مقالات المجلة

التدريب والمحاكاة الافتراضية في السلامة

مقدمة:

تُعتَبر السلامة المهنية واحدةً من أهمِّ الأولويات التي تسعى الشركات والمؤسسات إلى تحقيقها، حيث تُعدُّ ركيزةً أساسية لضمان سلامة العاملين في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية، ومع التطور التكنولوجي المتسارع، أصبح التدريب والمُحَاكاة الافتراضية في مجال السلامة المهنية أداةً فعَّالة لتعزيز قدرات العاملين على التعامل مع المخاطر المحتملة؛ إذ توفر بيئة آمنة تُحَاكي تلك المخاطر؛ ممَّا يُسْهم في توعية العاملين بكيفيَّة سلامة التعامل معها، واتِّخاذ الإجراءات الوقائيَّة اللازمة، وزيادة سرعة الاستجابة لحالات الطوارئ، والتعامل معها بفعالية، إضافةً إلى مُحَاكاة سيناريوهات يصعب تطبيقها في الواقع؛ كمُحَاكاة إشعال حريق في مصنع، وتدريب العاملين على التعامل معه.

ما التدريب والمُحَاكاة الافتراضية؟

يمكن تعريف التدريب والمُحَاكاة الافتراضية على أنه: «عمليَّة تدريب تهدف إلى تقديم تجارب تعليمية تفاعلية من خلال إنشاء بيئة افتراضية تُحَاكي الواقع باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي  (VR)، والواقع المعزز  (AR)، وفي مجال السلامة المهنيَّة يُتِيحُ هذا النوع من التدريب للعاملين التفاعل مع سيناريوهات متعددة تُحَاكي المواقف التي قد يُوَاجهونها في بيئات عملهم.

فوائد التدريب الافتراضي والمُحَاكاة في السلامة المهنيَّة:

تتنوَّع فوائد التدريب الافتراضي في مجال السلامة المهنية بشكل كبير؛ إذ يُعدُّ أداةً مبتكرة وفعالة لزيادة الوعي بالمخاطر المحتملة في بيئات العمل، وتعزيز مهارات التعامل معها، ويمكن إيجاز أهم هذه الفوائد فيما يلي:

  • التدريب في بيئة آمنة:

  تُتِيحُ تقنيات المُحَاكاة للعاملين فرصة التدريب على المواقف الخطرة أو المُعقَّدة، ودون التعرُّض للخطر الفعلي، فعلى سبيل المثال: يمكن للعامل أن يتعلَّم كيفيَّة سلامة التعامل مع تسريب كيميائي، أو حريق صناعي، واكتساب المهارات الضرورية دون التعرُّض لأي أضرار حقيقية.

  • تحسين الاستجابة لحالات الطوارئ:

من خلال مُحَاكاة سيناريوهات متعددة لحالات الطوارئ (مثل: الحرائق، والتسريبات الغازية أو الكيميائية، والحوادث الميكانيكية)، وتُعزِّز هذه العملية من سلامة مهارات العاملين في اتخاذ القرارات تحت الضغط، وتزيد من سرعة استجابتهم، وتُقلِّل من وقت ردود أفعالهم عند التعرُّض لمثل هذه الحالات على أرض الواقع؛ ممَّا يرفع من مستوى الجاهزية العامة للتعامل مع حالات الطوارئ بكفاءة وفاعلية.

  • تقليل التكاليف:

يُسْهم التدريب الافتراضي في تقليص النفقات المرتبطة بالتدريب التقليدي (مثل: استئجار المواقع الميدانية، وشراء المُعدَّات المتخصصة، وتكاليف السفر والإقامة للمتدرِّبين)، وتخفيف التكاليف المرتبطة بالإصابات والحوادث المحتملة، نتيجة لتحسين سلامة كفاءة العاملين في التعامل مع المخاطر.

  • المرونة فـي التدريب:

 يُتِيحُ هذا النوع من التدريب للعاملين فرصة التعلُّم في الأوقات التي تناسبهم، وبعيدًا عن جداول العمل المزدحمة، أو أثناء فترات الراحة، ودون التأثير على سير العمل أو الإنتاج، كما يوفر لهم إمكانيَّة الوصول إلى المحتوى التدريبي من أي مكان، ودون الحاجة إلى التواجد في موقع محدد.

  • تخصيص التدريب:

يتمُّ ذلك من خلال تصميم سيناريوهات تدريبيَّة مخصصة تُلبِّي احتياجات كل قطاع صناعي، أو بيئة عمل مُعيَّنة، وعلى سبيل المثال: يمكن تدريب العاملين في حقول النفط على كيفيَّة سلامة التعامل مع حالات تسريب النفط، أو الحرائق الكبيرة، بينما يتمُّ تزويد العاملين في المختبرات بالمهارات اللازمة للتعامل مع المواد الكيميائية الخطرة.

أمثلة على استخدام التدريب والمُحَاكاة الافتراضية في السلامة المهنية:

يتنوَّع استخدام التدريب الافتراضي في العديد من المجالات والقطاعات الصناعية المختلفة، وتُعدُّ الأمثلة التالية من أبرز المجالات التي يتمُّ فيها تطبيق هذا النوع من التدريب:

  • مجال الإنشاءات:

يُتِيحُ التدريب الافتراضي للعمال فرصة التعرُّف على المخاطر المحتملة في بيئة عملهم الفعليَّة، حيث يمكنهم ممارسة التعامل مع ظروف العمل الخطرة؛ مثل: السقوط من الارتفاعات، واستخدام الآلات الثقيلة، والتعامل مع المواد والمعدات الخطرة.

  • مجال الصناعات الكيميائيَّة:

يُوفِّر التدريب الافتراضي إمكانيَّة إنشاء مُحَاكاة دقيقة للبيئات الكيميائية؛ ممَّا يُمكِّن العاملين من التعرُّف على المخاطر المحتملة؛ مثل: التسريبات، والانفجارات، والتفاعلات الكيميائية الخطيرة، والعمل في الأماكن المحصورة.

  • مجال الطيران:

يُتِيحُ هذا النوع من التدريب إجراء مُحَاكاة واقعية للحالات الطارئة، والسيناريوهات المتعددة التي قد يواجهها العاملون في هذا القطاع؛ مثل: الظروف الجوية القاسية، وأعطال المُحرِّك، أو حالات الطوارئ المتنوِّعة.

تحديات استخدام التدريب والمُحَاكاة الافتراضية في عالمنا العربي:

على الرغم من الفوائد العديدة لاستخدام التدريب الافتراضي، والمُحَاكاة في مجال السلامة المهنيَّة، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تواجه دولنا العربية في اعتماد هذه التقنية، وفيما يلي أبرز هذه التحديات:

  • البُـنْية التحتيَّة التكنولوجية:

تُعدُّ جودة البُـنْية التحتية عاملًا أساسيًّا يؤثر بشكل مباشر على فعالية التدريب الافتراضي، غير أنَّ عدم استقرار خدمات الإنترنت وضعفها، والتي لا تزال يعانـي منها بعض الدول العربية- يقوِّض من كفاءة هذا التدريب، بالإضافة إلى ذلك: يُشكِّل نقص الأجهزة والبرمجيات الضرورية اللازمة لعمليات التدريب عن بُعْد، والذي يواجهه العديد من المؤسسات في هذه الدول- عقبةً تَحُولُ دون تنفيذ التدريب الافتراضي بكفاءة عالية.

  • الفجوة الرقمية: 

إنَّ وجود الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والنائية في هذه البلدان سيؤدِّي إلى حرمان عددٍ كبيرٍ من العاملين في المناطق البعيدة من فرص الاستفادة من التدريب الافتراضي؛ ممَّا يُعمِّق الفجوة في المعارف والمهارات بين مختلف الفئات، وسيزيد من التباين في مستوى سلامة الكفاءة المهنية.

  • التقبُّل الثقافـي:

يُشكِّل التقبُّل الثقافـي تحديًا جوهريًّا أمام اعتماد التدريب الافتراضي؛ إذ سيُفضِّل بعض العمال أساليب التدريب التقليدية التي تعتمد على التفاعل المباشر بين المدرِّب والمتدرِّب، وسيؤدي ذلك إلى التردُّد في تبنِّي التكنولوجيا الجديدة، وقد يثير الشكوك حول فعالية التدريب الافتراضي مقارنةً بالتدريب العملي التقليدي؛ لذلك، فإنَّ التصدي لهذا التحدي يتطلب تعزيز السلامة والوعي للعاملين في المؤسسات والمنظمات بأهميَّة التدريب الافتراضي، وإطلاق حملات توعوية تُبْرز قدرته على تحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية.

  • التكاليف:

على الرغم من أنَّ التدريب الافتراضي قد يُوفِّر فوائد اقتصادية على المدى البعيد، إلا أن التكاليف الأوليَّة المتعلقة بتطوير المحتوى، وإنشاء المنصات التدريبية، تظلُّ مرتفعةً، ويُشكِّل هذا الأمر تحديًا أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة خاصةً، والتي قد تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة للاستثمار في هذه التكنولوجيا الحديثة، إضافةً إلى ذلك، يتوجَّب على المؤسسات تخصيص ميزانيات إضافية لتدريب الموظفين على سلامة استخدام الأنظمة الجديدة بكفاءة وفاعلية، وأخرى للتطوير والتحديث المستمر على هذه المنصات.

الخلاصة:

يُعتبر التدريب والمُحَاكاة الافتراضية من الحلول الواعدة لتعزيز السلامة المهنية في مختلف بيئات العمل بفضل قدرتِهِ على مُحَاكاة التجارب الواقعية، ودون التعرُّض لمخاطر فعلية، كما أصبحت هذه التقنيات وسيلةً فعالة لتحسين سلامة مهارات العاملين، وزيادة قدرتهم على التعامل مع المواقف الخطرة. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه تطبيق هذه التقنية في عالمنا العربي (مثل: جودة البُنـْية التحتية، والتقبُّل الثقافـي، وارتفاع التكلفة الأولية)، إلا أنَّ الفوائد الكبيرة التي تُقدِّمها، تجعلها استثمارًا مُجْديًا للشركات التي تسعى إلى تعزيز سلامة مُوظَّفيها، وزيادة كفاءتهم.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *