مقالات المجلة

شخصية العدد58

م. تمارا الخضور

كلمة للمعهد العربي لعلوم السلامة والمجلَّة، ودورهم في مجال السلامة في الوطن العربي

يُعتَبر المعهد العربي لعلوم السَّلامة المنصَّة العربيَّة الوحيدة المتخصِّصة في نَشْر علوم السلامة، وتعريب الأكواد والمفاهيم الفنيَّة، وقد تبوَّأ مكانةً مرموقةً في تعزيز الهُويَّة المعرفيَّة العربية في قطاع السلامة والصحة المهنية، فقد عمل المعهد على تأسيس منظومة معرفيَّة شاملة تقوم على نَشْر ثقافة الوقاية، وتعزيز الاعتماد على الكوادر العربية المؤهَّلة، وتوطين المعايير والمفاهيم العالمية.

ويقوم المعهد بدورٍ محوريٍّ في اعتماد المدرِّبين العرب في مجالات السلامة والصحة المهنية وَفْق أسس علمية صارمة تُمكِّنهم من نَيْل الاعتراف الدولي لدى أبرز الجهات العالميَّة عَبْر لجنة مهنيَّة عليا تضمُّ نخبةً من كبار المتخصصين العرب في علوم السلامة.

وقد تميَّز المعهد بإصدار مجلَّة علميَّة متخصصة، وتنظيم سلسلة مؤتمرات علميَّة، أبرزها: المؤتمر العربي الخامس للسلامة الذي عُقِدَ لأول مرَّة وجاهيًّا في العقبة، وترأسته المهندسة/ تمارا الخضور، أول سيِّدة تقود هذا الحدث المهني العربي.

وَضْع وأهميَّة السلامة في الوطن العربي ورؤيتي الشخصية:

تُعدُّ السلامة والصحة المهنية إحدى الرَّكائز الأساسية الَّتي تقوم عليها التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أيِّ دولة تسعى إلى الازدهار والاستدامة، وفي ظلِّ ما يشهده الوطن العربي من مشروعات بُنَى تحتية عملاقة، وتوسُّع صناعي، وتحوُّلات رقميَّة، أصبحت الحاجة إلى أنظمة سلامة مهنية قوية وفعَّالة أكثر إلحاحًا من أيِّ وقت مضى.

وفي كثيرٍ من المواقع، تُعَامل السلامة على أنَّها متطلَّب تشريعي فقط، أو مسؤولية فرديَّة تقع على عاتق العاملين في الميدان، بينما تغيب عنها النَّظرة الشموليَّة التي تُحمِّل الإدارة العليا والمؤسسات الوطنية كامل المسؤولية في بناء منظومة متكاملة، ومن وجهة نظري: لا تكتمل جاهزيَّة أي منشأة دون وجود نظام سلامة راسخ يبدأ من التَّخطيط الاستراتيجي، ويمرُّ بالسياسات اليوميَّة، ويتجذَّر في سلوك الأفراد.

إنَّ الرُّؤية الحديثة للسلامة تتجاوز الإجراءات المكتوبة، واليافطات التوعويَّة لتصل إلى مفاهيم أكثر تقدُّمًا كتحليل الثقافة المؤسَّسية، وتعزيز ثقافة الإبلاغ دون خوفٍ، وربط مؤشرات السلامة بمؤشرات الأداء العام للمؤسسة، فالمؤسَّسة التي لا تستثمر في حماية العامل وبيئة العمل، ستدفع لاحقًا تكلفةً مضاعفةً على شكل إصابات، وخسائر مالية، وتراجع في الإنتاجيَّة.

رؤيتي الشخصيَّة تتركَّز حول تحويل السلامة إلى جزءٍ لا يتجزَّأ من الهُويَّة المؤسسيَّة، بحيث لا تصبح مسؤوليَّة فرد أو دائرة، بل نهجًا جماعيًّا تلتزم به الإدارة، والعامل، والجهة الرقابيَّة على حدٍّ سواء، وعلينا كعرب أن نؤمن بأن تطوُّرنا الحقيقي في هذا القطاع لا يأتي فقط باستيراد التجارب، بل بصياغة نموذجنا الخاص المبنيِّ على احتياجاتنا الواقعيَّة، ومواردنا البشريَّة، وثقافتنا المجتمعية.

أهمُّ المشاكل والتَّحديات الَّتي تواجه السلامة في الوطن العربي:

رغم التقدُّم الملحوظ في بعض الدول، إلا أنَّ قطاع السلامة في الوطن العربي لا يزال يواجه تحديات جوهريَّة تَحُدُّ من فعاليته وانتشاره بالشكل المطلوب، ومن أبرز هذه التحديات:

  •  غياب التَّشريعات الموحَّدة بين الدول العربية، وهو ما يؤدِّي إلى تفاوت واضح في مستوى الالتزام والتطبيق.
  •  كما يُعدُّ نَقْص الاستثمار في البحوث التطبيقيَّة واحدة من العقبات التي تَحُولُ دون تطوير حلول عربية خاصَّة ببيئات العمل المحليَّة.
  • إضافةً إلى ذلك، يفتقر القطاع في كثيرٍ من الدول إلى تكامل حقيقيٍّ بين القطاعين العام والخاص؛ ممَّا يُضْعف التنسيق، ويُقلِّل من كفاءة الاستجابة للمخاطر، ولا يمكن إغفال ضَعْف ثقافة الإبلاغ والتَّحقيق المهني في الحوادث، الأمر الَّذي يؤدِّي إلى تكرار الأخطاء، وعدم التعلُّم منها.
  •  ومن التَّحديات التي تستحقُّ الوقوف عندها أيضًا: محدوديَّة مشاركة المرأة في مجالات السلامة الميدانيَّة، رغم امتلاكها للكفاءة والقدرة على الإسهام الفاعل.

أفكار وآراء شخصيَّة لتطوير السَّلامة في الوطن العربي:

إنَّ النهوض بواقع السَّلامة في الوطن العربي يتطلَّب منهجًا متكاملًا، يبدأ من التَّأسيس المؤسَّساتـي، وينتهي بالتَّمكين المجتمعي، وأقترح إنشاء مركز عربي موحَّد يعمل على تطوير وتحديث معايير السلامة وتوحيدها بما يتناسب مع طبيعة الأنشطة والمخاطر في الدول العربيَّة.

كما أرى ضرورة رَبْط مؤشرات السلامة بمؤشرات الأداء المؤسَّسي حتى تصبح السلامة جزءًا لا يتجزَّأ من تقييم النَّجاح الإداري والفني، كما أنَّ تحفيز المؤسَّسات المتميِّزة من خلال جوائز وتكريمات رسميَّة يمكن أن يُعزِّز روح المنافسة، ويُشجِّع على الابتكار في الحلول.

ولابدَّ من تعزيز التَّعليم الأكاديمي، وربطه بالتَّدريب العمليِّ عَبْر شَراكات حقيقية بين الجامعات والموانئ والمناطق الصناعية.

وأخيرًا، فإنَّ إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحوُّل الرقمي في أنظمة السلامة من شأنِهِ أن يرفع من كفاءة اكتشاف المخاطر، والاستجابة المبكِّرة لها.

تعريف وسيرة ذاتية المهندسة/ تمارا الخضور:

المهندسة/ تمارا سعيد الخضور، خبيرة عربية في مجال السلامة والصحة المهنية والبيئية، حاصلة على ماجستير في هندسة السلامة والصحة والبيئة من جامعة الحسين بن طلال 2021، وبكالوريوس في الهندسة الكيميائيَّة من نفس الجامعة (2014)، تَشْغل حاليًا منصب مديرة وحدة السلامة والصحة المهنية والبيئة في شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ.

من مناصبها:

  •  ممثِّل المملكة الأردنيَّة الهاشميَّة لدى المعهد العربي لعلوم السلامة.
  • عضو في الإدارة التنفيذية للمعهد العربي لعلوم السلامة.
  •  مديرة البحث والتَّطوير في المعهد.
  •  عضو الهيئة المركزيَّة لشعبة الهندسة الكيماوية – نقابة المهندسين الأردنيِّين.
  •  رئيس اللَّجنة العلمية والثقافية في نقابة المهندسين الأردنيين – فرع العقبة.
  •  عضو رابطة المرأة العربية في القطاع البحري (AWIMA).

من أبرز إنجازاتها:

  •  رئاسة المؤتمر العربي الخامس للسلامة – أول مؤتمر يُعْقد وجاهيًّا في العقبة.
  •  منسِّق ومقدِّم المؤتمر العربي الرابع للسلامة.
  •  عضو لجنة تحضيريَّة، ورئيس جلسة في مُلْتقى العقبة للجان المهندسين الشباب.
  •  عضو اللجنة الفنيَّة الدائمة لإدارة المواد الكيميائية – مؤسَّسة المواصفات والمقاييس.
  •  عضو اللَّجنة الدائمة لإدارة المواد الخطرة – سلطة منطقة العقبة الاقتصاديَّة (2017-2022م).
  •  مدرِّب معتمد من هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنيَّة.
  • محاضر في مؤتمرات محلية ودولية.
  •  مدرِّب معتمد منذ 2016 مع مؤسَّسة إنجاز للتنمية.

الدورات والشهادات:

  •  ISO/IEC 17025 Lead Auditor Certificate.
  •  National Advanced Safety & Awareness Program (NASAP).
  •  NEBOSH IGC.
  •  ISO 31001 : 2018.
  •  ISO 45001 : 2018.
  •  Crisis Management on Ports.
  • Key Performance Indicators.
  •  Occupational Safety Of Health Advanced Diploma.
  • Fundamentals of Integrated Pest Management Course IPM.
  •  Utilizing Security Incident Investigation to Improve Chemical Industry Security Practices.
  • Entrepreneurship and Sustainable Development.
  • السلامة في حقول النفط والغاز  H2S.
  • أمن الموانئ ISPS الكود الأمني.
  •  إعداد مدرِّبين.
  •  مشرف سلامة وصحَّة مهنيَّة.
  •  الإطفاء، والإنقاذ، والإسعاف الأوَّلي.
  • التشريعات النَّاظمة للصحة والسلامة المهنية، وكيفيَّة الاستجابة والامتثال لها.
  •  رفع الكفاءة الفنيَّة من فنيِّي إلى أخصائيِّي السلامة والصحة المهنية.
  •  السلامة العامَّة المتخصصة.
  • كيفيَّة احتساب الكلف التشغيليَّة في الموانئ.
  •  التَّداول الآمن للبضائع الخطرة في الموانئ.
  •  التَّطبيقات اللُّوجستيَّة بالموانئ البحريَّة.
  •  تقييم المخاطر، والتَّحقيق في الحوادث.
  • أعوان إدارة مكافحة المخدرات.
  •  إجراءات العمل المعياريَّة النوويَّة الإشعاعيَّة.
  •  إدارة المخاطر والأزمات.
  •  توجيه الموظَّف الجديد.
  •  أنظمة إدارة البيئة.
  • الكود الأمني.

كلمة ختامية:

إنَّ بناء منظومة سلامة مهنيَّة متكاملة في الوطن العربي ليس ترفًا تنظيميًّا، بل هو التزام أخلاقي واستراتيجي، وأحد مفاتيح الاستدامة في بيئة العمل، فالمؤسَّسات التي تنجح في ترسيخ ثقافة الوقاية هي ذاتها التي تُؤْمن بقيمة الإنسان، وتَحْمي مواردها، وتضمن استمراريَّة عملياتها بكفاءة.

لقد شكَّلت تجربتي كمديرة للسلامة والصحة المهنية والبيئة في أحد أكبَر الموانئ في الوطن العربي نقطة تحوُّل في رؤيتي العملية، حيث واجهنا تحديات حقيقية تتعلَّق بالبُنْية التحتية، وكثافة العمليات، وتنوُّع المخاطر، لكن من خلال العمل الجماعي، وتطبيق المعايير الدولية، وتعزيز ثقافة السلامة بين جميع العاملين، استطعنا أن نُحْدث نقلةً نوعيةً ملموسةً في مؤشرات الأداء، وتراجعًا واضحًا في معدلات الحوادث، وزيادةً في وعي العاملين.

ولا يُمْكنني هنا إلا أن أُثْني على دعم إدارتـي الحالية لي كامرأةٍ تقود هذا المنصب الحسَّاس، فقد شكَّل ذلك بيئةً مُحفِّزةً أتاحت لي الإبداع، وتقديم أفضل ما لديَّ، وتجاوز الصُّور النمطيَّة نحو قيادة مهنيَّة مبنيَّة على الكفاءة والنتائج.

هذه التجربة جعلتني أُؤمن أن التحوُّل في السلامة لا يبدأ بالتجهيزات، بل يبدأ بالقيادة الواعية، والمتابعة اليومية، والإيمان أن كلَّ إجراء وقائي هو استثمار في مستقبل المؤسسة، وأرى أن ما تحقَّق في بيئة الموانئ يمكن أن يُعَاد تطبيقه وتطويره في مختلف القطاعات الإنتاجيَّة والخدميَّة في وطننا العربي.

وأدعو من خلال هذا المنبر كلَّ مَن يعمل في هذا المجال إلى تبنِّي روح المبادرة، والتعلُّم المستمر، والانفتاح على التطوير، فَسَلامةُ أوطاننا تبدأ من أمن وسلامة أبنائها العاملين فيها.

موضوعات ذات صلة

2 تعليقات على “شخصية العدد58

  1. يقول Coleman Dixon:

    This post is a great starting point for anyone new to the subject.

  2. يقول Jillian Walter:

    I like the efforts you have put in this, regards for all the great content.

اترك رداً على Jillian Walter إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *