَّ الكلورين سريع الذوبان، وقد يُشكِّل حموضة هيدروكلوريدية أو هيبوكلورورية؛ لذلك يجب التَّنويه على جميع المقيمين في حدود البضع كيلومترات من أماكن تسرُّب غاز الكلورين بضرورة الحَذَر من الغاز، والبقاء في أماكن مغلقة لحين التعامل مع الغاز المُتسرِّب، والتأكُّد من تحقيق سلامتهم، وبما أنَّ الكلورين أثقل من الهواء، فهذا يعني أنه سينتشر على الأرض؛ لذلك ينصح بتقليل التعرُّض لغاز الكلور عند تسرُّبه، والتوجُّه للمناطق المرتفعة.

إنَّ الحوادث والكوارث تحدث كل يوم، وفي كل مكان، ولكن المهم التعلُّم منها، وتجنُّب حدوثها مستقبلًا، والدروس التي نتعلمها من هذه الحادثة؛ هي: المُنَاولة السليمة لصهاريج الكلورين في الموانئ، وتفقُّد حبال الرفع بشكل مستمر، والصيانة الدائمة لأنظمة الكلورين، ووضع خطة للتعامل مع مخاطر تسرُّب الكلورين، والتخزين السليم، وتدريب وتثقيف العاملين، وكل ساعةٍ نبذلها في الوقاية من المخاطر توفر علينا (1000 ساعةٍ) في معالجتها.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *