مقدمة:
تتكرَّر حوادث انهيار المباني في العديد من البلدان نتيجةً لقِدم تلك المباني، أو سوء المواد المستخدمة في البناء، أو تعرُّض تلك المباني القديمة لخطر الزلازل، ولا شكَّ أن عمليات البحث عن الناجين تحت الأنقاض تُعدُّ من أعقد وأصعب عمليات الإنقاذ أثناء الكوارث الطبيعية؛ لأن البحث عن عالقين تحت أطنان من الرُّكام ليس بالأمر السهل، لا سيما إذا كانت العمليات تتمُّ وسط تتابع الهزات الارتداديَّة التي تزيد خطر حدوث انهيارات، وتعرُّض العاملين في الإنقاذ لخطر الموت.
تكنولوجيا الإنقاذ:
قد تكون عملية البحث عن ناجين تحت الأنقاض من أصعب المهام التي تفرضها الكوارث الطبيعية. والنمط التقليدي في البحث يعتمد على استخدام الكلاب البوليسيَّة المُدرَّبة للبحث عن ناجين، إضافةً إلى سلسلة من التقنيات الجديدة التي تمَّ تطويرُها. والوقت والدقَّة عاملان مهمَّان للعاملين في البحث والإنقاذ، وهو ما تُوفِّره إلى حدٍّ كبير الأجهزة الحديثة المستخدمة في عمليات البحث والإنقاذ. وهناك العديد من التقنيات الناشئة التي يمكن أن تساعد في إنقاذ الأشخاص المحاصرين في المبنى المنهار، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
- الرُّوبوتات: يمكن نَشْر الرُّوبوتات المجهزة بالكاميرات، وأجهزة الاستشعار، وأنظمة التنقُّل المتطورة للتنقل عبر الأنقاض، وتحديد موقع الأفراد المحاصرين، وتوفير المعلومات في الوقت الفعلي لرجال الإنقاذ، بل إنَّ بعض الرُّوبوتات قادرة على رفع الحطام الثقيل لإنشاء نقاط وصول لفرق الإنقاذ، ومن أمثلة تلك الرُّوبوتات:
- روبوت الأفعى قادر على الانزلاق عبر الأنقاض:
- روبوت الأفعى القادر على دخول المباني المنهارة والانزلاق عبر الأنقاض لاستكشاف الأماكن التي يتعذَّر الوصول إليها، وتتيح الهندسة الآليَّة للرُّوبوت تخطي العقبات، وشق طريقه عبر الأسطح تمامًا مثل الثعابين.
- الرُّوبوتات بشكل مركبات أرضية قادرة على تخطيط حالة المبنى:
- نوع آخر من الرُّوبوتات يُستخدَم في عمليات البحث، وهي المركبات الأرضية التي تشبه سيارات اللعب ذات التحكُّم عن بُعْد، وتعمل على تخطيط حالة المبنى، وهي عملية تُعدُّ خَطِرةً على عمال الإنقاذ، وتكون عجلاتها مُزوَّدة بأجهزة استشعار ترصد الناجين، ويمكن للمُشغِّلين قيادتُها عن بُعْد.
- الطائرات بدون طيار: في حين أصبحت الطائرات بدون طيار معروفة على نحو متزايد لدورها في الحروب الحديثة – وخاصةً في أوكرانيا – فإنها أيضًا أدوات لا تُقدَّر بثمن أثناء الكوارث الطبيعية.
- يمكن للطائرات بدون طيار مسح المبنى المنهار بسرعة من الأعلى لتقديم نظرة عامة عن الوضع.
- يمكن للطائرات بدون طيار المجهزة بكاميرات التصوير الحراري اكتشاف الأشخاص الذين قد يكونون مختبئين أو محاصرين داخل الحطام، وتحديد موقعهم.
- لا تُوفِّر الطائرات بدون طيار رؤية شاملة فحسب، بل يمكن أيضًا تجهيزها بأجهزة استشعار لتقييم الضرر؛ مثل: الكشف عن مستويات عالية من غاز الميثان، ممَّا قد يشير إلى انقطاع إمدادات الغاز المعرضة لخطر الانفجار.
-
- أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء: يمكن لأجهزة الاستشعار المتقدمة القابلة للارتداء اكتشاف علامات الحياة؛ مثل: التنفس أو ضربات القلب، حتى في البيئات الصعبة، ويمكن لرجال الإنقاذ استخدام هذه المستشعرات لتحديد المناطق التي قد يتواجد فيها الناجون، وتحديد أولويَّات جهودهم وفقًا لذلك.
- جهاز فييرا سكوب: يُعدُّ جهاز (فييرا سكوب)، أحد أشهر وأهم الأجهزة التي يستخدمها رجال الإنقاذ، ويوجد منه (5 أنواع أساسية)، هي أجهزة الاستشعار الزلزالي التي تستخدم لتحديد موقع الضحايا المدفونين، وكاميرات البحث (تيك آر دي 90)، التي تسمح برؤية المحاصرين تحت الأنقاض، وتحديد الأماكن الضيِّقة التي يتعذَّر على رجال الإنقاذ الوصول إليها، إضافةً إلى صندوق التحكُّم الذي يساعد في تحديد موقع العالقين بدقَّة عالية، وبالتالي يسهل عملية الحفر، وجهاز (الاسكانر) المتطور الذي يعمل بكفاءة عالية، لا سيما في الساعات الأولى لوقوع الزلزال.
- الأنف الإلكتروني:
- يُضَاف إلى هذه التقنيات: (الأنف الإلكتروني)، الَّذي طوَّره المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا، وهو قادر على رصد مجموعة من الجزيئات؛ مثل: الأمونيا التي يطلقها النَّـفَس البشري أو تنفس الجلد.
- ويتكوَّن هذا الجهاز المبتكر من ثلاثة أجهزة استشعار صغيرة للغاية، تمَّ إنشاؤها باستخدام هياكل نانوية من أكسيد معدني لاكتشاف هذه الجزيئات.
- ومَيزتُهُ الرئيسة: تَكلِفتُهُ المنخفضة، وإمكانية دمجه مع كاميرات الأشعَّة تحت الحمراء، والميكروفونات المستخدمة حاليًا.
- الواقع المعزز: يمكن لتقنية الواقع المعزز إنشاء تراكبات افتراضية على صور العالم الحقيقي، ممَّا يساعد رجال الإنقاذ على تصوُّر نقاط الضعف الهيكلية، أو الفراغات المخفيَّة، أو المخاطر المحتملة داخل المبنى المنهار. ويمكن أن تساعد هذه المعلومات في التخطيط لعملية الإنقاذ، وضمان سلامة كلٍّ من رجال الإنقاذ والناجين.
- أنظمة الاتصالات والتتبُّع: تعمل أنظمة الاتصالات المحسنة على تمكين الأفراد المحاصرين من نقل مواقعهم وحالتهم إلى فِرق الإنقاذ، بالإضافة إلى ذلك يمكن استخدام أنظمة التتبُّع لمراقبة حركة أفراد الإنقاذ، والتأكُّد من سلامتهم في البيئات الخطرة.
- أنظمة المراقبة الهيكلية: يمكن تركيب أجهزة استشعار وأنظمة مراقبة متقدمة في المباني للكشف عن العيوب الهيكلية، أو نقاط الضعف، ممَّا يوفر إنذارات مبكرة لمنع الانهيار، أو لتسهيل عمليات الإنقاذ الأكثر أمانًا.
- أجهزة الكشف عن الحياة المحمولة: تستخدم هذه الأجهزة أجهزة استشعار وتقنية تصوير للكشف عن علامات الحياة تحت الأنقاض، ويمكنها المساعدة في تحديد موقع الناجين، وتوجيه فِرق الإنقاذ إلى الموقع الدقيق، ممَّا يُحسِّن الكفاءة والسرعة في عملية الإنقاذ. وقد استخدم فريق البحث والإنقاذ الصيني جهازًا حديثًا يستشعر نبضات القلب أسهم بنجاح في إنقاذ العشرات من تحت الأنقاض في زلزال تركيا الأخير.
- جهاز فايندر FINDER التابع لـ (ناسا):
- يتمُّ استخدام تقنية (ناسا) الموجودة في جهاز لا يزيد حجمه عن حقيبة السفر، والتي يمكنها اكتشاف نبضات القلب تحت الأنقاض على عمق (30 قدمًا)، للمساعدة في العثور على الناجين بعد الزلازل.
- وهو يعمل عن طريق إرسال إشارة ميكروويف منخفضة الطاقة عبر الأنقاض، ويبحث عن التغييرات في انعكاسات تلك الإشارات العائدة، والتي قد تكون ناجمةً عن حركات صغيرة؛ مثل: التنفُّس ونبضات القلب.
يقول خبراء البحث والإنقاذ أيضًا: إنَّه رغم توافر كل الأجهزة المتطورة، تُعدُّ الكلاب المُدرَّبة هي أفضل وسيلة للكشف عن حالة العالقين وأماكن تواجدهم تحت الأنقاض، وقد أسهمت بشكل كبير في عمليات الإنقاذ في تركيا وسوريا. ومن المهم ملاحظة أنه على الرغم من أن هذه التقنيات يمكن أن تكون مفيدةً، إلا أنه يجب استخدامها جنبًا إلى جنب مع خبرة فِرق الإنقاذ المُدرَّبة، فالتدخُّلُ البشريُّ وصُنْعُ القرار ضروريان لعمليات الإنقاذ الفعَّالة.
