سلامة المرافق الصحيَّة في الطوارئ والكوارث ركيزة للاستجابة الصحية الآمنة والمستدامة
مقدمة:
تُمثِّل المرافق الصحية أحد الأعمدة الأساسيَّة في استجابة المجتمعات لحالات الطوارئ والكوارث؛ سواء كانت طبيعيةً، أو ناتجةً عن تدخُّل بشري، غير أنَّ هذه المرافق نفسها قد تصبح عُرْضةً للخطر في غياب أنظمة حماية فعَّالة، وبُنْية تحتية مقاومة، ومن هذا المنطلق تسعى منظمة الصحة العالمية إلى تعزيز أمن وسلامة المرافق الصحية باعتبارها جزءًا لا يتجزَّأ من الاستعداد والاستجابة للطوارئ، فالمستشفيات والمراكز الصحيَّة الآمنة لا تنقذ الأرواح فقط بعد وقوع الكارثة، بل تُسْهم في الحفاظ على استمرارية الخدمات الصحية الأساسية، وتقليل الخسائر البشرية والمادية.
أهمية تأمين المرافق الصحية في سياق الكوارث:
في ظلِّ تصاعد التهديدات البيئيَّة، والصِّراعات، وتغيُّر المناخ، يزداد تعرُّض المرافق الصحية لمخاطر تُعِيقُ عملها، أو تؤدي إلى تدميرها، وعندما تنهار المستشفيات في لحظات الأزمة، تفقد المجتمعات أداةً رئيسةً في تقليل الخسائر الصحية والاستجابة الفورية، وقد أكَّدت منظمة الصحة العالمية أنَّ حماية هذه المرافق لا يقتصر على سلامة المباني فحَسْب، بل يشمل استمراريَّة النُّظم التشغيليَّة، والطاقة، والمياه، والتواصل، وسلاسل الإمداد؛ ممَّا يعكس المفهوم الشامل للسلامة التشغيليَّة في الأزمات.

الإطار المتكامل لسلامة المرافق الصحية في حالات الطوارئ:
تُشدِّد منظمة الصحة العالمية على أنَّ سلامة المرافق الصحية تعتمد على ثلاثة مستويات مترابطة:
- السلامة الهيكلية Structural Safety:
تشمل مقاومة المباني الطبيَّة للهزَّات الأرضية، والفيضانات، والرياح الشَّديدة، والانفجارات، باستخدام معايير تصميم هندسي مقاومة للمخاطر، وهذا يضمن عدم انهيارها أثناء الكوارث، ويُعدُّ أحد محاور السلامة الإنشائيَّة الأساسية.
- السلامة غير الهيكلية Non-Structural Safety:
تتعلَّق بعناصر؛ مثل: أنظمة الكهرباء، والغاز، والمياه، وتثبيت الأجهزة الطبيَّة، وتأمين المواد الكيميائية والدوائيَّة، وكل ما قد يُسبِّب خطرًا إذا فُقِدَ التحكُّم فيه أثناء الكارثة.
- وظيفيَّة المرافق Functional Safety:
تتضمَّن ضمان استمراريَّة الخدمات الصحيَّة في الأزمات من خلال الخطط التشغيليَّة، وجودة التَّدريب، وتوافر الموارد البشريَّة، وإدارة سلسلة الإمداد، وهذا يشمل خطط الطوارئ، والتأهُّب، وتدريبات المُحَاكاة.
الربط بين السلامة والصحة العامَّة في الكوارث:
لا يمكن فَصْل سلامة المرافق الصحيَّة عن الأمن الصحي العام، فالمرافق التي تنهار أو تتعطَّل أثناء الكوارث تؤدِّي إلى تعطيل منظومة الصحة العامة برُمَّتها؛ ممَّا يزيد من معدل الوفيات، وانتشار الأوبئة، وتدهور الأمن الصحي في المجتمعات المتأثرة، كما أنَّ المرافق الصحية الآمنة تُشَكِّل ملاذًا نفسيًّا واجتماعيًّا للمجتمعات المتضرِّرة، وتدعم جهود الإغاثة الوطنية والدولية.
استراتيجيات منظمة الصحَّة العالمية لتعزيز أَمْن المرافق الصحيَّة:
تبنَّت منظمة الصحَّة العالمية حُزْمةً من المبادرات والبرامج لدعم الدول الأعضاء في تعزيز أمن مرافقها الصحيَّة، ومن أبرزها:
- تطوير السياسات الوطنية واللوائح المتعلقة ببناء وتطوير مرافق صحيَّة مقاومة للمخاطر.
- حماية أرواح العاملين والمرضى داخل المرافق الصحيَّة أثناء الكوارث.
- حماية الاستثمار الاقتصادي، وضمان استمرارية تشغيل المرافق الحيوية الجديدة والقائمة.
- تطبيق أداة تقييم سلامة المستشفيات Hospital Safety Index أداة منهجيَّة لتقييم قابلية المستشفيات للاستمرار في العمل خلال وبعد الكارثة؛ ممَّا يتيح لمتَّخذي القرار معرفة مستوى أمان المستشفيات، وتحديد نقاط الضَّعف، وتعزيز نقاط القوة.
- دعم كفاءة الطاقة والمرونة المناخية في تصميم وتشغيل المرافق الصحيَّة.
الخاتمة:
إنَّ تأمين المرافق الصحيَّة في حالات الكوارث والطوارئ ليس ترفًا تنظيميًّا، بل ضرورة وجوديَّة تَمسُّ الأمن الصحي والسلامة المجتمعية، ويُعدُّ الاستثمار في السلامة الهيكلية والوظيفية للمرافق الصحية- ركيزةً حيويةً للحدِّ من أثر الكوارث، وحماية الأرواح، وضمان العدالة الصحية حتى في أَحْلك الظروف، ومن هذا المنظور يصبح تعزيز أَمْن هذه المنشآت التزامًا مشتركًا بين الحكومات، والمنظمات الدولية، ومؤسسات السلامة، والمجتمعات المحلية.