مقالات المجلة

3- التوجيهات الخاصة بالأجواء الانفجارية

تحدَّثنا في المقالين السابقين عن الأجواء الانفجاريَّة، وبيَّنا المقصود بالأجواء الانفجارية، وكيفيَّة حدوث الانفجارات، وسلَّطنا الضوء على الجهود اللَّازم اتِّخاذها لتجنُّب وقوع الحوادث في هذه الأجواء الخطرة، ثم بينَّا جانبًا من المجهودات التي تُبذَل في سبيل ذلك، وضربنا مثلًا بالتشريعات التي تقوم بعض الحكومات والمجالس النِّيابية بوضعها لتجنُّب وقوع الحوادث في تلك الأجواء الخطرة، فأخذنا ما قامت به دولة مملكة البحرين كنموذجٍ لتلك الجهود المبذولة.

ولبيان النَّتائج المترتبة على وقوع الحوادث في الأجواء الانفجاريَّة سنتحدَّث في هذا المقال عن حادثةٍ من أشهر الحوادث التي حدثت نتيجة العمل في البيئات المشتملة على أجواءٍ انفجاريةٍ، تلك الحادثة التي وقعت في منصَّة حفر آبار بترول عام 2010، أثناء عملها في خليج المكسيك قُبَالة السواحل الأمريكية، وهي تابعة لشركة (بريتش بتروليوم) البريطانية (BP ).

ونَتجَ عن تلك الحادثة العديد من الكوارث والخسائر البشريَّة من وفياتٍ وإصاباتٍ، وكذلك خسائر ماديَّة بلغت مليارات الدولارات، وكارثة بيئيَّة تعتبر هي الأكبر من نوعها في العالم.

خلفيَّة الحدث:

تسرُّب غازي خلق جوًّا انفجاريًّا في منصَّة (ديب ووتر هوريزون)، وتملكها شركة (ترانس أوشن)؛ حيث كانت تقوم بحفر بئرٍ نفطيٍّ داخل المياه الأمريكية في خليج المكسيك، وذلك يوم 20 أبريل عام 2010.

تطورات الحدث: 

بدأ تسرُّب غاز الميثان في المنصَّة؛ ممَّا خَلق هذا الجو الانفجاري الخطير، والذي نَجَم عن ضعف الاحتياطات الواجب اتِّخاذها انفجار هائل، واحتراق المنصَّة بالكامل، ثم غرقها فيما بعد، وكذلك حدوث تسرُّب نفطي هائل وَصَفه الرئيس الأمريكي آنذاك (باراك أوباما) بأنها أكبر كارثة بيئية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

امتداد وحجم التسرُّب النفطي:

تمَّ اكتشاف التسرُّب النفطي بعد ظهر يوم 22 أبريل 2010، وقُدِّرت كمية التدفُّق (من 1000 إلى 5000 برميل نفط يوميًّا)، حسَب تقديرات الشركة البريطانية، ولكن اللجنة التي شُكِّلت خصيصًا للحادث قَدَّرت نسبة التدفُّق بـ (62000 برميل يوميًّا)، ويُعدُّ التسرُّب النفطي الأكبر على مرِّ العصور.

النتائج والتأثير البيئي:

من النتائج التي ترتَّبت على الانفجار، ومن ثَمَّ التسرُّب النفطي ما يلي:

(وفاة 11 شخصًا، وإصابة 17 آخرين – مَنْع التنقيب عن النفط قُبَالة السواحل الأمريكية – توتُّر العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا – أكبر حادثة بيئيَّة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تسبَّب تسرُّب النفط في حدوث أضرارٍ لأنواع الحياة البحريَّة كافَّة من أسماكٍ وشعابٍ مرجانيةٍ، وغيرها من زيادة معدل الوفيات، أو إعاقة قدرة الكائنات الحيَّة على تناول الطعام والتكاثر، وتجنُّب الحيوانات المفترسة، فمثلًا: تمَّ الإبلاغ عن استمرار موت الدَّلافين بمعدل ستَّة أضعاف المعدل الطبيعي، وكذلك موت العديد من الأشجار على امتداد الساحل – وَجَد باحثون مُركَّبات سامَّة بتركيزات عالية في النباتات والمأكولات البحرية ناتجة عن التسرُّب – وَجَد باحثون في جامعة ستانفورد والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (منشور في مجلة ساينس عام 2014) أن الأسماك قد أُصيبَتْ بسكتة قلبية نتيجة السموم المنبعثة من التسرب النفطي).

التأثيرات على صحة الإنسان:

وَفْقًا لدراسةٍ أجرتها جامعة كولومبيا حول الآثار الصحيَّة بين الأطفال الذين يعيشون على بُعْد أقل من عشرة أميال من الساحل، فإنَّ أكثر من ثلث الآباء يُبلِّغون عن أعراضٍ صحيةٍ أو جسديةٍ بين أطفالهم، وأفادت دراسة نشرت في المجلة الأمريكية للطب بتزايدٍ في الإصابة بسرطان الكبد، وسرطان الدم لدى المُعرَّضين للتسرُّب.

الدعاوى المدنية والجنائية:

رفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى ضد شركة (بريتش بتروليوم) في 15 ديسمبر 2010، بالإضافة إلى حوالي (200) قضية أخرى مرفوعة من الولايات والأفراد والشركات في نوفمبر 2012، وتوصَّلت الشركة ووزارة العدل إلى تسويةٍ بقيمة (4 مليار دولار) لجميع التُّهم الجنائية، وتمَّ تقسيم الخطأ بنسبة (67%) لشركة (بريتش بتروليوم) و(30%) لشركة (ترانس أوشن) و(3 %) لشركة (هاليبورتون)، وأعلن (أوباما) أن الشركة ستدفع (20 مليار دولار) للتعويض. وفي عام 2015 وافقت الشركة على تسويةٍ بقيمة (18.5 مليار دولار).

خاتمة:

وفي الختام، نرجو الله أن نكون قد قدَّمنا بيانًا لتوضيح خطورة العمل فيما يُسمَّى بالأجواء الانفجارية، وما يترتَّب على وقوع الحوادث نتيجة عدم اتِّخاذ الاحتياطات اللَّازمة لتأمين الأشخاص أثناء العمل بها، فإنَّ اتِّباع إجراءات السلامة والصحة المهنية والبيئة يجب على الجميع الالتزام بها التزامًا كاملًا، فالحادثة تقع في لحظةٍ، ولكن معالجة الآثار المترتبة عليها قد يُكلِّفنا ما لا يمكننا تجاوزه، ونسأل الله السلامة للجميع.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *