مقالات المجلة

الاهتمام الدولي بتحقيق السلامة البحرية

إن تحقيق السلامة البحرية في صناعة النقل البحري عامل مهمٌّ جدًّا، وركن أساسي من أركان نجاح هذه الصناعة التي بواسطتها يتمُّ إيصال ما بين (80%  – 90%) من احتياجات العالم، بل وأضحت هذه الصناعة هي أحد أهم اقتصاديات الدول، ولن تستطيع هذه الصناعة النجاح إلا بتحقيق السلامة البحرية بأبعادها وأركانها كافة، والتي سنتحدث عنها في هذا المقال بمعلوماتٍ أساسيةٍ فقط.

إن السلامة البحرية تنقسم إلى ثلاثة أقسام أساسية، وكل قسم له صلة مباشرة بالأقسام الأخرى، وهي:

  1. سلامة الأرواح للعاملين بصناعة النقل البحري، وبالأخص البحَّارة على السفن.
  2. سلامة السفن ومُعدَّاتها وأجهزتها
  3. سلامة البحار من أي عمليات تلويث أو أنشطة غير شرعية.

ومن أجل تحقيق السلامة البحرية بأقسامها الثلاثة، تمَّ بذل العديد من الجهود الدولية والإقليمية والوطنية؛ سواء بإنشاء منظمات تهتمُّ بالأنشطة البحرية، وتحقيق السلامة البحرية، أو توقيع معاهدات واتفاقيات تلزم السفن والعاملين فيها والدول وموانئها بمُتطلَّبات إلزامية، وأخرى تطوُّعية بحسَب أهمية تلك المتطلبات، إضافةً لإنشاء جامعات وأكاديميات ومعاهد تهتمُّ بتأهيل الكادر البشري العامل في هذه الصناعة، وتوحيد المعرفة البحرية النظرية والعملية؛ بحيث يصبح البحار في أي مكانٍ في العالم على دراية بهذه المتطلبات، وآلية تطبيقها، وغير ذلك من الأنشطة المهمة لتحقيق السلامة البحرية.

وسنتحدَّث في مجلة (السلامة العربية) بعدة مقالات عن السلامة البحرية، وآليات تحقيقها، وهذا المقال هو باكورة تلك الأنشطة، والذي سنُخصِّصه للتعريف بالمنظمات الدولية التي تهتم بتحقيق السلامة البحرية.

تُعدُّ المنظمة البحرية الدولية (IMO) International Maritime Organization  أحد الهيئات التابعة للأمم المتحدة، وهي الهيئة العالمية المختصَّة بوضع المعايير للسلامة والأمن والأداء البيئي لصناعة النقل البحري الدولي، ويتمثَّل دورها الرئيس في إنشاء إطارٍ تنظيميٍّ لهذه الصناعة تكون ميزته أنه نظام عادل وفعال ومعتمد، ويتم تنفيذه عالميًّا، فالغرض الرئيس للمنظمة جاء موجزًا في المادة الأولى من اتفاقية إنشائها، وهو توفير آليَّة للتعاون بين الحكومات في مجال التنظيم والممارسات الحكومية المتعلقة بالمسائل التي تؤثر على النقل البحري، وتشجيع الاعتماد على المعايير العملية في الأمور المتعلقة بالسلامة البحرية، وكفاءة الملاحة، ومنع التلوث البحري الناجم عن السفن.

ففي عام 1948م، اعتمد مؤتمر دولي في جنيف اتفاقية تأسيس المنظمة البحرية الدولية رسميًّا، وقد دخلت اتفاقية المنظمة حيِّز التنفيذ في عام 1958م، واجتمعت المنظمة لأول مرة في عام 1959م.

وتضمُّ المنظمة حاليًا (175 دولة) عضوًا فيها، وكانت المهمة الأولى لها بعد تأسيسها هي اعتماد نسخة جديدة من الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحر the International Convention for the Safety of Life at Sea  ( SOLAS)، وهي أهمُّ اتفاقية من اتفاقيات المنظمة، والتي تهتم بتحقيق السلامة البحرية، كما طوَّرت المنظمة واعتمدت لوائح لمنع تصادم السفن في البحار، ومعايير عالمية لمتطلبات العمل في البحار بالنسبة للبحارة، بالإضافة إلى اتفاقيات دولية وقواعد متعلقة بمنع التلوث والبحث والإنقاذ وآليات نقل البضائع الخطرة، وغير ذلك.

وللمنظمة مجموعةٌ من اللجان المسئولة عن تنفيذ أهدافها ومهامها، وأهم تلك اللجان هي: لجنة السلامة البحرية، وهي اللجنة الفنية العليا بالمنظمة المَعنيَّة بالمسائل المتعلقة بالسلامة، ويساعدها في عملها عددٌ من اللجان الفرعية.

وهذه المنظمة الدولية تعمل على المستوى الدولي لتحقيق السلامة البحرية، ويكون التطبيق والتنفيذ للاتفاقيات والتشريعات مسئولية الدول الأعضاء في هذه المنظمة، فالتشريع بعد المُصادقة عليه والتوقيع من قِبَلِ الدول يتحوَّل للتنفيذ الإلزامي، ويكون التطبيق عن طريق إلزام الدول لجميع السفن التي تحمل جنسيتها، وترفع عَلَمها، ويكون هناك عدد من عمليات المسح والتفتيش على تلك السفن للتأكُّد من تطبيق هذه المتطلبات الدولية، وهناك أيضًا أسلوب آخر لتطبيق تلك التشريعات، وهو: أسلوب التفتيش على السفن الأجنبية التي تدخل موانئ الدول، فمثلًا: لو كانت سفينةٌ ما تابعةً لدولة مهملة لم تلزمها بالتطبيق، ولكنها دخلت لميناء دولة أخرى مهتمة بالتطبيق، فيكون لهذه الدولة مفتشون بحريون مؤهلون من حقِّهم الصعود على هذه السفينة، والتأكُّد من صلاحيتها للإبحار؛ سواء التأكُّد من خلال المُعَاينة الفعلية للأجهزة والمعدات، ومهارة البحَّارة العاملين، أو من خلال التأكُّد عن طريق المستندات والشهادات الممنوحة لهذه السفينة، وهل ما زالت صالحة، أي: غير منتهية، ويحقُّ لهؤلاء المفتشين في حالة اكتشاف مخالفة كبيرة تهدد سلامة السفينة وبحارتها بمنعها من الإبحار، واحتجازها لديها لحين إصلاح تلك المخالفة، وفي حال كانت المخالفة ليست كبيرةً، فيُسمَح للسفينة بالإبحار، ولكن بشرط أن تصلحها في الميناء القادم، ويتمُّ التواصل مع الميناء القادم، وإشعاره بوضع السفينة والمخالفات الموجودة فيها.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *