مقالات المجلة

انفجار ضخم في أكبر ميناء تجاري في إيران

مقدمة:

تُعدُّ السلامة عنصرًا أساسيًّا في استمرارية المنشآت الحيوية، لا سيَّما في الموانئ التي تتعامل مع كميات كبيرة من المواد الخطرة يوميًّا، وفي غياب أنظمة فعَّالة للوقاية والمراقبة، تتحوَّل هذه المواقع إلى بُؤَر محتملة لكوارث صناعية مدمِّرة.

لقد أعاد انفجار ميناء الشهيد رجائي في إيران تسليط الضَّوء على أهميَّة تطبيق معايير السلامة الدولية، وأظهر كيف يمكن للإهمال التنظيمي أن يقود إلى خسائر بشريَّة وبيئيَّة واقتصادية لا تُعوَّض.

أولًا: تفاصيل الحدث:

موقع الحادث وأهميَّته الجيوسياسيَّة:

في واحدة من أخطر الكوارث الصناعيَّة التي شهدتها إيران في العقود الأخيرة، وقَع انفجار هائل في ميناء (الشهيد رجائي)، بمدينة (بندر عباس)

، وهو أكبَر ميناء للحاويات في البلاد، وقد وقَع الانفجار في منطقة حسَّاسة قرب مضيق هرمز الذي تمرُّ عَبْره نسبة كبيرة من تجارة النفط العالمية، ما جعل من الحادث تهديدًا أمنيًّا واستراتيجيًّا بالغ الخطورة، تجاوز أبعاده المحلية إلى دائرة الاهتمام الدولي.

وَصْف لحظة الانفجار:

وثَّقت الكاميرات الأمنية لحظات اندلاع الحريق الأولى الذي سرعان ما تطوَّر خلال دقيقة واحدة إلى انفجار ناريٍّ ضخم، تَبِعَهُ تَصاعُد كثيف للدخان البني والبرتقالي في مشهد يعبِّر عن اشتعال مواد شديدة التفاعل الكيميائي.

حصيلة الخسائر الأوليَّة:

أسفر الحادث بحسَب الحصيلة الأخيرة الصادرة يوم الإثنين عن مقتل ما لا يقلُّ عن (70 شخصًا)، وإصابة أكثر من (1000 آخرين)، إضافةً إلى تدمير قرابة (2000 حاوية)، معظمها تحتوي على بضائع زراعية، ومواد كيميائية خطرة.

ثانيًا: الأسباب الفنية والتنظيمية للحادث:

الأسباب المباشرة:

تشير التَّصريحات الرسمية إلى أنَّ الإهمال الجسيم، وعدم الالتزام بإجراءات السلامة الأمنيَّة الأساسية، شكَّلا العامل الرئيس وراء الانفجار، حيث تمَّ توقيف عددٍ من المسؤولين بعد تحديد هُويَّاتهم ضمن إطار المساءلة.

الأسباب البنيويَّة:

تبيَّن أن أنظمة الدفاع المدني لم تكن فعَّالة بالقدر المطلوب في ظلِّ عدم تنفيذ خطط السلامة، وعدم التقيُّد ببـروتوكولات تخزين المواد الخطرة، كما أظهرت نتائج التحقيقات الأوليَّة أن الحريق بدأ من مستودع غير مرخَّص لتخزين مواد كيميائية خطرة، لم تُسجَّل شحناته ضمن النظام الجمركي، ما يعكس ضعفًا رقابيًّا في آليَّات الضبط اللُّوجستي داخل الميناء.

وفي المقابل، ذكرت تقارير إعلامية أنَّ المادة التي انفجرت قد تكون (بركلوريت الصوديوم)، وهي مادَّة تُسْتخدم في صناعات حسَّاسة، بينما نَفَت الجهات المختصَّة وجود أي شحنات ذات طابع عسكري في الموقع.

وقد صدرت توجيهات عليا تدعو إلى تحقيق فوريٍّ وشامل في الحادث، فيما بادرت هيئات رقابيَّة وتشريعيَّة إلى تشكيل لجان متخصصة لتحديد أوجه التقصير والمحاسبة دون تأخير.

ثالثًا: إجراءات السلامة والاستجابة:

الإجراءات الفورية:

  • إغلاق فوري للمدارس والمرافق العامَّة كافَّة في مدينة (بندر عباس)، مع دعوة السكان لارتداء الكمامات، وتجنُّب الخروج من المنازل.
  • إطلاق خطة طوارئ موسَّعة شاركت فيها فِرَقُ الإطفاء، والدفاع المدني، والهلال الأحمر، بدعم مؤقَّت من طائرات روسيَّة متخصصة في إطفاء الحرائق.
  • نَشْر وحدات طبيَّة ومراكز طوارئ متنقِّلة لاستقبال المصابين.

الإجراءات التنظيميَّة:

  • تشكيل لجنة وطنيَّة عليا من البرلمان والأجهزة القضائية والأمنية لجمع الأدلَّة وتحليلها بشكل منهجيٍّ.
  • تسريع الرقابة على الشُّحنات الواردة، والتَّشديد على إلزاميَّة الإعلان المسبق عن طبيعة ومصدر البضائع الخطرة.

الإجراءات اللُّوجستية:

وَقْف العمليات مؤقتًا في منطقة الحاويات المتضرِّرة، وتحويل مسار الحمولات التِّجارية إلى موانئ بديلة لتقليل الضغط.

إلى جانب هذه الإجراءات، تصاعدت الأصوات المطالبة بإعادة تقييم شاملة للبُنْية التنظيمية لسلامة الموانئ في إيران، ووضع آليَّات أكثر صرامةً للفحص الجمركي الإلكتروني، ونظام تتبُّع لحظي للحاويات الخطرة، وإلزام جميع العاملين والمورِّدين بدورات سلامة معتمدة ومحدثة.

رابعًا: (بركلوريت الصوديوم)، الخصائص، المخاطر، تدابير السلامة:

تعريف بركلوريت الصوديوم  (Sodium Perchlorate):

(بركلوريت الصوديوم): هو مُركَّب كيميائي يُسْتخدم في صناعات متعدِّدة؛ مثل: إنتاج الوقود الصَّاروخي، والمواد المتفجِّرة، والمواد المؤكسدة؛ نظرًا لخصائصه كمُؤَكسد قويٍّ، فإنه يتطلَّب تطبيق إجراءات صارمة للسلامة عند التعامل معه لتفادي الحوادث والانفجارات.

مخاطر (بركلوريت الصوديوم):

  1. مؤكسد قوي: يمكن أن يُسبِّب اشتعالًا أو انفجارًا عند التلامس مع مواد قابلة للاشتعال؛ مثل: الورق، أو الزيوت، أو المواد العضوية.
  2. تفاعل مع الحرارة: قد يؤدِّي التعرض للحرارة، أو الاحتكاك، أو الصدمات، إلى تفكُّك حراري ينتج عنه غازات سامَّة.
  3. تأثيرات صحيَّة: يمكن أن يُسبِّب تهيجًا للعينين والجهاز التنفسي عند الاستنشاق أو التلامس المباشر.
  4. تأثيرات بيئية: عند تسريبه إلى المياه، يمكن أن يُسبِّب تلوثًا بيئيًّا خطيرًا؛ نظرًا لقدرته على التأثير على النظام البيئي المائي.

إجراءات السلامة في التعامل مع (بركلوريت الصوديوم):

التخزين:

  • مكان التخزين: يجب تخزينه في أماكن باردة وجافَّة، وجيِّدة التهوية، بعيدًا عن مصادر الحرارة، والمواد القابلة للاشتعال.
  • حاويات التخزين: يُفضَّل استخدام حاويات مُحْكمة الإغلاق، ومصنوعة من مواد غير قابلة للتفاعل مع (بركلوريت الصوديوم).
  • علامات التحذير: يجب وَضْع علامات تحذيريَّة واضحة على الحاويات تُشِيرُ إلى طبيعة المادَّة وخطورتها.

التعامل والنقل:

  • مُعدَّات الوقاية الشخصية: يجب ارتداء ملابس واقية، وقُفَّازات، ونظارات أمان عند التعامل مع المادة.
  • التقليل من الغبار: تجنُّب تكوين غبار أثناء التعامل مع المادَّة لتقليل خطر الاستنشاق أو الاشتعال.
  • التعامل مع الانسكابات: في حالة الانسكاب، يجب تنظيف المنطقة باستخدام مواد غير قابلة للاشتعال، وتجنُّب استخدام نشارة الخشب، أو المواد العُضْوية.

مكافحة الحرائق:

  • وسائل الإطفاء: في حالة نُشُوب حريق، يُفضَّل استخدام كميات كبيرة من الماء لتَبْريد المنطقة المحيطة، ومَنْع انتشار الحريق.
  • الإخلاء: في حالة الحرائق الكبيرة، يجب إخلاء المنطقة لمسافة آمنة، والاتِّصال بالجهات المختصَّة فورًا.

التخلُّص من النُّفايات:

  • التخلُّص السليم: يجب التخلُّص من (بركلوريت الصوديوم)، والنُّفايات المرتبطة به وَفْقًا للوائح المحلية والدولية، وتجنُّب تصريفه في المجاري أو مصادر المياه.
  • التعامل مع المخلَّفات: يجب جمع المُخلَّفات في حاويات مخصصة، والتعامل معها كمُخلَّفات خطرة.

خاتمة:

سلَّط الانفجار الذي وقع في ميناء (رجائي) الضوء مجددًا على مواطن الضعف البُنْيوي في أنظمة السلامة البحرية في عددٍ من الدول النامية، حيث لا تزال المواد الخطرة تُخزَّن وتُنَاوَل بوسائل غير متوافقة مع المعايير التنظيمية الدولية؛ مثل: المُدوَّنة الدولية للبضائع الخطرة IMDG Code، ومعايير إدارة السلامة المهنية  (OSHA)، وتُظْهر هذه الحادثة أنَّ السلامة لم تَعُدْ ترفًا إجرائيًّا، بل تُمثِّل ركيزةً حيويةً من ركائز الأمن الوطني، تتقاطع مع حماية الأرواح، واستدامة الاقتصاد، وصَوْن السِّيادة.

لقد أثبت هذا الحادث أنَّ بناء ثقافة السلامة لا يجب أن يكون مجرَّد رِدَّة فِعْلٍ على الكوارث، بل ركيزة أصيلة في بُنْية الإدارة الذكية للموانئ، والصناعات الخطرة.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *