محتويات علمية

السلامة في عمليات التقطير الكيميائي: كيف نحمي العامل من الانفجار غير المرئي؟

في عالم الصناعات الكيماوية، تُعد عمليات التقطير (Distillation) من أكثر التقنيات شيوعًا واستخدامًا لفصل المركّبات وتنقيتها. لكن خلف تلك الأبراج اللامعة والمفاعلات الزجاجية أو الفولاذية، تختبئ شبكة من المخاطر الدقيقة والمعقّدة، تبدأ من ارتفاع الضغط ودرجات الحرارة، ولا تنتهي عند احتمال الانفجار أو التسمم. في هذه البيئات، لا يُقاس الخطر دائمًا بالحجم أو الصوت، بل أحيانًا بكثافة بخار، أو تسرّب خفي داخل وصلة معدنية.

ما هي عمليات التقطير ولماذا هي خطيرة؟

تقوم فكرة التقطير على فصل المواد الكيميائية بناءً على اختلاف درجات غليانها. قد تكون العملية بسيطة في المختبر، لكنها في الصناعة تعتمد على:

  • أعمدة تقطير ضخمة بضغط وحرارة مرتفعين.
  • مذيبات عضوية سريعة الاشتعال.
  • أجهزة تحكم حراري ومعايرة دقيقة.
  • أنابيب ناقلة ومكثفات تعمل بكفاءة عالية.

أي خلل بسيط في التهوية أو في عزل المواد قد يؤدي إلى تكون مزيج متفجر، أو إطلاق غازات سامة غير مرئية.

أبرز المخاطر في بيئة التقطير

  1. الضغط الداخلي غير المنضبط

فشل صمام أمان أو انسداد مسار بخار قد يؤدي لانفجار حراري شديد، خاصة مع السوائل سريعة الاشتعال مثل الإيثانول أو الأثير.

  1. التفاعلات غير المتوقعة

بعض المواد تتفاعل مع الحرارة أو الضوء، وقد يتحوّل مركب آمن إلى مادة متفجرة إذا تجاوز درجة غليانه دون مراقبة دقيقة.

  1. خطر التسمم البخاري

تسرّب بخار مادة مثل البنزين أو الكلوروفورم داخل غرفة مغلقة قد لا يُلاحظ بسهولة، لكنه يسبب تسممًا عصبيًا حادًا للعاملين.

  1. الجهل بخصائص المذيب

استخدام مذيب منخفض درجة الوميض (Flash Point) بدون معدات مضادة للانفجار، يعني أن مجرد شرارة ساكنة كافية لإشعال الحجرة بالكامل.

حادثة واقعية – معمل بريطاني 2021

في إحدى الجامعات البريطانية، وخلال تجربة تقطير لمادة عضوية متطايرة، حدث انفجار داخل عمود التقطير الزجاجي أدى إلى إصابة اثنين من الطلاب بحروق في الوجه واليدين. تبين لاحقًا أن النظام لم يكن مزودًا بصمام إطلاق ضغط، كما أن الطالب لم يكن يرتدي درع الوجه الواقية. الحادثة أكدت أن أخطر ما في المختبر ليس المواد، بل إهمال التفاصيل.

كيف نُقلّل المخاطر؟

التقييم المسبق للمادة:

  • مراجعة درجة الغليان، وقابلية الاشتعال، والسُمية.
  • تصنيف المادة حسب نظام GHS العالمي.

تجهيزات السلامة الفنية:

  • استخدام مكثفات مقاومة للضغط، وصمامات أمان مزدوجة.
  • تركيب حساسات بخار غازية (Vapor Detectors) داخل المختبر.
  • تأريض جميع الأجهزة لتفادي الشرارات الكهروستاتيكية.

إجراءات تشغيل آمنة:

  • عدم ترك عملية التقطير دون مراقبة مستمرة.
  • منع تشغيل أي أجهزة كهربائية غير مقاومة للانفجار بجوار النظام.
  • التأكد من وجود مخرج طوارئ مفتوح ومسارات إخلاء غير معطّلة.

ممارسات توعوية واجبة

تدريب دوري للمشغلين على تقييم المخاطر، وارتداء معدات الحماية المناسبة، ومعرفة الإسعافات الأولية في حال التسمم أو الحروق الكيميائية.

استخدام دليل تشغيل مرئي في كل وحدة تقطير، يوضح خطوات التشغيل والإيقاف في الحالات الطارئة.

تقارير أسبوعية للصيانة الوقائية، تشمل فحص العوازل، والأنابيب، وأجهزة التهوية.

معايير عالمية يجب الالتزام بها

  • NFPA 30معيار السلامة لتخزين السوائل القابلة للاشتعال.
  • OSHA 1910.11لإدارة السلامة في العمليات الكيميائية الخطرة.
  • ISO 45001لأنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية.
  • NFPA 30معيار السلامة لتخزين السوائل القابلة للاشتعال.
  •  OSHA 1910.119لإدارة السلامة في العمليات الكيميائية الخطرة.
  • ISO 45001لأنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية.
  • IECEx\ ATEXلاعتماد المعدات والأجهزة المستخدمة في المناطق القابلة للانفجار، لضمان توافقها مع متطلبات السلامة الكهربائية والميكانيكية.

في عالم التقطير الكيميائي، لا تكون الخطورة دائمًا واضحة. بل تكمن في ما لا يُرى: الضغط المتصاعد بصمت، الغاز المتسرّب بلا رائحة، أو قرار التشغيل دون مراجعة دقيقة. والمطلوب ليس فقط التحكّم بالمعدات، بل إعادة هندسة الثقافة داخل كل منشأة: أن تكون السلامة أولوية لا إجراء، وأن يتحوّل كل عامل إلى مستشعر بشري للخطر قبل أن يتحول إلى ضحية.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *