«مشكلة الرقم (صفر) هي أنه بعد تبنِّيه، لا يوجد مكان للذهاب، فعند وصولك إلى ذلك الرقم بأي طريقةٍ تُذكَر، فأنت تفترض النجاح المُطلَق».
ومع ذلك، أصبح (الصفر) هو الرقم الأكبر في عالم السلامة. إنَّ العديد من مقاولي قطاعات البناء والتشييد، والطاقة، والنفط والغاز، وغيرهم، حتى بعض المشاريع الصغيرة، قد قدَّموا التزامات واضحة بتبنِّي (الصفر) فيما يتعلق ببرامج السلامة الخاصة بهم، ومن السهل معرفة السبب، وعند الوصول إلى (الصفر)، فإنَّهم يزعمون كامل السيطرة على المخاطر، والتخلُّص منها، وأن بيئة عملهم آمنة كليًّا.
ومن المنظور الأخلاقي، يعتبر (الصفر) ضرورة مطلقة، هذا هو المعيار الوحيد الممكن، فلا أحد يعمل في بيئة العمل وهو يخطط لوقوع حادثٍ أو التسبُّب فيه لشخصٍ آخر.
وفي الواقع، غالبًا ما يذكر المتخصصون أو الممارسون في مجال السلامة رؤيةً أو هدفًا يتمثَّل في (عدم وجود إصابات)؛ ممَّا يعني ضمنًا التحكُّم الكامل في العوامل التي تُسبِّب الإصابات، وهذا في الواقع يُقلِّل من المخاطر المُتصوَّرة عن طريق إقناع الناس أن أسباب الإصابات تتبلور في أحداثٍ مفهومةٍ، ويمكن السيطرة عليها تمامًا. وقد سبق وتطرقت في إحدى مقالاتي بأنَّ هناك نظريات تشرح خَرْق الناس لقوانين الصحة والسلامة، ومنها: نظرية التصنيف، فيُصنِّف الإنسان السُّلوكيات بحسَب خبراته ورغباته، فكلُّ ما يحدث حوله قد لا يكون خارقًا للقوانين والتعليمات، إلا في حال حدوث أمرٍ غير مرغوبٍ فيه، فيتمُّ تصنيف السلوك على أنه خَرْق للقوانين والقواعد.
وعلى الرغم من تبنِّي الكثير من القطاعات نظرية (الصفر)، إلَّا أن الإصابات لا تزال موجودةً، فعلى سبيل المثال تدل إحصائيات التأمينات الاجتماعية السعودية للربع الأخير من ٢٠٢١م، إلى وجود عدد (٢٠٠٣ إصابة) في قطاع التشييد (لنا أن نتصوَّر عدد الإصابات التي لم يتمَّ الإبلاغ عنها، فكما يُقَال: الخافي أعظم). إنَّ رؤية (الصفر) تُعزِّز رؤية عدم التسامح حتى مع الحوادث أو الإصابات الصغيرة، وتجعل الناس يفترضون أن كل شيءٍ يمكن الوقاية منه، والفكرة هي أن السعي وراء (الصفر) من كل شيءٍ -خاصةً الأشياء الصغيرة في أسفل المثلث (مثلث المخاطر)- لن ينتج عنه مثلث على الإطلاق: لا ضرر من أي نوعٍ أو خطورةٍ.
ففي محاولةٍ شاملةٍ لتقليل معدل الإصابة، توصَّل أصحاب العمل إلى نظام المكافآت، وببساطةٍ شديدةٍ عرضوا على الموظفين رشوةً على شكل -غالبًا- نقود، أو ما شابه ذلك، إذا كان الموظفون آمنين، ولم يتعرضوا لأي إصابةٍ خلال الفترة المحددة، وإذا أراد المديرون (صفر إصابات)، فلن يتعرَّضوا لإصاباتٍ، خاصةً إذا كان يُدفَع لهم مقابل إصاباتٍ صفريةٍ.
تذكَّر:
- تُظْهر الأبحاث أنه إذا كانت الأهداف غير واقعية، ولكن يمكنك تحقيقها عن طريق الغش، فإنَّ الناس سوف يغشُّون، وسوف يحتالون للحصول على المُحفِّزات.
- يمكن أن تؤدي (الرؤية الصفرية) في بعض الأحيان إلى قَمْع الأدلة حول الحوادث، أو الإصابات، أو قضايا السلامة الأخرى، وقد يُحكَم -أحيانًا- على السلوك غير الأخلاقي الذي يمكن أن يُثِيرَه على أنه غير قانونـيٍّ، أو إجرامي (قد لا تنطبق العبارة الأخيرة على النظام السعودي).
- أهداف السلامة الثنائية (على سبيل المثال: صفر إصابة) لا تدعمها الأبحاث العلمية في الواقع، فقد وُجد أن برامج (الصفر) مرتبطة بزيادة عدد الحوادث الخطيرة والوفيات.
- عندما تُصْبح الشركات شديدة الحماس بشأن هدف (الصفر إصابة)، فإنَّها يمكن أن تصبح غير متسامحةٍ مع الحوادث، وقد يصبح مُوظَّفوها أقل مَيْلًا للتحدُّث بسبب الخوف من الانتقام، وانعدام الأمان النفسي.