14 – المنشآت والحرف الخطرة… إدارة المخاطر والمهددات
الوعي المهني والفني
يُعتَبر الوعي والمعرفة أحد الأدوات التي تُسْهم في فَهم العاملين بالمنشآت والحرف الخطرة للمخاطر والمشكلات التي تُهدِّد بيئة العمل، وخاصةً في ظلِّ تنوُّع بيئات العمل، وتعدُّد العاملين ذوي الخلفيات الفنية والإدارية المختلفة وَفق طبيعة إشغال المنشآت والحرف الخطرة، وتعمل المؤسسات الحكومية على فرض عمليات التدريب والتوعية للعاملين.
ويُقْصَد بـ (الوعي المهني): «وَعْي الموظف أو العامل ومعرفته بالمخاطر المهنية التي يتعرَّض لها، وإجراءات السلامة والوقاية على صعيد السلامة الشخصية، وسلامة البيئة المكانية، بما يُسْهم في تحسين الإنتاج وجودة العمل، وانعكاس ذلك على جودة البيئة المكانية».
ويُقصَد بـ (الوعي الصحي): «المعلومات والبيانات المعرفيَّة كافَّة لدى العاملين عن الأمراض المهنية التي يتعرَّضون لها، وآليَّات الوقاية منها، والتأثيرات الصحيَّة المباشرة والجانبيَّة، ما يترتب على ذلك من الأمراض التي تصيب العاملين، وتضرُّ بصحَّتهم على المستوى البعيد».
ويُقصَد بـ (الوعي القانونـي): «المعرفة بالأنظمة واللوائح وأدلَّة العمل والإجراءات التي يجب أن يفهمها العامل للحفاظ على حقوقه الحاليَّة والمستقبليَّة».
ويُقصَد بـ (الوعي الفني): «الفَهم المُعمَّق للقضايا والإجراءات الفنية المُتَّخذة في الأعمال والمهام التي يقوم بها العاملون، ويتمُّ فَهم الإجراءات الفنية للتعامل مع المُعدَّات والأدوات كافَّة الموجودة في بيئة العمل، ومنهجيات الصيانة الدورية، والإجراءات الوقائية التي تَحُدُّ من الأخطار المؤثرة على وَقْف العمل بسبب الأعطال».
لذا، للوعي انعكاسٌ مباشرٌ على عملية التخطيط للاستعداد من خلال ترتيب المُتطلَّبات الوقائيَّة المباشرة، وتحديد خطط التدخُّل والمُجَابهة وآليَّات الدخول للمناطق التي يمكن أن تقع بها الحوادث، وما يترتَّب على ذلك من تداعيات سلبية تُهدِّد منظومة العمل في المنشآت والحرف.
لذا، نجد أن الوعي له علاقةٌ مباشرة في الاستجابة من حيث تنفيذ خطط الوقاية من تعرُّض الطاقم للإصابة أثناء القيام بالمهام المباشرة، وإجراء التدخُّلات وَفق السيناريوهات المُعدَّة مُسْبقًا مع دوائر التأثير لتسرُّب المواد الخطرة، أو الاشتغال، أو الانفجار، وَفقًا لأنظمة وأكواد السلامة والوقاية من الحريق.
ثم ينعكس الوعي بوجود علاقة قويَّة بالتعافي من خلال الخطوات التي يتَّخذها الموظف في تصحيح الإجراءات الخاصة بالمنشآت الَّتي تأثَّرت سلبًا من المواد الخطرة، وأهمُّ الإجراءات هو تعديل اللَّوائح الخاصة بالسلامة التشغيليَّة لمنع تكرار الحوادث، وما يمكن أن يترتَّب عليه في الاستفادة من تحديد الفجوات في المرَّات القادمة، والَّتي من شأنها تكرار الأخطار، وزيادة بقعة الخطر أو انتقاله بالعدوى، واتخاذ المتطلَّبات الوقائيَّة المناسبة لمنع الخطر من الضرر السلبي على العاملين، وبيئة العمل، وآليَّات تأمينها.
إنَّ عمليات التوعية تبدأ بتهيئة البيئة الآمنة، وتوفير إجراءات السلامة على الطريق، وإجراء الفحوصات الفنيَّة الدورية على صهاريج وعبوات نقل المواد الخطرة، أو عبوات تخزينها بالتنسيق مع هيئة المواصفات والمقاييس عَبْر مراكز فنيَّة معتمدة من قِبَلِ الجهات الحكومية المختصَّة، وتوفير اشتراطات الحماية من الحريق، أو الانفجار لصهاريج نقل المواد الخطرة وتخزينها، واستخدام أنظمة الغمر المائي، أو العزل، أو التحكُّم في التسرُّب.
إنَّ العمل في المنشآت والحِرَف الخطرة يُشكِّل العديد من الحوادث وإصابات العمل؛ إذ يتعرَّض الكثير من العمال للحوادث أو الاعتلال الصحي نتيجة تردِّي شروط السلامة والصحة في بيئات العمل؛ ممَّا ينعكس على زيادة آلامهم ومُعَاناتهم، وإعاقة دائمة وخسائر في الإيرادات يتكبَّدها أصحاب المنشآت والحرف والعاملون.
إنَّ إدخال نُظُم العمل الآمنة والمناسبة تَحُدُّ من وقوع الحوادث، واتخاذ التدابير الرقابية التي أقرَّتها منظمة العمل الدولية، أو منظمة الحماية المدنيَّة والدفاع المدني، للحدِّ من التعرُّض للمخاطر. كما أنَّ بعض العاملين في مجال السلامة والوقاية لا يتمتَّعون بمواد علمية ومعرفية لاستثارة الوعي وتدابير الوقاية والرقابة.
إنَّ تقديم الاستشارة في الوعي بشأن الممارسات الآمنة في المنشآت والحرف الخطرة يعتمد على العمليات التدريبيَّة والأنشطة التوعوية المستمرة، وإدارة فِرَق التفتيش والرِّقابة المستمرَّة على تطبيقات نُظُم السلامة والصحَّة المهنية، وعمل مناورات تدريبية لهم، وذلك من أجل تجنُّب حوادث العمل، خاصةً للعاملين في الحِرف الخطرة.
إنَّ من أخطر القضايا التي تؤثر على سلامة واستقرار المجتمع هو أن تتعرَّض طواقم الاستجابة في الحوادث والحالات الطارئة للإصابة أثناء العمل؛ نتيجة عدم اتِّباعهم التدابير الوقائية المناسبة لحماية أنفسهم أثناء الاستجابة الطارئة والعاجلة، خاصة مُعدَّات السلامة الشخصية، وقد اهتمَّت المؤسسات الحكومية بتحسين قدرات الطواقم الفنية في الاستجابة الطارئة.
إنَّ قضايا الوعي من الأمور التي تتطلَّب وجود خطط وطنية مستمرَّة لمتابعة الوعي القانوني والفني والصحي والمهني، وذلك وَفق مسارات مُتعدِّدة تتعلَّق بالارتقاء المهني، ودراسة السلوك البشري للعاملين في الحِرف الخطرة، خاصة العاملين في أنشطة الاستجابة للمواد الخطرة، نظرًا لأنَّهم حُماة المجتمع والوطن، وهذا يتطلَّب توفير أنظمة المكافأة والحوافز المستمرة.
وسيتمُّ العمل على استكمال مقالات إدارة المخاطر في المنشآت والحِرف الخطرة – إن شاء الله – في الأعداد القادمة، مع استكمال باقي المقالات ضمن سلسلة المقالات الخاصة بالمنشآت والحِرف الخطرة، ونسأل الله – عز وجل – أن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يزيدنا علمًا.