يعدُّ التصادم البحري من أهم بل من أكثر الحوادث شيوعاً ليس فقط في البحار العامة بل أيضاً عند دخول المناطق الساحلية الضيقة أو عند الاقتراب من الموانئ.
إن آثار ونتائج التصادم جسيمة على الأرواح وكذلك بالنسبة للخسائر المادية ولا سيما البيئة البحرية خاصة إذا نتج عن التصادم تسرب لمواد سامة أو بترولية منقولة بحراً.
شروط التصادم البحري:
من خلال نص المادة (236) من القانون البحري يمكن أن نحدد ثلاثة شروط لاعتبار الحادث تصادماً بحرياً وهي على النحو الآتي:
أولاً: أن يحصل بين منشأتين عائمتين إحداهما على الأقل سفينة، ويقصد بالمنشأة العائمة هي سفينة بحرية عائمة معرضة فعلاً وبطريقة معتادة لمخاطر البحر، كما يقتضي تخصيص السفينة للملاحة البحرية بأن تكون صالحة لهذه الملاحة في حالة جيدة تكفل سلامتها مع مراعاة ما قد تتعرض له من أخطار، وهذه الصلاحية للملاحة هي التي تحدد بدء حياة السفينة قانوناً ونهايتها، فالمنشأة لا تعدُّ سفينة إلَّا من وقت صلاحيتها للملاحة ويزول عنها هذا الوصف إذا فقدت هذه الصلاحية أو صارت حطاماً، ويستبعد من مفهوم السفينة كل جسم عائم لا يعدُّ سفينة أو مركب ملاحة داخلية كرافعة أو حطام أو صندل أو طائرة بحرية، وتجدر الإشارة إلى أن التصادم الواقع بين منشأتين مملوكتين لشخص واحد يعتبر تصادماً بحرياً تسري في شأنه أحكام القانون البحري وذلك فيما يتعلق بالأضرار التي تلحق الغير نتيجة التصادم البحري، ولكي يتحقق المعنى اللغوي للتصادم يلزم احتكاك أو ارتطام بين المنشآت البحرية المتصادمة، وقد لا يكفي اعتبار الحادث تصادماً أن يحصل بين المنشأتين عائمتين أو أكثر، بل يجب أن تكون إحدى المنشأتين على الأقل سفينة بحرية سواء في ذلك أكانت صادمة أم مصدومة، وسواء وقع الحادث في المياه البحرية أو المياه الإقليمية وكثيراً ما يقع في المياه النهرية التي تجتازها السفن البحرية للوصول إلى بعض الموانئ الهامة كميناء لندن بالمملكة المتحدة –بريطانيا- وبوردو بفرنسا وهامبورغ بألمانيا.
ثانياً: ارتطام مادي بين منشأتين، لكي يتحقق المعنى القانوني للتصادم يلزم حصول احتكاك أو ارتطام بين المنشآت البحرية المتصادمة، وقد كان القضاء يشترط لاعتبار الحادث تصادماً أن يحصل احتكاك أو ارتطام مادي بين منشأتين عائمتين فلا يعدُّ ناشئاً عن تصادم الضرر اللاحق بالسفينة بسبب الأمواج العنيفة التي تحدثها سفينة أخرى مارة بالقرب منها دون أن ترتطم بها، ومع ذلك لا يشترط اعتبار الحادث تصادماً وقوع ارتطام مادي بين السفن بل يكفي أن ينشأ الحادث عن قيام إحدى السفن المتصادمة بحركة واجبة أو مخالفة لقواعد السير في البحر. ومثال ذلك: أن تسير السفينة على مقربة من سفينة أخرى دون مراعاة السرعة أو المسافة التي تقضي بها قواعد السير في البحر، فتحرك الأمواج من حولها قد تحدث ضرراً، أو أن تسير سفينة في الضباب دون إطلاق الصفارات أو الأجراس المعتادة ثمَّ تفاجأ سفينة أخرى بوجودها على مقربة منها فتقوم بحركة مفاجئة لاجتناب الارتطام بها ويحدث الضرر بسبب هذه الحركة.
ثالثاً: أن يحصل ارتطام بين منشأتين عائمتين، لا يكفي أن تكون إحدى المنشاتين المتصادمتين سفينة بحرية أو أن يحدث ارتطام مادي بينهما أو أضرار بإحدى المنشأتين نتيجة فعل أو إهمال أو عدم مراعاة القواعد المتعلقة بالسير في البحار، بل لا بدَّ من توافر شرط ثالث هام وهو أن يحدث الارتطام بين منشأتين عائمتين أو أكثر فإذا ارتطمت إحدى السفن بجسم ثابت كرصيف أو حاجز أمواج أو صخور فلا يعدُّ هذا الارتطام تصادماً بحرياً بل تطبق عليه المبادئ العامة في المسؤولية وكذلك الحكم فيما لو ارتطمت السفينة بجسم عائم لا يعدُّ سفينة أو مركب ملاحة داخلية ككراكة أو رافعة أو حطام أو صندل.
أنواع التصادم البحري :
اختلفت الأسباب المؤدية إلى وقوع التصادم وأن أساس معايير المسؤولية الناتجة عن التصادم تتعلق بالدرجة الأولى بخطأ إحدى المنشأتين العائمتين إلَّا أن التصادم قد يقع نتيجة خطأ مشترك بين هاتين المنشأتين بالإضافة إلى ذلك فقد يقع التصادم نتيجة قوة قاهرة يستبعد فيها الخطأ لأي من المنشأتين، كما قد يجهل السبب الذي أدى إلى وقوع التصادم لعدم إمكانية إقامة الدليل القاطع على إثبات وقوعه.
- التصادم القهري والمشكوك في سببه :
- التصادم القهري أو الحتمي: القوة القاهرة هي كل حادث لا يمكن توقعه وتفاديه. أمَّا التصادم القهري فهو التصادم غير المعتمد الذي لا يمكن التنبؤ به ثمَّ لا يمكن تجنبه أو تفاديه بممارسة قدر معقول من العناية والمهارة، ففي ظل التصادم القهري إذ طالما تعذر الوقوف على سبب وقوع التصادم على وجه القطع فإنه يكون أقرب إلى اعتباره تصادماً قهرياً، وغالبية حوادث التصادم القهري تحصل في الموانئ والمراسي نتيجة هبوب عاصفة قوية تتسبب في قطع الحبال التي تربط السفينة بالرصيف واقتلاع مرساها، أو لارتفاع مفاجئ للمياه في الميناء أو إلى الضباب، أمَّا في حالة إخطار طاقم السفينة بالأحوال الجوية المتوقعة وكذلك في حال عطل ميكانيكي للسفينة فلا يعتبر التصادم قهرياً في حالة وقوعه.
- التصادم المشكوك في سببه: هو التصادم الذي لا يمكن معرفة سببه على وجه التحديد ويعجز الطرفان عن إقامة الدليل على وجود القوة القاهرة أو على وجود خطأ منفرد أو مشترك لدى وقوع الحادث.
- التصادم الناشئ عن خطأ إحدى المنشأتين :
إذا نتج التصادم بخطأ إحدى السفن وقع تعويض الأضرار على عاتق السفينة التي ارتكبت الخطأ، فمثلاً من الأضرار كتلك التي تلحق بالسفينة المصدومة والركاب أو البضاعة المشحونة، ويرجع الخطأ في هذه الحالة إمَّا لربان السفينة، كأن يخالف القواعد الدولية لمنع التصادم في البحر كعدم إخلاء الطريق لسفينة لها أولوية المرور أو عدم إضاءة النوار للملاحة ليلاً أو عدم القيام بالمراقبة الجيدة أو عدم تخفيض السرعة في أثناء الرؤية الرديئة، وإمَّا للمجهز نفسه كأن يسمح بسفر سفينة غير صالحة للملاحة أو غير مزودة بطاقم كاف أو مزودة بطاقم غير مؤهل حسب مستويات السلامة المطلوبة، فعلى المدعي أن يقيم الدليل على دعوى التصادم على خطأ الربان أو المجهز بكافة طرق الإثبات حيث يمكن الاستعانة بالتقارير البحرية ودفتر أحوال السطح وكذلك الاستعانة بأهل الخبرة في المجال البحري.
- التصادم بخطأ مشترك :
يقصد بهذا النوع من التصادم أن يكون التصادم قد وقع نتيجة خطأ كل من السفينتين المتصادمتين.