تهتمُّ الدول في البناء المؤسساتي والقانوني لها بما ينعكس على الأداء المتميِّز للحكومات المتعاقبة، وقد تُشرِّع الدول العديد من الأنظمة والتشريعات التي تُسْهم في ضبط سلامة المجتمعات، والحد من التأثيرات السلبيَّة، وذلك عَبْر العمليات التكاملية في التخطيط المبنيِّ على النتائج للحدِّ من الأضرار المُتوقَّعة في البيئات الصناعية والتجارية والاقتصادية، والبيئات المشتركة بين التنمية الحضرية، والعمرانية، والإشغالات السكنيَّة، وغيرها.
وتُعتَبر البيئات الصناعية العشوائية غير المنظمة بطرق هندسية تراعي مُتطلَّبات السلامة الحضرية- أحد المخاطر المُهدِّدة للتنمية الحضرية المحيطة؛ إذ تختلف مستويات المخاطر المؤثرة على المجتمعات من دولة لأخرى وَفْق معدلات الهشاشة المؤثرة على الأنشطة البشرية، واستقرار الأعمال بشكل يُقلِّل من مستويات الحوادث التي تعزز من الخسائر، وانتشار الأمراض، والتلوث الحضري والبصري.
وتلعب المنشآت التي تتَّصف بالخطوة دورًا مميزًا في تحقيق التنمية؛ حيث تُسْهم هذه المنشآت في استيعاب العمالة، وخفض معدلات البطالة والفقر، وتوفير متطلبات الحياة البشرية للمجتمعات بمستوياتها كافَّة، وتعمل المنشآت والحِرَف على التوزيع العادل للثروات والفرص الاقتصادية على الرغم من المخاطر المتولدة منها، والتي يمكنها أن تَحُول دون تحقيق الأهداف المَرجوَّة للصناعات والحِرَف المنتشرة في الدولة.
وتتسبَّب هذه المنشآت في العديد من المخاطر المهدِّدة للبيئة الطبيعية والبشرية، وأبرزها التلوُّث البيئي الذي تَسبَّب في انتشار الغازات الدفيئة، وتلوُّث الهواء والمياه والتربة، وهذا بدوره ينعكس على هشاشة المنظومة الصناعيَّة والتجارية والاقتصادية للدول؛ لذا تهتمُّ المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص وأصحاب المصالح التجارية والاقتصادية والمؤسسات الصناعية بإدارة المخاطر لمُؤسَّساتهم ومنشآتهم بما يُسْهم في تعزيز التنمية الاقتصادية، وزيادة هامش الربح، مع تقليل الآثار السلبيَّة المتوقَّعة.
ويُقْصد بـ (علم إدارة المخاطر): «المَزْج المُركَّب بين احتمالية وقوع الخطر، وتهديده للمنشآت والحِرَف والبيئات المحيطة بهما».
ويرتبط علم إدارة المخاطر بالجوانب السلبية للخطر، وما يترتب عليه من خسائر دون إغفال الجوانب الإيجابية الأخرى؛ كالفرص الناتجة عن الخطر في تحسين بيئات العمل، وتطوير العمليات الإنتاجية؛ لذا من المهم التفكير في التعامل مع الخطر بشِقَّيه (الإيجابي والسلبي)، حيث إنَّ عمليات التخطيط للوقاية من المخاطر في مجال السلامة والأمان يأخذ في الاعتبار النتائج السلبيَّة، والتي أدَّت إلى التركيز على إدارة خطورة السلامة، ومنع الضرر، وتخفيف الآثار المتوقَّعة.
وإدارة المخاطر هي في الأساس أداة تخطيطٍ لإدارة المخاطر؛ سواء بتقييم المخاطر ونتائج المخاطر، وما المخاطر المتوقَّعة؛ سواء من بيئة العمل، أو العامل، وتقوم على أساس القيام بعملية منسقة ومخطط لها بخطوات يتمُّ من خلالها معرفة المخاطر، وإمكانية حدوثها، وتنقسم إلى عددٍ من الخطوات والمهام.
ويُقْصَد بالمخاطرة أو الخطورة: «أنها احتمالية حدوث ضرر أو إصابة للعاملين؛ سواء بسبب تصرُّف منهم، أو بسبب الآلات، أو بيئة العمل المحيطة بهم، أو نتيجة الإهمال في صيانة المُعدَّات، أو التعامل مع المواد الخطرة».
وتبرز أهمية إدارة المخاطر للمنشآت والحِرَف الخطرة من تنظيم الإطار الذي يَدْعم الأنشطة البشرية في عمليات التشغيل بأسلوب متناسب مع حجم الأعمال، وبقدرة عالية على التحكُّم بالنتائج المترتبة على التشغيل، وهذا بدوره يُسْهم في تطوير أساليب اتخاذ القرار، والتخطيط لتحديد الأولويات والتغيُّرات والفرص والمخاطر الناتجة عن تشغيل المنشآت، والاستخدام الفعَّال لرأس المال البشري والموارد المتاحة بقدرٍ عالٍ من عدم التأثُّر بالتقلُّبات المؤثرة على المؤسسة، وهذا يُسْهم في حماية المنشآت وسُمْعتها، وتطوير دعم العاملين على قاعدة المعلومات المنظمة، وتعظيم الكفاءة التشغيليَّة.
ويُقصَد بالمخاطر الصناعية: «المؤثرات الخارجيَّة التي تنتج عن النشاط الصناعي في داخل المنشآت الصناعية وخارجها، وكذلك في المدن والمناطق المخصصة للاستخدامات الصناعية، والتي بدورها تؤثر على الأفراد العاملين؛ إما بالموت، أو الإصابة، أو تدهور صحة العاملين بصورة متعددة»، وبالتالي: «هي مجموعة التغيُّرات التي تطرأ على بيئة العمل الصناعية، والتي تلحق الضرر السلبي في بعض الأحيان بشكل مباشر، أو الأمراض المهنية الأخرى».
خطوات إدارة المخاطر في المنشآت والحِرَف الخطرة:
- تحديد المخاطر: تُعتَبر هذه الخطة الأولى التي يتمُّ من خلالها التعرُّف على المخاطر ومصادرها، والمشاكل التي تَسبَّبت بها، والتعرُّف على طبيعة الخطر، وربطه بقدرة المؤسسة على التعامل معه؛ إذ تتميَّز هذه الخطة بالتحديد المباشر لنوعية المخاطر، وما يترتَّب عليها من فَهْمٍ لكلِّ الأخطار، وما ينتج عن ذلك من القدرة على التعامل مع الأحداث الناتجة عنها.
- تحليل المخاطر: وهي قياس جاهزيَّة المنشآت والحِرَف والبيئة الداخلية والخارجية المحيطة بها، وفَهْم قدرتهم على التعامل مع الأحداث، وذلك عَبْر الفهم السليم لأهداف المنشأة، وطبيعة عملها، والأنشطة التشغيليَّة، وتحليل أسباب وآثار المخاطر، والعوامل الحيوية التي تضمن فَهْم طبيعة العمل والمُمَارسات البشرية، والفرص والتهديدات ذات العلاقة بأهدافها؛ لذلك تحليل المخاطر بعد تحديدها أحد الخطوات المهمة لفَهْم مُكوِّنات الأخطار التي تُسْهم في وقف الأنشطة، وتراجع العمليَّات الإنتاجية.
- تصنيف المخاطر: يهتمُّ أصحاب المنشآت والحِرَف الخطرة بتصنيف المنشآت، وذلك عَبْر دراسة الاحتمالية لكل خطرٍ، والأولوية للتعامل مع كل خطر وَفْق قدرات المنظمة، على أن يتم تحديد الأفعال المصاحبة للأنشطة مع دمج إدارة المخاطر في مراحل التخطيط والتنفيذ للعمليات التشغيليَّة الحالية والمستقبليَّة، وذلك عَبْر التصميم بطريقة تُسْهم في وَصْف الأخطار بشكل دقيق.
- تقدير المخاطر: تُقدِّر المؤسسات المخاطر بأسلوبٍ كميٍّ، أو نوعيٍّ، أو خلط بين الكمِّي والنوعي للتحقُّق من احتمالية الوقوع والنتائج المتوقَّعة، والتهديدات أو الفرص التي تكون بمستويات مختلفة، وقد تكون احتمالية الوقوع بمستويات، ويختلف الخبراء بالتقييم بين المستويات؛ منها: ثلاثي أو خماسي، يلي ذلك رسم المخاطر وتأثيراتها على الفراغات الداخلية للمنشأة، والمناطق المتأثرة على صعيد البيئة الداخلية والخارجية، والمجالات التي يمكنها أن تقدر بها إدارة المنشأة أو الحِرفة القدرة على تحكُّم أو قدرة المخاطر على إرغام طاقم العمل على التأثر السلبي، ومدى تخفيضها أو إعادة تنظيم الأنشطة للحدِّ من المخاطر.
- تقييم المخاطر: يتمُّ العمل على تقدير الأخطار، وقياسها عَبْر المقارنة بين التقديرات لكل خطرٍ على حدة، ويتضمن قياس المخاطر والعوائد الناتجة عنها والخسائر والمتطلبات القانونية والإجراءات الوقائية، وتقييم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئة ذات العلاقة بالمنشآت، وتُسْهم عمليات تقييم المخاطر المقبولة أو غير المقبولة في اتِّخاذ القرارات المناسبة بما يُحقِّق الحماية الشاملة للمنشآت والمناطق الحضرية المحيطة بها.
- إعداد تقارير المخاطر والتواصل مع الجهات المختلفة: تعتمد المؤسسات الأساليب الرقابيَّة على الأنشطة والمسئوليات الإدارية، والتزام العاملين بدليل السلامة التشغيليَّة وتطبيق أنظمة الرقابة الأولية بما يُسْهم في تحقيق السلامة الذهنية للعاملين في الأماكن الخطرة، وتطبيق أنظمة المراجعة، وذلك في سجلِّ المخاطر والتهديدات المحدث، وتحديد خطوات التعامل مع كل خطرٍ.
- معالجة المخاطر: تُعتَبر هذه الخطوات عمليات تشغيلية لاختيار وتطبيق إجراءات الانتقال من حالة الهشاشة وتفشِّي الخطر إلى الحالة المثاليَّة عَبْر تصويب أوضاع المنشآت والحِرَف، ورَصْد التكلفة المالية للتحكُّم بالمخاطر مقارنةً بالمزايا المتوقَّعة، وتخفيض مستوى الضرر المتوقَّع بما يضمن المعالجة الإيجابيَّة للمخاطر وتجنُّبها.
تصنيف المخاطر:
من خلال تحليل البيئات المرتبطة بالمنشآت والحِرَف الخطرة تهتمُّ المؤسسات بتصنيف المخاطر وَفْق ما يلي:
أولًا: المخاطر الداخلية:
وهي المخاطر التي تؤثر على سَيْر المنشأة من داخلها؛ كالمخاطر المرتبطة بالتقدير الخاطئ لمشروع الإنشاء، وسوء التخطيط والتصميم والتنظيم الأولي لها، وما يترتَّب عليها من مخاطر قانونية وتنظيمية تُسْهم في صعوبة الحصول على التصاريح والتَّراخيص المناسبة، وينتج عن إساءة التصميم أو اختيار الموقع صعوبةٌ في مراعاة المحددات المرتبطة بالسلامة الحضرية، وكذلك المشاكل الناتجة عن جودة الإنشاء، وضعف عوامل الأمان بالموقع ما ينعكس على اضطرابات العمال.
وتتعرَّض المنشآت لمخاطر تركيب التقنيات الحديثة التي من الصعب عمل تقييم الإنتاجية والتأخيرات المحتملة ما ينعكس على ارتفاع تكاليف التشغيل، والصعوبة في تغيير المواصفات التي تنعكس على تصميم المنشآت، وكما وأنَّ تشكيل فِرَق العمل وعدم جاهزيَّتها وكفاءتها تتسبَّب في مخاطر بشرية تُسْهم في التقاعس عن أداء العمل بالشكل المناسب، وهذا بدوره ينعكس على سوء إدارة المشروعات، واتِّخاذ القرارات في الوقت غير المناسب، أو اتخاذ القرارات بشكلٍ خاطئٍ يؤدي لتعطُّل عمل المنشآت، وهذا يُسْهم في تأخير استلام وتسليم الأعمال التي يتوجب على أصحاب المنشآت تنفيذها في الوقت الملائم، والالتزام بالجداول الزمنية للمنتجات والأنشطة، وتعتمد المخاطر الداخلية على الأنشطة اليومية في تشغيلها، وزيادة الضرر الناتج عن الأعمال.
ثانيًا: المخاطر الخارجية:
تُصنَّف المخاطر الخارجية بالعمليات ذات العلاقة المباشرة بالمُعدَّات، وتعطُّل الأجهزة والمُعدَّات المستخدمة في المنشآت والحِرَف الخطرة، أو ضعف استخدام التكنولوجيا التي تؤدِّي لتأخير الإنتاجيَّة اليومية، وبالتالي يؤثر على سُمْعة المؤسسة، أو الأخطار الطبيعية والبيئية، واحتمالية وجود آثار سلبية تنعكس على تخطيط وتنفيذ الأعمال اليومية في المنشآت، والمخاطر الاجتماعية التي ترتبط بثقافة المجتمعات والمنشآت، أو الحِرَف التي تديرها عائلة واحدة، وبالتالي صعوبة الإشراف الخارجي على عمليات التشغيل من قِبَلِ الجهات الحكومية، وذلك وَفق تقاليد المجتمع، والمخاطر التجارية والاقتصادية، وتأثير ذلك على زيادة التضخم والكساد، أو صعوبة المنافسة الخارجيَّة، أو المخاطر المرتبطة بالتغيير السعري للسلع والمواد الأوليَّة، أو مخاطر لها علاقة بالاقتراض والتراجع المالي، والوصول لدرجة العمل بطاقات كبيرة لكي تتمكَّن المنشآت من سداد الالتزامات المالية للبنوك.
أنواع المخاطر ذات العلاقة بالسلامة التشغيلية في المنشآت والحرف الخطرة:
مخاطر تصميمية لبيئة العمل:
- مخاطر مادية (فيزيائية)، أو طبيعية.
- المخاطر الميكانيكية.
- مخاطر كيميائية.
- مخاطر بيولوجية.
- مخاطر بشرية.
- مخاطر قانونية.
- مخاطر اقتصادية.
- مخاطر تقنية وتكنولوجية.
- مخاطر كهربائية.
- مخاطر تشغيليَّة وإداريَّة.
- مخاطر سوء التخطيط والتنظيم.
وإن شاء الله في الأعداد القادمة سيتمُّ العمل على استكمال مقالات إدارة المخاطر في المنشآت والحِرَف الخطرة مع التركيز على الأنواع المذكورة أعلاه في مقالات منفردة ضمن سلسلة المقالات الخاصة بالمنشآت والحرف الخطرة، ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يزدنا علمًا.