منذ ظهور وباء كورونا (كوفيد 19) بجميع أنواعها، تغيَّرت عدَّة أمور على جميع المستويات، ومن بين أهمِّ التغييرات التي حدثت نجد الاعتماد بشكل كبير على الرقمنة، والعمل عن بُعْد حتى يتم تجنُّب الاختلاط، والحد من انتشار فيروس كورونا.
من هنا كان لزامًا التفكير جَديًّا في البحث عن طرق ووسائل جديدة لتسهيل العمل عن بُعْد، واستمراريَّة الإنتاج والحفاظ على سلامة الجميع دون إغفال العمل على تطوير مهارات العمال والمستخدمين.
هنا يطرح السؤال نفسه: كيف نُطوِّر المهارات في ظلِّ العمل عن بُعْد والاعتماد على الرقمنة؟
تعريف المهارة:
يمكن تعريف المهارة على أنَّها مجموعةٌ من المعارف، والخبرات، والقدرات الشخصيَّة التي يجب توافرها عند شخصٍ ما لكي يتمكَّن من أداء المهام في فترة زمنية مُعيَّنة، وبتكلفة معقولة.
وتلعب المهارات دورًا كبيرًا في نجاح العامل، ومَنْحه الكفايات اللازمة لأداء عمله بإتقانٍ، وبالتالي تجنُّب وقوع حوادث شغل داخل الورش نتيجة تطوير وتقوية المهارات المكتسبة، والعمل على خَلْق مهارات جديدة تُواكب التطور السريع الذي يشهده العالم.
أنواع المهارات:
تتعدَّد أنواع المهارات حسَب نوع التصنيف، إلا أنَّه في غالب الأمر هناك نوعان من المهارات:
- المهارات التخصُّصية أو العمليَّة.
- المهارات الشخصيَّة أو المتنقِّلة.
1 ـ المهارات التخصُّصية أو العمليَّة:
تُعرَّف هذه المهارات على أنها: «القدرات المكتسبة، والتي يمكن تعزيزها من خلال الممارسة والتكرار والتعليم وَفْق نموذج وبرنامج يمكن وَضْعه من أجل تسهيل تطوير المهارات المكتسبة، أو تعلُّم أخرى جديدة».
وهذا النوع من المهارات هو أكثر المتطلبات حاجةً وتقييمًا في مجالات العمل المختلفة، والتي تُسْهم بشكل كبير في نشر ثقافة السلامة المهنية داخل الورش.
مثال: قدرة الشخص على استخدام الإكسيل في جمع المعطيات حول مؤشرات السلامة داخل الورش، وهذه المهارة يمكن تطويرها وتعلُّمها من خلال الممارسة والتكرار.
2 ـ المهارات الشخصيَّة أو المتنقِّلة:
إنَّ المهارات الشخصيَّة هي التي تُعبِّر عن السِّمات الشخصية، ومهارات التعامل مع الآخرين، مع إمكانيَّة الشخص على تطوير تلك المهارات وتحسينها لخَلْق آليَّة تواصل أفضل، ويمكن تصنيف هذه المهارات إلى قسمين:
- أوَّلهما: المهارات الداخلية المتعلقة بكيفيَّة تفاعل الشخص مع غيره.
- وثانيهما: المهارات الخارجية التي تتعلَّق بكيفيَّة حديث الشخص مع الآخرين، والسيطرة على علاقته معهم.
وفي العمل تُعتَبر هذه المهارة مُكمِّلةً للمهارات العمليَّة، لكنها تتَّسم بالغموض، وصعوبة التدريب عليها؛ لأنها ترتبط بالشخص؛ كالقدرة على العمل ضمن فريق، والثقة في النفس، وإدارة الوقت، وغيرها.
مراحل تطوير المهارات:
من أجل تطوير المهارات عند العمال والمستخدمين في مجال السلامة المهنيَّة – سواء العملية منها أو الشخصية – يجب اتِّباع المراحل التالية:
1 ـ معرفة مستوى المهارات المتوافرة عند الشخص، وتقييمها بشكل جيد.
2 ـ تنظيم المهارات وَفْق معايير محددة، بحيث يَسهُل تحليلها، واستخراج الخلاصات.
3 ـ إشراك الشخص في عملية تقييم المهارات، واختيار المهارات المُزْمع تطويرها أو تعلُّمها وَفق زمنٍ وأهدافٍ محددةٍ.
4 ـ العمل على القيام بتحليلٍ ونقدٍ ذاتـيٍّ عند نهاية المدة الزمنية المحددة سابقًا.
هنا تُطرَح إشكاليَّة مهمة، وهي: كيفيَّة القيام بكل هذه المراحل، خاصة عند الاشتغال عن بُعْد؟
كيفيَّة معرفة مستوى المهارات المتوفرة:
تُعتَبر المقابلة الشخصية من بين أحسن الطرق لمعرفة المهارات المتوافرة لدى الشخص، وذلك عن طريق طرح أسئلة وَفق نموذج مُعدَّل سابقًا له أهداف محددة، وهنا قد يجد المسؤول عن هذه المقابلة صعوبات كثيرة تتمثَّل فيما يلي:
- صعوبة إجراء المقابلة مع عددٍ كبيرٍ من الأشخاص.
- عدم التأكُّد من صحة المعلومات المُقدَّمة.
- صعوبة إيجاد وقت مناسب لإجراء المقابلة.
- صعوبة إجراء تقييم المقابلة.
من هنا كان التفكير في إيجاد حلول بديلة من أجل معرفة المهارات المتوافرة والمستوى حتى نتمكَّن من وَضْع استراتيجية وبرنامج واضح لتحديد المهارات التي سيتمُّ تطويرها، أو اكتساب مهارات جديدة.
ومن بين الطرق المستعملة من أجل البحث واستخراج المعلومات نجد الاستبيان، وهذه الطريقة تعتمد بالأساس على طرح أسئلة محددة لعددٍ من الأشخاص من أجل الإجابة عنها، ثم تحليلها فيما بعد، واستخلاص النتائج.
وبالاعتماد على الرقمنة وتطور التكنولوجيا، أصبح الاستبيان متوافرًا بشكل أوتوماتيكي بحيث يمكن القيام بتحليل النتائج والمعطيات في وقتٍ وجيزٍ مهما كان عددها كبيرًا جدًّا، وهكذا يمكن لنا تحديد المهارات المتوافرة، وتقييمها بشكل ميسر وموضوعي، كما يسمح بمشاركة الشخص بطريقة مباشرة، ليبقى السؤال المطروح هو: كيفيَّة تطبيق الاستبيان من أجل تطوير المهارات في مجال السلامة المهنية؟
إنَّ التغييرات التي شهدها العالم بعد جائحة كورونا أثَّرث بشكل إيجابي على تطور الرقمنة، والاعتماد عليها بشكل كبير؛ ممَّا سهَّل طريقة إنشاء الاستبيانات، وتتبُّعها، وتحليل المعطيات بشكلٍ سريعٍ ودقيقٍ.
هذا التغيير جعل إنشاء الاستبيان أمرًا سهلًا جدًّا، بحيث يكفي أن تَلِجَ لأي محرك بحث عبر الإنترنت، وتكتب: «إنشاء استبيان بالمجان»، وستحصل على عدة مواقع لإنشاء استبيان، وهنا يمكن تقسيم المواقع إلى نوعين:
- مواقع بالمجان كليًّا مع ضمان سريَّة المعلومات؛ كـ (ميكروسوفت فورم).
- مواقع بالمجان كليًّا مع عدم ضمان سريَّة المعلومات إلا بشروط محددة؛ كموقع (أسكابوكس)، وغيره من المواقع.
كيفيَّة صياغة نموذج الأسئلة
من أهمِّ مراحل نجاح الاستبيان، نجد نوعيَّة الأسئلة المطروحة، وصياغة النموذج، ومن هنا كان لزامًا على المسؤول أن يأخذ الوقت الكافي للتفكير في الأسئلة التي يجب وَضْعها للوصول إلى الهدف المنشود، ومن أهمِّ النقاط التي يجب طرحها أثناء هذه المرحلة نجد ما يلي:
- نوعيَّة الأشخاص المستهدفين: هل هم من أهل الاختصاص في مجال السلامة المهنيَّة؟ هل لهم ارتباط بالعمل داخل الورش أو في المكتب؟ هل لديهم أيَّة مسؤوليَّة؟ وغيرها من الأسئلة المتعلقة بطبيعة العمل.
- المستوى الثقافي واللُّغوي للمستهدفين: هل يتكلَّمون ويفهمون لغة أجنبية أخرى؟ هل مستواهم جامعي أو أقل من ذلك…؟
- نوعيَّة الأسئلة التي يجب طرحها: مفتوحة، مغلقة، باختيارات…
خلاصة:
من أجل الرفع من مستوى ثقافة السلامة المهنية، كان لزامًا الرفع من مستوى مؤهلات العاملين؛ سواء داخل الورش أو المكاتب، وعلى جميع المستويات؛ سواء المديرون، أو المهندسون، أو التقنيُّون والفنيُّون، ومن هنا أصبح الاعتماد على الرقمنة ضرورةً مُلحَّةً في تسهيل عملية تقييم وتطوير المؤهلات، والاستفادة منها بشكل أكبر.