الاستدامة أمرٌ لابد وأن يحظى باهتمام متخصصي السلامة والصحة المهنية والبيئة، وعادةً ما يكون النمو المستدام مشكلةً على مستوى مجلس الإدارة؛ حيث يسعى لتحقيق التوازن بين القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وعلى أبسط المستويات، فإنَّ الاستدامة والسلامة هما في الحقيقة نفس الشيء، ونفس المسعى والمراد، ألا وهو: (الحفاظ على الموارد).
ففي حالة الاستدامة يُنظَر -عادةً- إلى هذه الموارد على أنها بيئية.
وفي حالة السلامة يكون الهدف الأول هو الحفاظ على الموارد البشرية.
وعلى الرغم من هذه الأرضية المشتركة، فإنَّ المناقشات حول الاستدامة بدأت للتوِّ في الاهتمام بالسلامة، والعكس، فغالبًا ما نجد الجزء “E” من HSE مُهَيمنًا؛ لأن الاستدامة تركز بشدة على الطاقة، والمواد، والعديد من الأشياء التي قد تندرج تحت مظلة: (الأخضر)، بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تركز الأجزاء الاجتماعية والاقتصادية للاستدامة على نتائج المشاريع، وهو الأمر الذي يَمَسُّ بشكل مباشر السلامة المهنية، فلولا تطبيق السلامه طوال مراحل المشروع، لَمَا وصل إلى الحالة المستدامة.
ولتوضيح ذلك بمثالٍ يمكن أن نُلْقي نظرةً على (تقييم استدامة مبنى جديد)، وحصوله على شهادة LEED – الريادة في الطاقة والتصميم البيئي (وهو نظام معترف به دوليًّا كمقياسٍ لتصميم وإنشاء وتشغيل مبانٍ مراعية للبيئة، وعالية الأداء)، لنجد أنَّ هذا النظام له المقاييس التالية، والتي هي جوهر الاستدامة، ولن تتحقَّق إلا بتطبيق السلامة:
- المواقع المستدامة.
- كفاءة استخدام المياه.
- الطاقة والحالة الجوية.
- المواد والموارد.
- جودة البيئة الداخلية.
- الموقع في الروابط.
- الوعي في التعليم.
- الابتكار في التصميم.
ويمكننا من خلال إعمال العقل لمدة دقائق أن نعي مدى الدمج الحادث لعمليات السلامة في جميع ما سبق رغم عدم ذِكْرِها بشكل واضح وصريح.
ودعونا نطرح بعض الأسئلة لتقريب الفكرة أكثر إلى الأذهان:
- عندما تكون المناور جزءًا من التصميم، هل يتمُّ مراعاة المخاطر والمخاطرة التي يتعرَّض لها عمال البناء أو الصيانة؟ (جودة البيئة الداخلية).
- ما مدى تأثير عمليات البناء على جودة المياه في منطقة التشييد؟ وكذلك مدى تضرُّر العاملين المتعاملين مع هذه المياه أثناء التشييد؟ (كفاءة استخدام المياه).
- هل المواد المستخدمة وطرق الاستخدام آمنة بيئيًّا وبشريًّا؟ (المواد والموارد).
ولو نظرنا إلى مقاييس شهادة LEED لوجدنا أكثر من سؤالٍ في المعيار الواحد يربط بشكلٍ مباشرٍ بين السلامة والاستدامة.
ومما سبق بدأ العالَم في وَضْع مصطلح جديد وهو: (الرابط الأخضرLinking Green)، وهو الاهتمام بسلامة العمال وصحتهم في المشاريع الخضراء كبِدَايةٍ إلى أن تُعمَّم في جميع المشروعات بعد ذلك؛ حيث عقدت NIOSH (التي كانت تقود المناقشة حينها) ورشة عمل وطنيَّة حول هذا الموضوع في ديسمبر 2009م، وربطت ورشة العمل مفاهيم الوقاية من الإصابات والوفيات من خلال تصميمٍ أفضل مع مفاهيم التصميم المستدام، وأوصت أنَّ هناك الكثير الذين يَتعيَّن عليهم القيام بذلك الرابط الأخضر.
ولكن، وكشأن أي تطبيقٍ جديدٍ لاقى هذا النداء بالرابط الأخضر بعض العقبات من أصحاب الأعمال، على سبيل المثال:
- السلامة في صومعةٍ، ولا ترتبط بالبيئة أو العمليات: لماذا أُطبِّق الرابط الأخضر؟
- السلامة استراتيجية قصيرة المدى محددة بمشروع، بينما الاستدامة أطول، فلماذا أتعامل بشكلٍ يثقل على كاهل المشروع، وقد يطيل فترته الزمنية؟
- أطلب دعم الإدارة العليا (هو بذلك يشكو البيروقراطية).
- تمَّ الترويج لثقافة السلامة بشكلٍ ما، ولا أستطيع تغيير المفاهيم لدى العاملين.
أعذار واهية تأتي جميعها من المُتنصِّلين من المسئولية، والذين لو أَوْلَوا الرابط الأخضر بين السلامة والاستدامة اهتمامًا، لحَقَّقوا جميع أهدافهم؛ سواء على المستويات المُؤسَّسية أو الفردية.
وعلى ذلك تأتي الإشارة المهمة إلى بناء جسرٍ (الرابط الأخضر) بالقِيَمِ، وهو جَعْل السلامة قيمةً ضمن الثقافة التنظيمية، وعندما يكون لديك ذلك، يكون لديك حجر الأساس لربط السلامة بالاستدامة؛ حيث يجب أن تتغلغل السلامة كقيمةٍ أولًا في المنظمة بأكملها، ويأتي بعد ذلك تكامل السلامة مع كل شيء.