مقدمة:
في السادس والعشرين من أبريل القادم، تأتي الذِّكرى السادسة والثلاثون لأكبر حادثةٍ نوويةٍ عرفها التاريخ البشري، إنها حادثة (تشرنوبل) التي وقعت في أوكرانيا عام 1986م، ففي عام 2017 م، في الذِّكرى السنوية للواقعة أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن السادس والعشرين من أبريل يوم لإحياء ذكرى الكارثة، وذلك من أجل زيادة الوعي بالآثار الطويلة الأجل لـ (تشرنوبل).
وتزامنًا مع هذه الذكرى، وبالإضافة إلى الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، وسيطرة القوات الروسية على المفاعل النووي (تشرنوبل)، نستعرض مع حضراتكم من خلال هذا المقال مخاطر التعرُّض للإشعاعات النووية، والإجراءات الوقائية في حالات الطوارئ النووية.
مخاطر التعرض للإشعاعات النووية:
قد يَنجُمُ عن حدوث حالة طوارئ في محطةٍ من محطات الطاقة النووية تسرُّب لمواد مُشعَّة إلى الجو، والأشعَّة النووية لا لون، ولا طعم، ولا رائحة، لكنَّها قد تكون قاتلةً، ويمكن أن تدخل تلك الأشعَّة النووية الخطيرة إلى الجسم عن طريق التنفُّس أو من خلال البشرة، وقد يتعرَّض الإنسان للإصابة بسرطان الغُدَّة الدرقية، والأورام، وسرطان الدم، وأمراض العيون، والعقم، والاضطرابات النفسية، وغيرها من الأمراض الخطيرة، ناهيك أنه عند التعرُّض لجرعاتٍ كبيرةٍ من هذه الأشعَّة، فقد يموت خلال ساعات أو أيام قليلة.
وعند حدوث طارئ في أيَّة محطة النووية، تهرع فرق الإنقاذ إلى مكان الكارثة، فَهُمْ أول من يتعرَّض لتلك الإشعاعات بجانب العاملين في تلك المحطة، وسواء كان هذا التعرض داخليًّا أم خارجيًّا، فقد يؤدي ذلك إلى تعرُّضهم لجرعاتٍ إشعاعيةٍ عاليةٍ بما يكفي لإحداث آثارٍ حادةٍ؛ مثل: احتراق الجلد، أو الإصابة بمتلازمة الإشعاع الحادة.
والسُّكان القريبون من تلك المحطات هم أيضًا عُرْضة للتعرُّض لتلك العناصر المُشعَّة الموجودة في إحدى السُّحب المشعَّة أو المترسبة على الأرض، فيمكن أن يتعرَّضوا للإصابة بتلوثٍ خارجيٍّ من العناصر المشعَّة التي تترسب على الجلد أو الملابس، وبتلوُّث داخلي عند استنشاق تلك العناصر المشعَّة، أو بَلْعها، أو دخولها إلى مجرى الدم من خلال جرحٍ مفتوحٍ.
بينما من المُسْتَبعَد أن يتعرَّض عامة السكان لجرعاتٍ عاليةٍ من الإشعاع بما يكفي لإحداث آثارٍ حادةٍ، لكنهم قد يواجهون جرعات منخفضة يمكن أن تؤدي إلى زيادة خطر تعرُّضهم لآثار طويلة الأجل؛ كالإصابة بالسرطان، ويضاف تناول أغذية و/ أو مياه ملوثة بالإشعاع إلى مجمل مُسبِّبات التعرُّض الإشعاعي.
ويُعتَبر اليُود والسيزيوم من أهمِّ العناصر المُشعَّة الأكثر إثارةً للمخاوف الصِّحيَّة، ويتـركَّز اليُود المشعُّ في حالة تسرُّبه إلى البيئة، ودخوله جسم الإنسان عن طريق الاستنشاق، أو البلع في الغُدَّة الدرقية؛ ممَّا يزيد من خطر إصابته بسرطان الغدة الدرقية، وتتوقف التأثيرات الضارة لتلك الأشعة على:
- مقدار الأشعَّة (الجرعة).
- سرعة تلقي جرعة الأشعَّة.
- مساحة الجسم المُتعرض للأشعَّة.
- حساسية النسيج المُتعرض للأشعَّة.
- وجود شذوذات جِينيَّة تُعِيق عمليات الإصلاح الطبيعية للحمض النووي DNA.
- عُمر الشخص في وقت التعرض للأشعَّة.
- الحالة الصحية العامة للشخص قبل التعرض للأشعَّة.
الإجراءات الوقائية في حالات الطوارئ النووية:
«الوقاية خيرٌ من العلاج»، فنستعرض فيما يلي أهمَّ الإجراءات الوقائية أثناء حالات الطوارئ النووية، وذلك للحدِّ من إمكانيَّة التعرض الإشعاعي، وما يصاحبه من مخاطر.
يجب تنفيذ مجموعةٍ من الإجراءات الوقائية العاجلة في المراحل الأولى (خلال الساعات الأولى، أو الأيام القليلة الأولى) للتعرض للإشعاعات النووية، مع الأخذ في الاعتبار كميات الإشعاع التي يُحتَمل أن يكونوا قد تعرَّضوا لها خلال تلك الفترة (مثل: الجرعة المؤثرة خلال يومين إلى سبعة أيام، والجرعة المُسبِّبة لاعتلالات الغدة الدرقية خلال أسبوعٍ).
فتَرتكز القرارات التي تعتمد في هذا الخصوص إلى وَضْع المحطَّة النووية، وكمية النشاط الإشعاعي التي أُطلقَت بالفعل، أو يُحتَمل أن تُطلَق في الغلاف الجوي، والأحوال الجويَّة السائدة، (مثل: سرعة الرياح، واتجاهها، ومعدل هطول الأمطار)، وغير ذلك من العوامل.
أولًا: الإجلاء:
يُعتَبر الإجلاء -نَقْل السكان إلى مساكن مؤقتة، أو في بعض الحالات إعادة توطينهم في مواقع جديدةٍ بصفةٍ دائمةٍ- من أهمِّ التَّدابير الوقائية العاجلة، وتزداد فعالية الإجلاء كإجراءٍ وقائيٍّ عند تنفيذه قبل أن ينطلق الإشعاع في الغلاف الجوي.
ثانيًا: تناول اليود غير المُشعِّ:
إنَّ تناول الأشخاص للْيُود غير المُشعِّ يمكن أن يَحُولَ دون امتصاص الغدة الدرقية لليود المُشعِّ، فتناول أقراص يوديد البوتاسيوم قبل التعرض للإشعاعات النووية، أو خلال المراحل الأولى من التعرُّض- يؤدي إلى تشبُّع الغدة الدرقية باليود؛ ممَّا يقلِّل من كمية اليود المُشعِّ التي تمتصها، ممَّا ينقص من احتمالية الإصابة بسرطان الغدة الدرقية.
إنَّ أقراص يوديد البوتاسيوم لا تقي من التعرض الخارجي للإشعاع، أو من أي عنصرٍ مُشعٍّ آخر، بخلاف اليود المُشعِّ، كما يجب عدم تناول تلك الأقراص إلا في حالة صدور تعليماتٍ رسميةٍ بذلك، ويجب حينها الالتزام بالجرعات الموصى بها، وخاصةً عند إعطائها للأطفال، ويُحظَر على النساء الحوامل والمرضعات تناول أقراص يوديد البوتاسيوم إلا عندما تصدر تعليمات رسمية بذلك.
ثالثًا: الأغذية والمشروبات:
ينبغي أن تُعتَمد إجراءات وقائيَّة للحدِّ من إمكانية التعرُّض للإشعاع أيضًا عن طريق الأغذية والمشروبات والمزروعات الملوَّثة في المراحل الأولى، فينبغي إنشاء برامج لرَصْد ومراقبة الأغذية والمياه لتوفير المعلومات اللَّازمة لاتخاذ القرارات بعيدة المدى بشأن فَرْض قُيُودٍ على الأغذية، واستهلاك المياه، ومراقبة المواد الغذائيَّة المتداولة في الأسواق المحلية والدولية.
رابعًا: الدعم الصحي النفسي:
من أهمِّ التدابير الوقائية التي يجب اعتمادها وتَبنِّيها: هو توفير خدمات الدعم الصحي النفسي اللازمة للتعامل مع الإجهاد الحادِّ بعد أيِّ حادثٍ نوويٍّ؛ لأنَّ ذلك من شأنه أن يُسْرع من التَّعافِي، ويَحُول دون وقوع آثارٍ طويلة الأمد؛ مثل: الإصابة باضطراب الإجهاد اللَّاحق للصدمات، أو غيره من اضطرابات الصحة النفسية المستمرة، وقد تكون ردود فِعْل الأشخاص الذين أُصِيبُوا بتلوثٍ إشعاعيٍّ شديدة وطويلة المدى تصاحبها آثار نفسية عميقة، وخاصة الأطفال منهم.