تتكوَّن السلامة المروريَّة من ثلاثة عناصر متكاملة:
(الطريق، والمَرْكبة، والسُّلوك).
وبينما تقوم المَرْكبة بدورها، وتُعْنى بقيادتكَ الواعية، يظلُّ الطريق هو الشريان الأساسي لمَنْع الحوادث، فدَعْنا نلقي نظرةً على مُكوِّنات الطريق الرئيسة: مساره، وجوانبه، وأهميَّة كلٍّ منها.
أولًا: مسار الطريق – لغة الصَّمت التي تحمي السائقين:
مسار الطَّريق ليس مجرَّد مساحة للسَّير، بل هو لغة تواصل صامتة مُصمَّمة لتوجيه السائق وحمايته:
- المسارات الآمنة: يجب أن تكون ذات عرضٍ كافٍ للمناورة الآمنة، فبعض الدِّراسات تشير إلى أنَّ المسارات الأضيق يمكن أن تزيد من معدَّلات الحوادث.

ويعتمد تحديد هذا العرض على نوع الطَّريق، وسرعة التَّصميم، وحجم المَرْكبات، فالمسارات الَّتي يقلُّ عرضها عن (3 أمتار) ترتبط بزيادة التَّصادمات الجانبية، خاصةً في الطرق ذات الكثافة المروريَّة العالية، بينما تؤمِّن المسارات التي يتَراوح عَرْضها بين (3.25 إلى 3.75 أمتار) توازنًا بين السلامة وكفاءة الحركة.
الجدير بالذِّكر أن الاتِّساع المُبَالغ فيه قد يُشجِّع على زيادة السُّرعة؛ ممَّا قد يُقلِّل من التحكُّم، ويزيد من الحوادث عند المنعطفات والتقاطعات.
كما يُرَاعى عند التصميم اختلاف نوع الطريق؛ فالطُّرق الريفيَّة قد تتطلَّب عرضًا مختلفًا عن الطرق الحضرية، مع الأخذ في الحسبان وجود أكتاف أمان، أو حارات مُخصَّصة للدرَّاجات إنْ وُجِدَتْ. وتصميم عرض المسار يُعدُّ بذلك عاملًا هندسيًّا حاسمًا في الحدِّ من الحوادث، وتحقيق بيئة قيادة آمنة.
- المنحنيات الآمنة: تُصَمم بدقَّة لتناسب سرعات القيادة؛ ممَّا يمنع الانزلاق، وحوادث الخروج عن الطريق على المنحنيات تُمثِّل نسبةً كبيرةً من الحوادث المميتة.
ويُرَاعى في تصميم المنحنيات عامل: (نصف قُطْر المنحنى)، ودرجة (الميول العرضية Superelevation)؛ لضمان توازن القوى المؤثِّرة على المَرْكبة، فكلَّما زادت السرعة التصميميَّة، زاد نصف قُطْر المنحنى المطلوب للحفاظ على الاستقرار الديناميكي للمَرْكبة، كما تعمل المُيُول العرضية على توجيه المَرْكبة نحو الداخل عند الانعطاف؛ ممَّا يُقلِّل من القوى الطاردة المركزيَّة التي قد تؤدِّي إلى الانقلاب أو الانزلاق، خاصةً في الشَّاحنات والمَرْكبات الثقيلة.. إنَّ إهمال هذه المعايير قد يؤدِّي إلى حوادث قاتلة، لا سيَّما في الطرق الجبليَّة، أو تلك التي تشهد أمطارًا غزيرةً.
- دهانات تحديد المسار: هذه الخطوط المرئيَّة هي عيون الطريق التي تُرْشد السَّائقين، وتمنع الارتباك، وقد أظهرت الأبحاث أنَّ الدهانات الواضحة يمكن أن تُقلِّل من حوادث الخروج عن المسار بنسبة تصل إلى (20%).
ويُقْصد بذلك أنَّها قد تُمثِّل حتى (20%) من تقليل الحوادث الناتجة عن الخروج غير المقصود عن المسار، وهو أحد أنماط الحوادث المرتبطة بإدراك المسار، أو ضعف الرُّؤية، خاصةً في الليل، أو أثناء الضَّباب.
وتُعتَبر هذه العلامات المرئيَّة وسيلة توجيهٍ حسَّاسة في الظروف منخفضة الرُّؤية كالليل أو الضباب، حيث تُعزِّز إدراك السَّائق لموقعه واتِّجاهه داخل المسار، وتعتمد فاعليَّتها على درجة الانعكاس الضوئي، وسُمْك الطلاء، وتكرار صيانته. وأثبتت الدراسات أنَّ دهانات الطرق القابلة للانعكاس اللَّيلي (Retroreflective Paints) تُسْهم في خفض معدلات الحوادث بنسبة ملحوظة على الطرق السريعة، خاصةً عند المنعطفات والنِّقاط السوداء (Hotspots)؛ لذا فإنَّ هذه (العيون البصريَّة) ليست جماليَّة فقط، بل آليَّة فعَّالة لمنع الانحراف، وتقليل التصادمات الجانبية.
- اللَّوحات الإرشاديَّة والتحذيريَّة: هذه اللَّافتات هي أصوات الطريق التي تُحذِّر وتُوجِّه وتُنظِّم الحركة، وتُظْهرُ الأبحاث أن اللَّافتات الواضحة تُسْهم في تقليل الحوادث المرتبطة بالارتباك من خلال توجيه السائقين بوضوحٍ، وتعزيز فَهْمهم للطريق وظروفه.
وتُصنَّف هذه اللَّوحات إلى: (تحذيريَّة، وتنظيمية، وتوجيهيَّة)، ويعتمد نجاحها في تحسين السَّلامة على وضوحها، وحجم الخط، ووقت الرُّؤية المتاح، والموقع المناسب على الطريق، فاللَّوحة التَّحذيرية الَّتي لا تُرَى قبل (100 متر) مثلًا، قد لا تمنح السائق الوقت الكافي للاستجابة، خاصةً في السُّرعات العالية. ويُوصَى باستخدام مواد عاكسة للضوء وزوايا تثبيت مدروسة لتعزيز وضوح اللَّافتات ليلًا، كما يجب إزالة أي عناصر بصريَّة (كالأشجار أو الإعلانات التجارية) تحجب رؤية هذه اللَّوحات؛ إذ إنَّ أيَّ تأخير في الاستجابة، قد يُنْتج سلوكًا خاطئًا يهدِّد حياة الرُّكاب ومُسْتخدمي الطريق الآخرين.
وكلُّ تفصيلٍ في مسار الطريق يعمل بتناغم لخَلْق بيئة قيادة واضحة وآمنة.
ثانيًا: جوانب الطريق (Free Zone) – المنطقة الآمنة التي لا نراها دائمًا:
جوانب الطريق تُمثِّل خط الدفاع الأخير، والأهمُّ هو المنطقة الخالية Free Zone، وهي المساحة المجاورة للمسار، والمُصمَّمة لتكون خاليةً من العوائق لامتصاص أي انحراف للمَرْكبة دون أضرارٍ جسيمةٍ.
وتُعْرف هذه المنطقة في هندسة الطرق بـ(منطقة الاسترداد) (Clear Zone)، وهي حيويَّة لتقليل شدَّة الحوادث الناتجة عن الانحراف العرضي، فكلَّما زادت سرعة الطريق، زاد الحدُّ الأدنى المطلوب لتلك المساحة وَفْق معايير التصميم الدولية.
يجب أن تكون هذه المنطقةُ خاليةً تمامًا من العوائق الثابتة؛ مثل:
أعمدة الإنارة، والعبارات، والأشجار والأجسام الثابتة، فأيُّ بُنْية صُلْبة قد تتحوَّل إلى خطر مميت.
وتُشكِّل حوادث الاصطدام بالعوائق الثابتة على جوانب الطريق نسبةً كبيرةً من الحوادث المرورية عمومًا، حيث تُمثِّل ما يصل إلى (60%) من فئة حوادث الخروج عن الطريق، وهي حوادث غالبًا ما تكون شديدة الخطورة نتيجة الاصطدام المباشر بأجسام غير قابلة للانضغاط.
وتُمثِّل هذه العوائق تهديدًا مباشرًا لحياة السائقين؛ إذ إنَّ الاصطدام بجسمٍ غير قابل للانضغاط حتى بسرعات متوسطة، يؤدِّي إلى إصابات قاتلة؛ لذلك تُعدُّ إزالة هذه العوائق أو إعادة تَمَوْضعها خارج المنطقة الخالية من أولويَّات السلامة في تصميم الطرق.
وفي حال الضرورة القصوى لوجود عوائق (كأعمدة الجسور)، يجب تركيب أنظمة حواجز جانبية حولها، وهذه الحواجز مُصمَّمة لامتصاص طاقة الاصطدام، وتوجيه المَرْكبة بعيدًا عن الخطر. وتشير الدِّراسات إلى أنَّ هذه الحواجز تُسْهم بشكل ملموس في تقليل شدَّة الإصابات والوفيات الناتجة عن حوادث الخروج عن المسار من خلال امتصاص طاقة الاصطدام، وتوجيه المَرْكبة بعيدًا عن الخطر.
تُعدُّ الحواجز الواقية (مثل: W-Beam أو Jersey Barriers) من أهمِّ عناصر التَّخفيف الهندسي للمخاطر، حيث تُقلِّل من شدَّة الحوادث بنسبة كبيرة، شريطة أن تُخْتار وتُركَّب وَفْقًا للمعايير الفنية المعتمدة لنوع الطريق، وسرعة المرور.
الخاتمة:
طريق آمن.. قيادة آمنة:
الطريق الآمن بتصميمه الدقيق لمساراتِهِ واهتمامِهِ بجوانبه الحرة، هو أساسٌ لا غنى عنه في منظومة السلامة المروريَّة، إنَّه استثمار في الأرواح، ولغة خفيَّة تتحدَّث إلى السائق لتُجنِّبه المخاطر، ولكي نتمتَّع بطرق أكثر أمانًا، يجب أن يتكامل هذا التَّصميم الآمن والصِّيانة المستمرَّة للطريق، مع التزام السَّائقين بالقواعد، وامتلاك مَرْكبات مزوَّدة بأحدث أنظمة السلامة.