مقدمة:
في عالم يزداد فيه التوتُّر السياسي، والاضطرابات الإقليمية، بات السفر إلى مناطق النزاع أو ما يُعْرف بـ(مناطق الحرب) أمرًا يثير الكثير من التساؤلات والمخاوف، ورغم أنَّ البعض قد يختار هذه الوجهات بدافع العمل الصُّحفي، أو لأغراض إنسانيَّة، أو حتى بدافع الفضول والاستكشاف، فإنَّ التحديات المرتبطة بالسفر إلى مثل هذه المناطق لا تُشْبه أيَّ نوع آخر من أنواع السفر التقليدي، فالمخاطر لا تتعلَّق فقط بالأمن الشخصي، بل تمتدُّ إلى الجوانب الثقافية، والنفسية، والاجتماعية.
ويتطلَّب التواجد في مناطق النِّزاع وَعْيًا عميقًا، وتحلِّيًا بالحذر، إلى جانب الالتزام بمجموعة من القواعد السلوكيَّة التي قد تكون في بعض الأحيان الفرق بين السلامة والخطر، فهناك فارقٌ شاسعٌ بين أن تكون مغامرًا مُدْركًا للمخاطر، وبين أن تكون متهورًا لا يدرك حجم التهديدات المحيطة، وفي هذا المقال نستعرض مجموعةً من القواعد الأساسية،
والإرشادات العملية الَّتي تساعد أيَّ شخص على البقاء آمنًا في مناطق الحرب، ومن أهمِّها:

- التحضير المُسْبق والتخطيط:
- البحث وجمع المعلومات:احرص على جَمْع معلومات دقيقة عن الوضع الأمني في المنطقة المستهدفة، بما في ذلك المناطق الخطرة، ونقاط التفتيش، والملاجئ المتاحة.
- خطة الطوارئ:ضَعْ خطةً واضحةً للتصرف في حالات الطوارئ؛ تشمل: نقاط التجمع، ووسائل الاتصال، وخطط الإخلاء.
- التدريب الأساسي:احصل على تدريبٍ في الإسعافات الأوليَّة، والتصرف في البيئات الخطرة؛ مثل: دورات HEFAT (Hostile Environment First Aid Training).
- توافر المعدَّات الأساسية للسلامة:
- مُعدَّات الحماية الشخصية:تشمل الخوذات، والسُّترات الواقية من الرصاص لحماية الجسم من الشظايا والمقذوفات.
- أدوات الإسعافات الأوليَّة:احمل معكَ مجموعة إسعافات أوليَّة تحتوي على الضمادات، والمطهرات، والأدوية الأساسية.
- أجهزة الاتصال:استخدم هواتف تعمل بالأقمار الصناعية، أو أجهزة اتِّصال لاسلكيَّة للبقاء على اتِّصال في حال انقطاع الشبكات التقليدية.
- أدوات النجاة: تشمل مصابيح يدويَّة، وبطاريات إضافية، وأدوات متعددة الاستخدام، وصفَّارة للإنذار.
- السلوكيات والتصرفات الآمنة:
- الملابس:ارْتَدِ ملابس بسيطة ومحلية لتجنُّب جذب الانتباه غير المرغوب فيه.
- التنقُّل:تجنب اتِّباع نمط يومي ثابت؛ غيِّر طرقك، وأوقات تنقُّلاتك لتقليل المخاطر.
- التصوير:لا تُصوِّر نقاط التفتيش، أو المنشآت العسكرية، استأذن دائمًا قبل التصوير.
- التفاعل مع السكان المحليين:كُنْ محترمًا ومتعاونًا، وتجنَّب النِّقاشات السياسية الحسَّاسة.
- التعامل مع المخاطر المحتملة:
- الألغام الأرضيَّة، والذَّخائر غير المنفجرة:تجنَّب المناطق غير المأهولة، أو التي تحتوي على علامات تحذيريَّة، وفي حال الشكِّ لا تلمس أي جسم غريب.
-
- الاختطاف والاعتقال:احمل دائمًا وثائق التعريف، وكُنْ على دراية بالقوانين المحلية، وفي حال الاعتقال الْتَزِمِ الهدوء، واطلب الاتصال بسفارتكَ.
- الحرائق والانفجارات:تعرَّف على مواقع مخارج الطوارئ في أماكن الإقامة، واحتفظ بمطفأة حريق صغيرة إنْ أمكن.
- التواصل والإبلاغ:
- إبلاغ شخص موثوق:أَخْبِرْ شخصًا موثوقًا بخططك اليوميَّة، وأسماء مَنْ تنوي مقابلتهم، وتوقيت عودتكَ المتوقع.
- التسجيل في السفارة:سجِّل في سفارة بلدكَ عند الوصول لتسهيل التواصل في حالات الطوارئ.
- تحديثات الحالة:ابْقِ على اتِّصال منتظم مع جهات الاتصال الخاصة بكَ لإبلاغهم بسلامتكَ.
- تقييم المخاطر الديناميكي:
تقييم المخاطر الديناميكي (Dynamic Risk Assessment): هو عمليَّة مستمرة لتحديد وتقييم المخاطر في الوقت الفعلي، خاصةً في البيئات المتغيرة؛ مثل: مناطق النزاع، ويُعدُّ هذا التقييم أداةً حيويةً للسلامة الشخصية، حيث يساعد الأفراد على التكيُّف مع التهديدات المتغيرة، واتِّخاذ قرارات سريعة للحفاظ على سلامتهم.
قبل وأثناء التواجد في مناطق النزاع، من الضروري إجراء تقييمٍ مستمرٍّ للمخاطر، يشمل ذلك: مراقبة البيئة المحيطة، وتحديد التهديدات المحتملة، واتِّخاذ قرارات سريعة لتجنب المخاطر. والتقييمُ الديناميكيُّ يساعد في التكيف مع التغيرات المفاجئة في الوضع الأمني، وتنفيذ الإجراءات، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع الخطر؛ مثل: تغيير المسار، أو استخدام معدات الحماية.
والمراجعة والتعلُّم؛ حيث إنَّه بعد التعامل مع الموقف، تتمُّ مراجعة ما حدث، والتعلُّم منه لتحسين استجابتك في المستقبل.
- فَهْم الجغرافيا المحلية:
التعرُّف على المناطق الآمنة، ونقاط التفتيش، والملاجئ المحتملة يمكن أن يكون حاسمًا في حالات الطوارئ، واستخدام الخرائط المحلية، والتطبيقات المخصصة، والاستعانة بالسكان المحليين يمكن أن يُوفِّر معلومات قيِّمة، كما أن التعاون مع المنظمات المحلية، والمرشدين، والسكان يمكن أن يُوفِّر معلومات دقيقة ومحدثة عن الوضع الأمني، والمناطق الآمنة، وطرق الإخلاء.
- الاستمرار في التعلُّم والتدريب:
من خلال الالتزام بالتعلُّم المستمر والتدريب المنتظم، يمكن للأفراد تعزيز قدرتهم على التعامل مع التحديات في مناطق النزاع؛ ممَّا يُسْهم في حماية أنفسهم والآخرين من المخاطر المحتملة، ويتمُّ ذلك عن طريق:
-
- المشاركة في دورات تدريبيَّة متخصصة في السلامة في مناطق النزاع، والإسعافات الأولية، وإدارة الأزمات يُعزِّز من الاستعداد والقدرة على التعامل مع المواقف الصعبة.
- تعزيز الوعي بالمخاطر: يساعد التعلُّم المستمر على فَهْم التهديدات المحتملة؛ ممَّا يُمكِّن الأفراد من اتخاذ إجراءات وقائية فعَّالة.
- تطوير المهارات العملية: من خلال التدريب، يكتسب الأفراد مهارات؛ مثل: الإسعافات الأولية، والتصرُّف في حالات الطوارئ؛ ممَّا يزيد من فرص النجاة في المواقف الحرجة.
- التكيف مع التغيرات: تُعدُّ القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة في مناطق النزاع أمرًا ضروريًّا، ويأتي ذلك من خلال التعلُّم المستمر، والتدريب المنتظم.
إجراءات وقائيَّة للحدِّ من انتشار الأمراض في مناطق النزاع:
- توفير المياه النظيفة، ومرافق الصرف الصحي:
- تنقية المياه: استخدام أقراص الكلور، أو الفلاتر المحمولة لتنقية مياه الشرب.
- تحسين الصَّرف الصحي: إنشاء مرافق صرف صحي مؤقتة وآمنة للحدِّ من التلوث.
- تعزيز ممارسات النظافة الشخصية:
- التوعية: تنظيم حملات توعية حول أهميَّة غسل اليدين، والنظافة الشخصيَّة.
- توزيع المستلزمات: توفير الصابون، والمعقمات، ومستلزمات النظافة الأساسية للنازحين.
- إدارة النُّفايات الصُّلبة:
- جمع النفايات: تنظيم حملات لجمع النُّفايات بانتظام للحدِّ من انتشار الأمراض.
- التخلُّص الآمن: إنشاء مكبَّات نُفَايات مؤقتة بعيدة عن مناطق السكن.
- تعزيز الرعاية الصحية الأولية:
- العيادات المتنقلة: نشر عيادات متنقِّلة لتقديم الخدمات الصحية الأساسية.
- التطعيمات: تنفيذ حملات تطعيم للوقاية من الأمراض المُعْدية.
- الدعم النفسي والاجتماعي:
- خدمات الدعم: توفير خدمات الدعم النفسي للمتضررين من النزاع.
- الأنشطة المجتمعية: تنظيم أنشطة ترفيهيَّة للأطفال لتخفيف التوتر والضغوط النفسية.
الخاتمة:
إنَّ البقاء بأمانٍ في مناطق الحروب والنزاعات يتطلَّب وَعْيًا مستمرًّا، واستعدادًا جيدًا، والتزامًا صارمًا بالإجراءات الوقائيَّة. ومن خلال تقييم المخاطر الديناميكي، وتجهيز حقيبة الطوارئ، والاستمرار في التعلُّم والتدريب، يمكن للأفراد تعزيز قدرتهم على التكيف مع التحديات المتغيرة، واتخاذ قرارات صائبة في الوقت المناسب.
إنَّ فَهْم طبيعة الحياة في منطقة نزاع يتطلَّب أكثر من مجرَّد متابعة الأخبار، فهو يستدعي أن تتبنَّى سلوكيات مناسبة، وأن تتصرَّف بتواضع واحترام، وأن تضع سلامتك وسلامة مَنْ حولك على رأس أولوياتك، كما ينبغي أن تكون مستعدًّا للتعامل مع تغيرات سريعة في الأوضاع الأمنيَّة، وأن تكون لديك خطة بديلة في كل لحظة.
ختامًا، يُنْصح بالاستمرار في متابعة المستجدَّات الأمنية، والتواصل مع الجهات المختصة، والمشاركة في البَرامج التدريبية المتخصصة، فالاستثمار في السلامة الشخصية هو استثمار في الحياة نفسها، ويُعدُّ الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا.