يا تُرَى، بعد كل الأعداد الكبيرة والأرقام والإحصائيَّات الصَّادمة الَّتي تتكلَّم عن حوادث الطرق نتيجة التصادم، ألم تسأل نفسك:
«يا تُرَى، متى وقعت أوَّل حادثة تصادم في التاريخ؟ وماذا عنها؟
إن بداية حوادث التصادمات كانت باختراع السيارات الذاتيَّة الحركة، وأصل كلمة سيارة (Automobil)، والَّتي هي بمعنى آلة، أي أنها تُحرِّك نفسها بنفسها بدلًا من سحبها، أو جرِّها، أو دفعها بآلةٍ أخرى، أو عن طريق حيوانٍ.
ومن خلال الجَمْع بين الكلمات (Mobilis) اللَّاتينيَّة والتي معناها: «المتحركة»، وكلمة (Autós) اليونانيَّة، والتي معناها: «نفسها».
وبداية المخاطر وحوادث التصادمات كانت بصناعة العربات البخاريَّة، وأوَّل مَن قام بتشغيلها وتطويرها وتطوير العربات المعتمدة في حركتها على الحيوانات، وتحويلها إلى عربات ذاتيَّة الحركة (تستمدُّ حركتها من موتور داخلي) هو الجيش الفرنسي؛ ليستعملها في نقل المُعدَّات الحربيَّة والمدافع عام 1769م، وكانت السرعة وقتها لا تتجاوز 4 كم/ساعة، ولأنَّها سرعة خطيرة -وقتئذٍ- حصلت أوَّل حادثة تصادم، ونَتَج عنها تحطُّم جدارٍ، وهدمه بالكامل، وهذا حدث خلال المحاولات الأولى للتطوير.
وبعد حادث تحطُّم الجدار، تطوَّرت قوة هذه الآلة لتصل سرعتها إلى 7 كم/ساعة، وبدأ التطوُّر السريع، وتظهر معه المخاوف من التعامل مع هذه الآلة، خصوصًا مخاوف المُشَاة والحيوانات التي كانت تخاف جدًّا من التعامل معها، وأطلقوا على قائدي العربات البخارية: (قاتل الدجاج)؛ لأن هذه كانت أكثر أنواع حوادث التصادمات وقتئذ، وهي دهس الدجاج في الطريق الذي لم يكن مُجهَّزًا ببنيةٍ تحتيةٍ خاصة بهذه الآلات.
ومع التطوُّر الملحوظ في هذه الآلة، ظهرت مطالبات بمنعها بسبب أنها أصبحت مصدر الضوضاء والتلوُّث البيئي لدرجة أن الناس كانوا يقذفون قائدي هذه العربات بالحجارة والسماد العضوي للحيوانات؛ تعبيرًا عن رفضهم لتواجد هذه الآلات.
- وفي عام 1889م، تمَّ اتخاذ قرار بحظر سَيْر هذه الآلات ليكون أوَّل قانون للحظر في التاريخ حتى بادر (دي ديون بوتون) بعدها بفترةٍ، وتحرَّك بعربة بخاريَّة في مدينة (نيس)، مخترقًا قانون الحظر… فتقدَّم المواطنون بشكاوى عديدة لرئيس البلديَّة، فَصَدر قانون الحظر الثاني للعربات في 21 فبراير سنة 1893م.
- وفي سنة 1895م، تمَّ تخفيف القانون ليسمح فقط للسيارات ذات مُحرِّكات البنزين بالحركة، وبشرط ألَّا تتجاوز سرعتها 10 كم/ساعة.
وفي عام 1902م، منحت المحكمة العليا الفرنسيَّة السلطة للبلديات في المدن الرئيسة بأن تضع قوانين تُنظِّم حركة هذه الآلات في شوارع المدن، وهنا ظهر أوَّل قانون للمرور، وكان وقتها يهتمُّ أكثر بتحديد السرعات التي تراوحت وقتئذ في القانون بين (4-10كم/ساعة، ووضع علامات وإشارات تُوضِّح العلاقة بين مستخدمي هذه العربات والمشاة.
- في عام 1903م، تمَّ زيادة الحدِّ الأقصى للسرعات ليصل إلى (12-30) كم/ساعة، وكانت السرعات وقتها ما زالت أقل من سرعة العربات التي تجرُّها الحيوانات.
وهذه كانت بداية الحكاية.
أمَّا حكاية أوَّل حادث تصادم في التاريخ، فاختلفت الروايات عنه، ولكن أقرب الروايات تسجيلًا تقول:
- سنة 1869م، كانت العالمة الأيرلندية (ماري وارد) تقود سيارةً مُزوَّدةً بمحرك بخاري وهي مسافرة يوم 31 أغسطس، وأثناء مرورها في أحد المنعطفات سقطت من مقعد السيارة إلى الأرض، ودهست تحت إحدى عجلات السيَّارة التي كانت تقودها، وتُوفِّيت نتيجة كسرٍ في الرقبة.
- وهناك أقاويل بأنَّ في سنة 1891م، سُجِّل أول حادث لنموذج مبكر لسيارة مُزوَّدة بمحرك بنزين في مقاطعة (فان ويرت) في ولاية (أوهايو) الأمريكية، وكان يقودها المهندس المخترع/ (جون لامبرت) بعدما اخترعها ليصطدم بشجرة صغيرة على جانب الطريق، وأُصِيبَ فقط بإصاباتٍ بسيطةٍ.
- ومن الواضح أنَّ ولاية (أوهايو) يذكرها التاريخ دائمًا على أنَّها الأولى في حوادث التصادم، ففي عام 1895م، لم يكن في هذه الولاية غير هاتين السيَّارتين فقط، وبطريقةٍ ما حصل تصادم بينهما بالرغم من أنه لم يبدأ تسجيل السيارات رسميًّا إلا في عام 1905م.
- وبعد خمس سنوات من حادث تصادم (جون لامبرت)، وتحديدًا سنة 1896م، وبالتحديد في أحد شوارع لندن، تُوفِّيت أوَّل ضحية من المشاة بسبب حادث مرور، وهي ( بريدجيت دريسكول)، وكان عمرها (44 سنة)، بعدما دهستها سيارة مُسْرعة، ووُصِفَتْ وقتها سرعة السيارة بالجنونية، والتي وصلت إلى (6.5 كم/ساعة.
- وخارج ولاية (أوهايو)، بدأت حوادث تصادم السيارات تظهر، وسَجَّلت إنجلترا في أواخر عام 1898م، أوَّل مرة في التاريخ وفاة سائق سيَّارة مُزوَّدة بمحرك بنزين بعدما فَقَد السيطرة على سيارته التي اصطدمت بإحدى الأشجار، ونَتَج عن حادث التصادم هذا بتـرٌ لرجله، ولكن للأسف تُوفِّي في اليوم التالي بسبب مضاعفات العملية الجراحية التي خضع لها بعد الحادث.
ونتيجة التطور السريع في صناعة السيارات نجد أنَّ:
عام 1907م، كان عدد السيارات في العالم حوالي (250,000 سيارة) فقط
مقارنةً بعام 1917م (أي: بعد 10 سنوات فقط)، والَّتي تضاعفت فيه الأعداد لتصل إلى (500,000 سيارة).
والجدير بالذكر أن في عام 1975م، كان يوجد في العالم حوالي (300 مليون سيارة)، وبالتطور السريع في صناعة هذه الآلة وصل الأمر إلى أنَّ أقل المعدلات في إنتاج هذه السيارات هو (70 مليون سيارة) في العام الواحد.
إن أصل هذه الحكاية يقول: إنَّ السيارات هي القاتل الأول للشباب في الفئة العمرية بين (15-29 عامًا).
ولأنَّ الحكاية نهايتها مؤلمة، أصبح هناك يوم عالمي باسم: (اليوم العالمي لتذكُّر ضحايا حوادث الطرق)، وهو الأحد الثالث من شهر نوفمبر من كل عامٍ.
وبدأ إحياء هذه الذِّكرى في عام 1993م، من قِبَلِ جمعية السلامة على الطرق (وهي مؤسسة خيريَّة وطنيَّة في المملكة المتحدة لرعاية ضحايا حوادث المرور على الطرق)، واعتمدته الأمم المتحدة في أكتوبر 2005م كيومٍ عالميٍّ يتمُّ الاحتفاء به في العالم أجمع بهدف الدعوة إلى تذكُّر آلاف الأشخاص الذين نفقدهم أو الَّذين يصابون بسبب تصادمات المرور على الطرق كل يومٍ.