مقالات المجلة

2- الرؤية الصفرية: نهج علمي لتحقيق سلامة الطريق

المقدمة: 

تُمثِّل حوادث المرور مشكلةً عامةً تُخلِّف خسائر بشرية واقتصادية ضخمة، وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى وفاة نحو (1.35 مليون شخص سنويًّا) بسبب حوادث المرور، إلى جانب إصابات خطيرة تُصيب (20 – 50 مليون شخص آخر)؛ ممَّا يُبْرز الحاجة إلى تدخُّلات متقدمة وفعَّالة، وتهدف الرؤية الصفرية (Vision Zero)، كاستراتيجية متقدِّمة للسلامة على الطرق إلى القضاء على الوفيات والإصابات الخطيرة من خلال مزيجٍ من الحلول التقنية، وابتكارات السلامة الهندسيَّة، مع التَّركيز على الإنسان كعنصرٍ أساسيٍّ.

ما الرؤية الصفريَّة؟ 

الرؤية الصفرية (Vision Zero) هي استراتيجيَّة شاملة للسلامة المرورية تمَّ تطويرها في السويد خلال التسعينيَّات، وتَسْتند إلى مبدأ أساسي: (حياة الإنسان وصحَّته غير قابلة للتفاوض)، وتقوم الاستراتيجية على نَهْج منهجي يجمع بين تصميم البُنْية التحتية، وتحسين المركبات، والسلوك الآمن للمستخدمين؛ لتحقيق بيئة نَقْل آمنة ومستدامة.

سلامة المستخدمين (Safe People): يشمل ذلك تعزيز سلامة سلوك مُسْتخدمي الطريق من خلال حملات التوعية، والتدريب المستمر، وتطبيق صارم لقوانين السلامة المرورية، وتستهدف هذه الجهود السائقين، والمُشَاة، وراكبي الدرَّاجات، مع إعطاء اهتمام خاص للفئات الأكثر عُرْضةً للمخاطر؛ مثل: الأطفال، وكبار السِّن.

سلامة المركبات (Safe Vehicles): تُركِّز الرُّؤية الصفرية (Vision Zero) على تحسين تصميم المركبات، واعتماد تقنيات السَّلامة المتقدمة؛ مثل: أنظمة المكابح المانعة للانغلاق (ABS)، وأنظمة التحذير من الاصطدام، وأنظمة القيادة الذاتيَّة، كما تتطلَّب إجراء فحوصات دورية لضمان سلامة كفاءة المَرْكبات، واستيفائها لمعايير السلامة الدولية.

سلامة البُنْية التحتية (Safe Infrastructure): تُعدُّ الطرق المُصَمَّمة بشكل جيِّد، والمُجهَّزة بحلول هندسيَّة؛ مثل: تقليل السُّرعات، وفصل مسارات المشاة والدرَّاجات، وتأمين الإضاءة، والإشارات المروريَّة- عاملًا رئيسًا في تقليل الحوادث، ويتضمَّن ذلك أيضًا استخدام تقنيات تحليل البيانات لتحديد النِّقاط السوداء (Black Spots)، والعمل على تحسينها.

 

علاقة الرؤية الصفرية بنهج النظام الآمن:

الرؤية الصفرية (Vision Zero)، ونَهْج الأنظمة الآمنة (Safe System Approach) يشتركان في هدفٍ واحدٍ يتمثَّل في تقليل الوفيات والإصابات الخطيرة الناتجة عن حوادث الطرق، ويُعْتبر نَهْج الأنظمة الآمنة العمود الفقري لتنفيذ الرؤية الصفرية، حيث يُركِّز على تصميم نظامٍ مروريٍّ يتكيَّف مع الخطأ البشري، ويحُدُّ من العواقب الخطيرة للحوادث.

الخطأ البشريُّ أمرٌ لا مفرَّ منه: يعترف كلا النَّهْجين بأنَّ البشر قد يرتكبون أخطاء أثناء استخدامهم الطُّرق؛ ممَّا يجعل تصميم النظام المروري ضروريًّا لتقليل تأثير هذه الأخطاء.

تقليل طاقة الاصطدام: يُركِّز النَّهج الآمن على تقليل شدَّة الاصطدامات عَبْر تصميم المركبات، والبُنْية التحتية بطرق تُقلِّل من الطاقة المتولِّدة أثناء الحوادث، وهو عنصرٌ أساسي في تحقيق أهداف الرؤية الصفرية.

تصميم البُنْية التحتية لتحمُّل الأخطاء: يجب تصميم الطرق والبُنْية التحتية بحيث تجعل الحوادث إمَّا قابلةً للتجنب، أو تقلل من شدَّتها بحيث يمكن البقاء على قيد الحياة حال وقوعها.

فوائد الرؤية الصفرية:

  •  القضاء على الوفيات والإصابات الخطيرة: تعتمد الرؤية الصفرية على نَهْج قائم على البيانات لتحليل مُسبِّبات الحوادث، واستهداف التدخُّلات الأكثر فعاليةً.
  • تحسين سلامة الصحة العامة: تقليل الحوادث يُسْهم في تقليل الضغوط على أنظمة السلامة الصحيَّة، إلى جانب تقليل الانبعاثات والتلوث الناجم عن حوادث الطرق.
  •  تطوير أنظمة نَقْل مستدامة: التَّركيز على البُنْية التحتية الذكيَّة يُعزِّز من سلامة جودة الحياة عَبْر تشجيع استخدام وسائل النقل البديلة؛ كالدرَّاجات والمَشْي.
  • زيادة الإنتاجيَّة الاقتصادية: تقليل التكاليف الناجمة عن الحوادث يُخفِّف العبء على الاقتصاد الوطنيِّ، ويُحسِّن الأداء الاقتصادي على المدى الطويل.

تحديات الرؤية الصفرية: 

  • نقص التمويل: يتطلَّب تنفيذ الاستراتيجية استثمارات كبيرة في سلامة البُنْية التحتية، والتقنيات المتطورة، وبرامج التدريب.
  • التعاون بين القطاعات: تعتمد الرؤية الصفرية على التَّنسيق بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمعات المحليَّة لضمان تنفيذٍ متكاملٍ.
  •  نقص البيانات الموثوقة: يحتاج تحليل الحوادث إلى بيانات دقيقة وشاملة تُغطِّي جميع جوانب النِّظام المروري.

الخاتمة: 

الرؤية الصفرية (Vision Zero) ليست مجرَّد هدف طموح، بل هي إطار عمل متكامل قائم على المبادئ العلميَّة والهندسية لتحسين سلامة الطرق، ومن خلال تصميم أنظمة نَقْل تضع حياة الإنسان في المقام الأول، يمكن تقليل الوفيات والإصابات بشكل كبير، مع تعزيز السلامة العامَّة والاستدامة الاقتصادية، ويتطلَّب تحقيق هذا الهدف التزامًا قويًّا من الحكومات، ودعمًا تقنيًّا من المهنيِّين، وتعاونًا فاعلًا بين جميع الأطراف المَعْنيَّة؛ لضمان مستقبل أكثر سلامةً وأمانًا على الطرق.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *