المقدمة:
تُعدُّ الحرائق في المراكز التجارية واحدةً من أخطر الكوارث الَّتي تُهدِّد الأرواح والممتلكات؛ إذ تكشف في الغالب عن ثغرات خطيرة في أنظمة السلامة والرقابة الحكومية، وفي هذا السِّياق جاء حادث حريق (هايبر ماركت الكوت)، بمحافظة (واسط) في العراق؛ ليكون جرس إنذار قاسٍ حول خطورة الإهمال في تطبيق معايير السلامة، وما يترتب عليه من خسائر بشرية ومادية فادحة.
الحادث الذي وقع بعد خمسة أيامٍ فقط من افتتاح المركز التجاري، أَوْدَى بحياة (69 شخصًا)، بينهم نساء وأطفال، وأصاب مئات آخرين في واحدة من أكبر الكوارث التي شهدها العراق في تاريخه الحديث.
تفاصيل الحادث:
اندلع الحريق في (هايبـر ماركت الكوت)، وهو مركز تجاري مُكوَّن من خمسة طوابق، كان قد افتتح قبل خمسة أيام فقط. بدأ الحريق في الطابق الأرضي نتيجة انفجار وحدة تكييف هواء في محل عطور، ثمَّ انتشر بسرعة عَبْر المبنى، وأفاد شهود عيان بأنَّ العديد من الضحايا قَضَوا اختناقًا في دورات المياه بسبب الدخان الكثيف، بينما عُثِرَ على (14 جثة محترقة) مجهولة الهُويَّة، كما تمَّ العثور على عائلات عالقة داخل المصاعد، ممَّا زاد من عدد الضحايا.

أسباب الكارثة:
أظهرت التَّحقيقات الأوليَّة أنَّ المبنى يفتقر إلى أنظمة السَّلامة الأساسيَّة؛ مثل: مخارج الطوارئ، وأجهزة الإنذار، وأنظمة إطفاء الحريق، كما تبيَّن أنَّ المبنى كان قد حصل على تصاريح بناء رغم مخالفتِهِ للمعايير الصحيَّة والسَّلامة، أدَّى ذلك إلى تعليق عمل (17 موظفًا حكوميًّا)، وتوقيف (3 ضباط) من الدفاع المدنـي العراقي.
التشخيص الفني للحادث:
1- بداية الحريق:
- نقطة البداية كانت في محلِّ عطور بالطابق الأرضي.
- السَّبب الفني المرجح: تماس كهربائي/انفجار وحدة تكييف هواء بسبب ضغط زائد، أو خلل في الصِّيانة.
- وجود مواد سريعة الاشتعال (عطور، بلاستيك، كحوليات)، أدَّى إلى تسارع الاشتعال، وانتقال النِّيران بسرعة هائلة.
2- انتشار النيران:
- المبنى مُكوَّن من خمسة طوابق، مفتوح داخليًّا (ممرَّات واسعة، وسلالم غير معزولة)؛ ممَّا جعل الدخان والنار ينتشران بسرعة إلى الأعلى.
- غياب أنظمة عزل الحريق (Fire Compartmentation) أدَّى إلى انتقال النيران من طابقٍ إلى آخر دون عوائق.
- وجود مصاعد توقَّفت أثناء الحريق جعل الضحايا محاصرين داخلها.
3- أنظمة السلامة المفقودة:
- مخارج الطوارئ غير كافية أو مغلقة.
- أجهزة الإنذار المبكر لم تكن فعَّالة (أو غير موجودة).
- نظام رشٍّ آليٍّ (Sprinkler system) غير متوفِّر داخل المركز.
- عدم وجود طفَّايات حريق مناسبة، أو تدريب للعاملين على استخدامها.
4- عوامل أسهمت في زيادة عدد الضحايا:
- الاعتماد على المصاعد بدل السَّلالم الطارئة.
- غياب التَّهوية الطارئة، وأنظمة سحب الدخان؛ ممَّا أدَّى إلى الاختناق السريع للضحايا.
- المبنى لم يخضع لفحص سلامة شامل قبل افتتاحِهِ بخمسة أيام فقط، ما يشير إلى تلاعب في التصاريح.
- غياب نظام إدارة الطوارئ (Incident Command System (ICS أدَّى إلى فوضى أثناء الإخلاء.
- سوء استخدام المصاعد أثناء الحريق عكَس ضعف ثقافة التوعية المجتمعية.
- غياب تمارين الإخلاء الدوريَّة للعاملين والزائرين أسهم في ارتفاع عدد الضحايا.
5- التقييم الفني العام:
- السَّبب المباشر: خلل كهربائي/انفجار وحدة تبريد في بيئة تحتوي مواد قابلة للاشتعال.
- السَّبب غير المباشر: غياب معايير السلامة والبُنْية التحتية المخصصة لمواجهة الحريق.
- السَّبب الجذري: الإهمال الإداري، والفساد في منح التَّراخيص دون التحقُّق من إجراءات السلامة.
تأثير الحادث:
- الخسائر البشرية:
أسفر الحريق عن مصرع (69 شخصًا)، بينهم نساء وأطفال، وتعرُّض العشرات لإصابات متفاوتة شملت حالات اختناق، وحروق خطيرة.
- الخسائر المادية:
تدمير كامل للمبنى التجاري والمحتويات؛ ممَّا أدَّى إلى خسائر مالية كبيرة تجاوزت ملايين الدولارات، إضافةً إلى تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي بسبب توقُّف النشاط التجاري.
إجراءات السلامة:
- تعزيز أنظمة السلامة: يجب تركيب أجهزة إنذار مبكر، وأنظمة إطفاء متطورة في جميع المراكز التجارية.
- تدريب العاملين: تنظيم دورات تدريبيَّة للعاملين على كيفيَّة التعامل مع حالات الطوارئ والإخلاء السَّريع.
- إجراء فحوصات دوريَّة: إلزام المراكز التِّجارية بإجراء فحوصات دوريَّة على الأجهزة الكهربائية، وأنظمة السلامة.
- تطوير خطط الطوارئ: وَضْع خطط إخلاء واضحة ومُعْلنة لجميع الزائرين والموظفين.
- تفعيل الرقابة الحكومية: زيادة الرقابة على تطبيق معايير السلامة، وفرض عقوبات على المخالفين.
- دعم نفسي واجتماعي: توفير برامج دعم نفسي واجتماعي للمتضرِّرين من الحادث.
الخلاصة:
إنَّ حادث حريق (الكوت) يُمثِّل مثالًا صارخًا على خطورة الإهمال في تطبيق معايير السلامة، ومن الناحية الهندسية: فإنَّ وجود أنظمة وقائيَّة فعَّالة كان من شأنه أن يُقلِّل من حجم الكارثة؛ حيث كشفت عن ثغرات خطيرة في تطبيق معايير السلامة في المراكز التجارية العراقية؛ ممَّا أدَّى إلى خسائر بشرية ومادية جسيمة، وتتطلَّب هذه الكارثة إعادة تقييم جذري للسياسات والإجراءات المتعلقة بالسلامة، مع التَّركيز على الوقاية والتدريب والرقابة؛ لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلًا.