مقالات المجلة

الوسائد الهوائية القابلة للانتفاخ

الوسائد الهوائية القابلة للانتفاخ “Airbag”

لأنَّ الاختراعات – عمومًا – تظهر بسبب الاحتياج أو تظهر قدرًا، فهذا ما حدث عام 1948، عندما قرَّرت أسرة المهندس الأمريكي ” John Hetrick” الخروج في رحلة لقضاء وقتٍ عائليٍّ سويًّا، وهو مهندس في البحرية الأمريكية.

ولكن للأسف، هذه الرحلة لم تكتمل؛ لأنَّهم تعرَّضوا لحادث، واصطدموا بشجرة كبيرة على الطريق، وبالرغم من أن (هيدريك) لم يُصَبْ بشيءٍ في الحادثة، لكن زوجته وابنته قد أُصِيبتَا بإصاباتٍ بسيطة جدًّا .

والتصادم كان بسبب أن (هيدريك) ابتكر وسيلة حماية مهمة، وهي: (الوسائد الهوائية) القابلة للانتفاخ، أو ما يُسمَّى بالــ ” Airbag”.

وبعد (5 سنوات) من التصادم، استطاع (هيدريك) أن يسجل براءة الاختراع، وتحديدًا في 18 أغسطس سنة 1953.

وقَدَرًا، أنَّ في نفس الوقت تقريبًا كان هناك مهندس ألمانـي اسمه (والتر ريندر)– Walter Linderer”، يعمل على نفس الفكرة، واستطاع أن يحصل على براءة اختراع لها هو أيضًا من مكتب براءات الاختراع الألماني، وبعد حوالي (3 أشهر) من اختراع (هيدريك)، وتحديدًا يوم 12 نوفمبر 1953.

وبالطبع، كان هناك اختلافٌ بين التصميمين، وهو أن (والتر) صمَّم وسادة هوائية تعمل إمَّا عن طريق الصدمات، أو عن طريق السائق نفسه، يعني: قبل الدخول إلى الحادثة تشغل الإيرباج بنفسك.

وفي البداية، كان الهدف التجاري هو استخدام الإيرباج في حماية الطيَّارين ورُوَّاد الفضاء من الحوادث، لكن لَم يستطيعوا إنتاجها لأسباب تجاريَّة، وكان هذا هو السبب الذي جعل شركات مثل: (فورد، وجنرال موتورز) تقوم بتطوير هذا النظام، لكي يستخدموه في السيارات، لكن للأسف لم يستطيعوا إنتاجها لأسباب تجاريَّة.

وفي البداية كان هذا الاختراع بسيطًا، ويعتمد على كيس يمتلئ بالهواء بالكامل، لكن الوقت الذي يمتلئ فيه الكيس من الممكن أن يصل إلى (4 ثوانٍ)، لكي يتمَّ فتحه ويقوم بدوره، وهذا بالطبع يستغرق وقتًا طويلًا جدًّا بخلاف ارتفاع سعره، والذي قد يصل في هذا الوقت لــ 225 $ .

إلى أن جاء عام 1967، وحينها ظهرت طفرة في تطوير نظام الإيرباج بواسطة مهندس أمريكي اسمه ” Allen Breed “، وقد استطاع بمفرده أن يبتكر (24 تقنية) مختلفة طوَّر بها الإيرباج؛ منها مثلًا: نفخ الكيس باستخدام النيتروجين بدلًا من الهواء المضغوط، وفي أقل من (30 مللي ثانية)، عن طريق جهاز استشعار، (السينسور أو الحساس) .

وأيضًا استطاع أن يزيد عدد أماكن الإيرباج في المَرْكبة ما بين أمامية وجانبية، وجميعها مهمتها حماية الرأس والصدر والجذع.

وهذا أيضًا غير الأماكن المُخصَّصة لركاب المقاعد الأمامية، والتي يكون الإيرباج مسؤولًا فيها عن منع خروج أجسامهم من النوافذ، ومنع اصطدام رؤوسهم بقوائم السيارة أو الزجاج الأمامي.

إلى أن وصل التطوير للاعتماد على الذكاء الاصطناعي، فوجد أن الإيرباج يعمل اعتمادًا على قوة الفرامل .

وانتظر العالم كلُّه إلى عام 1973، وهذا هو الوقت الذي قدَّمت فيه شركة (جنرال موتورز) أول وسادة هوائيَّة بالشكل المتعارف عليه الآن، وكان في سيارة Impala Chevrolet.

وبالطبع، لأنَّ التكلفة كانت عالية جدًّا، فأصبح الإيرباج ميزة اختيارية، وتمَّ تصنيفه على أنَّه ضمن الكماليات أو الرفاهيات في السيارة، وللأسف توقَّف إنتاجه مؤقتًا.

إلى أن جاءت العملاقة مرسيدس في الفترة بين عامي (1984 – 1986)، ووضعوا الإيرباج في كلِّ الموديلات التي قاموا ببيعها في أمريكا، وهذا ما جعل الحكومة الفيدرالية الأمريكية وقتها في فترة التسعينيات تصدر قرارًا بأن الإيرباج يكون إجباري في كلِّ السيارات.

وأحد أكثر الأسئلة شيوعًا هو: إذا لم يتمَّ ربط حزام الأمان، هل الإيرباج لا يفتح؟!

وهذا سؤال إجابتُهُ بسيطةٌ ومعقدةٌ في نفس الوقت، ولكي تقتنع بالإجابة دَعْنا نتحدث أولًا عن الإيرباج كأحد أهم وسائل منظومة السلامة المساعدة للسائق “Safety Assist”، والَّتي تنقسم لقسمين:

الأولى: وسائل السَّلامة الخامدة أو الخاملة، وقد سُمِّيت بهذا الاسم؛ لأنها تَبْقى خاملةً، وبدون أيِّ وظيفة إلى أن يحدث حادث تصادم، فتبدأ بالظهور في المشهد لكي تُقلِّل من مخاطر التصادم على الرُّكاب، وهذه منها: (حزام الأمان الإيرباج… وغيرها).

الثانية: وسائل السلامة النشطة، وهذه تعمل دائمًا على مساعدة السائق في السيطرة على السيارة، ويتحكَّم فيها في وضعيَّة قيادة آمنة؛ مثل: أنظمة الفرامل المختلفة، ومنها  (ABS –EBD–ESP وغيرها.

ونرجع للإيرباج كواحدٍ من أهمِّ وسائل السلامة الخامدة، والَّذي يقوم بدور العازل الذي يمنع اصطدام جسم الإنسان بأي جزءٍ صُلْبٍ من أجزاء السيارة، فتقل معه احتمالية الإصابات الخطيرة، مع التقليل من خطورة الــ(Deceleration Injury)، أو ما يُسمَّى بـ (إصابة التباطؤ).

وفكرة الإيرباج تعتمد على مجموعةٍ من الحسَّاسات التي تقيس معدل الانخفاض في سرعة السيارة بعد التَّصادم، وتبعث إشارة للوحة التحكُّم التي بدورها تقوم بتشغيل الوسائد الهوائية عن طريق (كبسولة متفجرة).

(الكبسولة المتفجرة) موجودة داخل كيسٍ من النايلون، والَّذي يحدث فيه تفاعل كيميائي بين مواد الكبسولة بعد انفجارها، والتفاعل يحدث بين مادة (أزيد الصوديوم Sodium azide- NaN3)، مع مادة (نترات البوتاسيوم Potassium nitrate- KNO3)، لكي ينتج عن هذا التفاعل كميَّة من غاز النيتروجين، وهو ما يملأ الكيس، ويجعله يتنفخ، فيخرج الإيرباج من مكانِهِ.

وقوَّة هذا الانفجار تكون بسرعةٍ تصل إلى 322 كم/س، وفي وقتٍ زمنيٍّ لا يتجاوز (1/25 جزءًا) من الثانية في التصادمات المتوسطة، و(1/15 جزءًا) من الثانية في التصادمات التي تكون على سرعات عالية، وكل هذا يحدث في أوَّل 20 إلى 35 ميللي ثانية بعد التصادم.

وانفجار الكبسولة وانتفاخها يحدث عندما تنتج قوة تصادم تتراوح بين (16-24 نيوتن)، وهذه بالمناسبة من الممكن أن تنتج على سرعات تتراوح بين (30-40 كم/س).

لهذا، تجد بعض موديلات السيارات مُجهَّزة بطريقةٍ من الممكن أن تعدل فيها من سينسور الإيرباج، (يمكن تزويد أو تقليل، أو أن يعمل بعد سرعة مُعيَّنة تقوم بتحديدها له) .

وهذا ما جعل بعض شركات تصنيع السيارات تقوم بتطوير المنظومة لخطورة النتيجة إذا لم تَقُمْ باستخدام حزام الأمان، واشترطت فتح الإيرباج إذا كان حزام الأمان مربوطًا، وهذا لكي تتفادي هذا النوع من الإصابات (إصابة التباطؤ التي تحدَّثنا عنها)؛ لأنَّ عدم استعمالك لحزام الأمان، يُلْغي فائدة وجود الإيرباج، خصوصًا بسبب تزامن التَّصادم بين جسمك وأجزاء السيارة الداخليَّة، مع بدء عمل الكبسولة المتفجرة، وتجهيزها للإيرباج لكي يعمل، وهذا وحده كفيلٌ أن يتسبَّب في إصابات خطيرة، وهذا يُعتَبر الخطر الأول لعدم استعمال حزام الأمان في حال وجود إيرباج في المركبة.

أمَّا الخطر الثاني، فيتمثَّل في تصادم الأعضاء الداخليَّة داخل جسمك مع بعضها بسبب الضغط عليها بعدما يفتح الإيرباج، ويكون حزام الأمان غير مربوطٍ، وهذا دوره أن يمنع جسمك من الوصول للإيرباج، فيمنع حدوث نزيف داخلي حتى على سرعة (40 كم/س) أو أقل .

وبعض السائقين ينزعج من صوت الإنذار Alarm الذي يعمل لكي يُنبِّهك لاستعمالك حزام الأمان، فيستخدمونه كسكاتة، أو أنَّه يربط حزام الأمان طوال الوقت من خلف ظهره لنفس السبب.

وهذا يبدو أنه شيءٌ عادي للبعض، ولكن للأسف النتيجة تكون كارثيَّة؛ لأن منظومة الإيرباج ستستشعر أن حزام الأمان مربوط، وسوف تعمل.

لكن المشهد الأكثر عبثيَّة هو أن أحدًا يقرر بكامل إرادته أن يُعطِّل نظام الإيرباج عندما يشتري سيارة جديدة، ويدفع النقود مقابل أن يُلْغي تفعيل نظام الإيرباج، وهذا فقط لكي يوفر تكاليف تصليح التابلوه لو حدثت حادثةٌ .

ومن أكثر المَشَاهد خطورةً: هو وجود طفل صغير على رِجْل السائق، والسَّائقون للسيَّارة أو الموجودون في الكرسي الأمامي بجوار السائق يُعرِّضون الأطفال للخطر بسبب تواجدهم في وضعٍ أقرب للدريكسيون، وبالتالي يكون أمام انفجار قذيفة بسرعة (322 كم/س)، ويتعرَّضون لإصاباتٍ قويةٍ جدًّا.

والمعلومة الأهم والخلاصة في موضوع الإيرباج هي التي أكَّدتها الإدارة الأمريكية الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة NHTSA (National Highway Traffic Safety Administration) في تقرير رسمي أن الإيرباج يُقلِّل من احتمالية الوفاة بمعدل (12%)، وبالمثل حزام الأمان يُقلِّل من احتمالية الوفاة أو الإصابة بمعدل من (40 إلى 60%)، على أن يكون استخدام الاثنين معًا في وقتٍ واحدٍ, ولا يكون واحد منهم على حساب الآخر.

وأعلنت أيضًا أن الوفيات الناتجة عن التصادمات الجانبية انخفضت بنسبة (41.3%) في السيارات المُزوَّدة بإيرباج، وقلَّت الوفيات بنسبة (63 %)؛ سواء للسائق أو الراكب الأمامي.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *