تشهد تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الحديثة تطورًا سريعًا ومتلاحقًا بشكل متسارع في العصر الحديث، حيث تمتدُّ تأثيراتها إلى مختلف جوانب الحياة البشرية، ونرصد هذا في واحدة من تلك الجوانب، وهي إدارة السلامة المهنيَّة، فعلى مرِّ التاريخ تطوَّرت قوانين السلامة بهدف حماية العمال في بيئات العمل من الأضرار المحتملة منذ الثورة الصناعية الأولى في القارة الأوروبيَّة.
ومن أجل الحفاظ على بيئة عمل آمنة للعمال في الفترة الأخيرة في المنطقة العربية، اتَّجه بعض المصانع مؤخرًا إلى توظيف التكنولوجيا الحديثة؛ كالذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز، والطائرات بدون طيار، وغيرها من الحلول التكنولوجية الأخرى، ويُعتَبر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء من أكثر الاتجاهات الواعدة لتنوُّع تطبيقاته في هذا المجال.
وفي هذا المقال سيتمُّ الكشف عن شكل وتأثير تكنولوجيا المعلومات على إدارة السلامة المهنية، وذلك من حيث التعرُّف على أشكال استخدام الذكاء الاصطناعي، وتأثير التكنولوجيا الحيوية على قوانين السلامة.
أشكال استخدام الذكاء الاصطناعي:
التكنولوجيا الرقمية تُوظَّف وتُسخَّر للحد من الإصابات والوفيات، وتحسين صحة الموظفين ورفاهيتهم، وأيضًا تحسين الإنتاجية، كما تُسهِّل الأدوات التكنولوجية الجديدة والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلُّم الآلي وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار، وجمع البيانات القيمة والتي تؤدِّي إلى ردِّ فعلٍ أسرع، حيث دعمت تقنية (Video Event Detection) VEDA
VEDA هي «مجموعةٌ من القرارات والتنبيهات المدعمة بالفيديو»، وهي تُعدُّ منصة خاصة لتحليلات الفيديو، طوَّرتها خلية بيانات وتحليلات المجموعة لضمان جهود السلامة، وتضمن مجموعة من المَيْزات المدعمة بالذكاء الاصطناعي حول الكشف عن مُعدَّات الوقاية الشخصية (PPE)، كما يتمُّ توسيع نطاق المنصَّة لتشمل قطاع البيع بالتجزئة، ولقد قامت الشركات بإدراج تقنية VEDA في عام 2021، ولقد طوَّر بعض الشركات الأعمال الكيميائية كافَّة إلى وحدة (الواقع الافتراضي VR لتدريب الأشخاص للعمل في بيئة آمنة.
فالذكاء الاصطناعي هو تقنية تُحَاكي الذكاء البشري، وبمعنى أوضح هي قدرة الآلة على مُحَاكاة العقل البشري، وطريقة عمله؛ مثل القدرة على التفكير، والاكتشاف، والتطور، وغيره، ويتكوَّن الذكاء الصناعي من مجموعة من الأنظمة التي من شأنها مساعدة القادة والمسؤولين والمُحلِّلين على الوصول إلى البيانات وتحليلها، وبناء برمجيات وغيرها من أجل تحقيق أهداف كل عمل، وتحسين الظروف من أجل إنتاجيَّة أفضل في وقت أقل.
ومن أشكال استخدام الذكاء الاصطناعي:
* أشياء يمكن ارتداؤها: بخلاف الكاميرات العادية، ويمكن توزيع بعض الأشياء التي يمكن ارتداؤها على العمال؛ مثل: قُفَّازات أو أشياء بها حسَّاس.
* الرُّوبوتات: وتتكوَّن من أنظمة؛ مثل: الطائرات بدون طيار، بصفة خاصة في العمليات الأكثر خطورة؛ مثل: المراقبة، أو فحص أو تفتيش المواقع الخطرة.
* تقنية الواقع الافتراضي: وتتمثَّل أهميَّة تلك التقنية في التدريبات التي يجب القيام بها ضمن برامج تطبيق السلامة في أماكن العمل.
أثر التكنولوجيا الحيويَّة الحديثة على قوانين السلامة المهنيَّة:
وعن تأثير التكنولوجيا الحيوية الحديثة على قوانين السلامة المهنيَّة: يُعدُّ هذا أمرًا بارزًا في العصر الحديث، ويمكن عرضُهُ في النقاط التالية:
1- القدرة على تحديد التشريعات والتوجيهات الجديدة: حيث يتطلَّب تطبيق التكنولوجيا الحيوية الحديثة تحديث مجموعة القوانين والتشريعات القائمة لضمان تغطية التطورات الحديثة في هذا المجال وَفْقًا للمعايير العالمية.
2- تحسين السلامة الحيويَّة: حيث يجب وَضْع إجراءات ومُتطلَّبات صارمة للسلامة الحيوية في المختبرات والمصانع التي تعمل بالتقنيات الحيوية.
3- العمل على مراقبة السلامة الغذائيَّة: حيث تعتبر التكنولوجيا الحيوية جزءًا أساسيًّا من صناعة الغذاء الحديثة.
4- العمل على حماية البيئة: قد تؤثر تقنيات التكنولوجيا الحيوية الحديثة على البيئة والتنوُّع البيولوجي؛ لذا يجب وَضْع قوانين وتشريعات للحدِّ من المخاطر البيئيَّة المحتملة.
استخدام الحلول الرقميَّة في تحسين إدارة السلامة المهنيَّة:
بالنظر إلى أنظمة إدارة السلامة الرقميَّة، تَبيَّن أن عملية رقمنتها سهَّلت على المؤسسات تتبُّع حوادث السلامة والإبلاغ عنها، حيث تسمح الحلول المستندة إلى الأنظمة الرقمية بالتعاون السَّلِسِ بين الإدارات وأصحاب المصلحة؛ ممَّا يضمن أن تظلَّ السلامة أولوية قصوى عَبْر المؤسسة بأكملها، وتُعتَبر البرمجيات الرقمية أداةً قويةً لتحسين السلامة؛ حيث تساعد هذه البرمجيات على تحديد النِّقاط الضعيفة في سلسلة العمل، وتحليل ومراقبة المخاطر المحتملة، والتحكُّم في العمليات وتنفيذ الإجراءات الوقائية من خلال استخدام البرمجيات الرقمية، ويمكن رَصْد ومتابعة إجراءات السلامة في الوقت الفعلي، وذلك باستخدام أنظمة التحكُّم والمراقبة الآليَّة التي تساعد على تحديد الخلل في وقته قبل حدوث أي حادث أو إصابة، وتتيح البرمجيات الرقمية إمكانيَّة توثيق البيانات المتعلقة بالسلامة، ومشاركتها بين فِرَقِ العمل والشُّركاء والمقاولين؛ ممَّا يساعد على زيادة الشفافية والتواصل بين الأطراف المختلفة.
نماذج الحلول الرقمية في تحسين إدارة السلامة المهنية:
برامج إدارة المهام:
تُسْتخدم برمجيات إدارة المهام في المشاريع لتبسيط العمليات، وتقليل الخطأ البشري؛ لأنها تسمح للعاملين بالوصول إلى مهامهم كافَّة على هواتفهم الذكية، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن توفر برامج إدارة المهام تعليمات مُفصَّلة لكل مهمة عمل مطلوبة، كما أن هذه الأنظمة تتعقَّب أيضًا مقدار وحجم الوقت الذي يستغرقه لأداء كل مهمة بجانب توفير أوقات استراحة للعمال.
برامج الحوسبة السحابيَّة لإدارة التواصل في المشاريع:
يلعب التواصل دورًا فَعَّالًا في تحسين وضمان السلامة في المشروعات، حيث يُسْهم الوصول الفوري للمعلومات والمستندات المتعلقة بإجراءات السلامة في الحفاظ على سلامة العمال، وباستخدام الحوسبة السحابيَّة يمكن لأفراد فريق العمل والفرق المختلفة المشاركة في المشاريع كافَّة تحسين كيفيَّة التعاون فيما بينهم من خلال السماح لهم بمشاركة المستندات والمعلومات المتعلقة بالمشروع، ومنها إجراءات السلامة على الفور من أيِّ جهازٍ أو موقعٍ.
برمجيات الفحص والتفتيش:
برمجيات الفحص والتفتيش تُعتَبر جانبًا آخر من جوانب التكنولوجيا الرقمية، والَّتي يمكن أن تساعد في تحسين إدارة السلامة والصحَّة المهنية، ويتيح للمستخدمين فحص المناطق كافَّة بدقَّة أكبر في موقع المشروع من خلال البيانات التي يمكن مشاركتها في الوقت الفعلي مع أعضاء الفريق أو المشرفين الموجودين في الموقع بصفة مستمرة.
وقد أصبحت برامج الفحص والتفتيش أكثر شيوعًا؛ نظرًا لأنها تتيح إنشاء قوائم مراجعة، ونماذج تقارير بسهولة لعمليات التفتيش الرُّوتينية، وتتبُّع النتائج بمرور الوقت.
الحلول الرقمية لتجميع البيانات وتحليلها:
من أقوى الطرق التي يمكن للتقنية الرقمية أن تُحسِّن بها السلامة المهنية في المواقع بأي مؤسسة: جمعُ البيانات وتحليلها من خلال استخدام الأجهزة المتَّصلة بعضها البعض، حيث من الممكن جَمْع البيانات عن ظروف العمل في الموقع في الوقت الفعلي، ويمكن بعد ذلك تحليل تلك البيانات لتحديد درجات المخاطر المحتملة، أو المجالات التي تحتاج فيها بروتوكولات منظومة السلامة من خلال اتِّباع نَهْج استباقي لمراقبة السلامة حتى تكون الشركات أكثر قدرةً على مَنْع الحوادث قبل وقوعها.
وتقنيات المعلومات والاتصالات تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز هندسة السلامة في العديد من الطرق، وهناك بعض الأمثلة، وهي:
1. توفير المعلومات والوعي: يمكن استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في توفير المعلومات المهمَّة حول السلامة للعاملين والجمهور عمومًا.
2. التدريب والتعليم عن بُعْد: يمكن استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات لتوفير التدريب والتعليم عن بُعْد في مجال السلامة.
3. رصد وإدارة المخاطر: يمكن استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات لرصد وإدارة المخاطر في مجال السلامة.
4. التواصل والتعاون: يمكن استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات لتسهيل التواصل والتعاون بين جميع المَعْنيِّين بمجال السلامة.
5. إدارة البيانات والمعلومات: يمكن استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات لإدارة البيانات والمعلومات المتعلقة بالسلامة.
الخاتمة:
وفي الختام، يُمْكننا القول: إنَّ هناك تجاوبًا مع التطورات التكنولوجية الحديثة لتوفير بيئة عمل آمنة وصحية للعمال من خلال تطبيق قوانين السلامة المهنية وملاءمتها مع التكنولوجيا الحديثة والحيوية، كما يُعدُّ الذكاء الاصطناعي أبرزها، فالهدف الرئيس من استخدام التكنولوجيا الحديثة هو زيادة الكفاءة، وتحسين الإنتاجية، وبالتالي فإنَّ تطوير تطبيقاتٍ كهذه – سواء كانت تعتمد على الذكاء الاصطناعي، أو أي نوعٍ آخر من التكنولوجيا الحديثة، وتحسين التطبيقات – سيُقلِّل من الإصابات بحدٍّ كبير إنْ لم يَمْحها تمامًا.