مقدمة:
في عالمنا اليوم، تتطوَّر التكنولوجيا بسرعة تَفُوقُ توقعاتنا، ومن بين أكثر هذه التقنيات تطورًا، يَبْرز الذكاء الاصطناعي كعامل محوري في الكثير من التطبيقات التي نستخدمها يوميًّا، بدءًا من التطبيقات الصحية والتعليمية، وصولًا إلى أنظمة المراقبة والأمن، لكن مع هذه المَزايا، تظهر تحديات جديدة؛ من أبرزها: المراقبة الذكيَّة، وتأثيرها المباشر على سلامتنا، ولم تَعُد المراقبة تقتصر على الكاميرات التقليدية، أو أجهزة التتبُّع الواضحة، فاليوم يتمُّ استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور، والتعرُّف على الوجوه، وتتبُّع الأنشطة، وحتى التنبُّؤ بالسلوك،
وهنا، يصبح السؤال مُهمًّا:
كيف يمكننا حماية أنفسنا وعائلاتنا من هذه المراقبة المتقدِّمة؟ وكيف نضمن أن تظلَّ سلامتنا الرقمية والواقعية محفوظة؟

أولًا: ما المراقبة الذكيَّة؟
المراقبة الذكية هي استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة الأفراد، وتحليل سُلُوكهم، واتِّخاذ قرارات بناءً على البيانات التي تُجْمع في الوقت الفعلي، ومن بين أبرز أدواتها:
- كاميرات ذكيَّة قادرة على التعرُّف على الوجوه والحشود.
- أنظمة تحليل صوت وصورة.
- خوارزميات تنبُّؤية تتعرَّف على الأنماط السلوكية.
- أدوات تتبُّع تعتمد على الهواتف والموقع الجغرافي.
ثانيًا: علاقة المراقبة الذكية بالسلامة:
- السلامة الوقائيَّة:
الوجه الإيجابي للمراقبة الذكيَّة يظهر في قدرتها على:
- مَنْع الجريمة قبل وقوعها من خلال التنبُّؤ بسلوكيات مشبوهة.
- رَصْد الكوارث والمخاطر؛مثل: الحوادث المرورية، أو التجمهر غير الطبيعي.
- تسريع الاستجابة للطوارئ عند كشف سلوك غير اعتياديٍّ.
وهذا يُسْهم في تعزيز السلامة العامة بشكل مباشر.
- السلامة النفسية والاجتماعية:
الوجود الدائم للمراقبة يمكن أن يؤدِّي إلى:
- توتر دائم،وشعور بأنك مراقبٌ طوال الوقت؛ ممَّا يؤثر على الراحة النفسية.
- تقييد حريَّة التعبير والسلوك العفوي، وهو ما قد يَخْلق بيئةًاجتماعية خانقة.
وهذا يُهدِّد السلامة النفسية التي تُعدُّ جزءًا لا يتجزَّأ من سلامة الإنسان الشاملة.
- السلامة الرقمية،وخصوصية البيانات:
أنظمة المراقبة الذكيَّة تجمع بيانات حسَّاسة، تشمل:
- تحرُّكات الأفراد.
- تفضيلاتهم وسلوكهم على الإنترنت.
- ملامح الوجه والصوت.
بدون أنظمة حماية صارمة، قد تتعرَّض هذه البيانات لـ:
- الاختراق من قِبَلِجهات خبيثة.
- الاستخدام لأغراض تسويقية أو سياسية دون موافقة.
- التسريب أو التداول التجاري.
إذًا، السلامة الرقميَّة مُهدَّدة بشدَّة إذا لم تكن هناك بنية تشريعية تحمي هذه البيانات.
- السلامة العائلية والطفولية:
في المنازل والمدارس، يُسْتخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة الأطفال تحت شعار الحماية، لكن المبالغة في ذلك قد:
- تؤثر على الثقة بالنفس،والاستقلالية لدى الطفل.
- تُسْتخدم بطريقة تمييزية أو قمعية في التقييم التربوي أو السلوكي.
حماية الأسرة لا تقتصر على الأمان الجسدي، بل تشمل الخصوصية، والبيئة الصحية للنمو النفسي.
ثالثًا: المراقبة الذكيَّة في الوطن العربي – واقع معقَّد بين التحديث والسيطرة:
- أمثلة على تطبيقات المراقبة الذكيَّة في الوطن العربي:
- السعودية:
- كاميرات ذكيَّة لإدارة الحشود في مكة والمدينة.
- أنظمة مراقبة متقدمة في مشروع (نيوم).
- الإمارات:
- أنظمة مثل:(عيون) في دبي لتحليل سلوك الأفراد، وربط البيانات المرورية بالأمنية.
- مصر:
- توسيع استخدام الكاميرات الذكيَّة في القاهرة.
- مراقبة الحشود في محطات المترو،والميادين العامَّة.
- دول المغرب العربي:
- استخدام تقنيات تحليل التنقُّل والمراقبة الحضرية تدريجيًّا غالبًا بالتعاون مع شركات أجنبيَّة.
- الأهداف الرسمية:
- منع الجرائم،وتحسين الأمن العام.
- إدارة المرور والحشود.
- تعزيز خدمات المدن الذكيَّة.
لكن الواقع يكشف أيضًا عن توجُّه بعض الأنظمة نحو الاستخدام السياسي أو الأمني المكثَّف لهذه التقنيات.
- التحديات القائمة:
-
- غياب الشَّفافية حول آليَّة الاستخدام،وحوكمة البيانات.
- ضَعْف قوانين حماية الخصوصية أو انعدامها.
- الاعتماد على شركات أجنبية قد يُعرِّض السيادة الرقمية للخطر.
- الأثر المجتمعي:
- من جهةٍ، رفع كفاءة الأمن والاستجابة للطوارئ.
- من جهةٍأخرى، تقييد الحريات الشخصية، وخَلْق بيئة مراقبة قد تؤدِّي إلى الخوف أو الرقابة الذاتية.
رابعًا: كيف نحمي سلامتنا من الاستخدام غير الآمن للمراقبة الذكيَّة؟
على المستوى الفردي:
- استخدام أدوات الحماية؛مثل: (VPN) Virtual Private Network الشبكة الخاصَّة الافتراضية.
- ضبط صلاحيات الأجهزة الذكيَّة.
- تثقيف النفس حول الحقوق الرقمية.
على المستوى العائلي:
- توعية الأطفال بأساسيات الخصوصية الرقمية.
- الرقابة الذكية دون فرض سيطرة مُفْرطة.
على المستوى المجتمعي:
- المطالبة بتشريعات واضحة وشاملة.
- دعم المبادرات الحقوقية والتقنية لحماية الخصوصية.
- تعزيز الحوار المجتمعي حول توازن الأمن والحرية.
الخاتمة:
في عصرٍ تتسارع فيه التحوُّلات الرقمية بشكل غير مسبوق، أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا أساسيًّا في بنية المجتمعات الحديثة، ومن أبرز مجالات تطبيقه في العالم العربي تأتـي أنظمة المراقبة الذكيَّة التي وُضِعَتْ تحت مظلَّة: (التحوُّل الرقمي)، و(المدن الذكيَّة)، و(تعزيز الأمن)، لكنها سرعان ما أثارت جدلًا واسعًا حول حدود استخدامها، وأثرها على سلامة الإنسان الشاملة، وفي الوقت الذي يمكن فيه للمراقبة الذكيَّة أن تُسْهم في تقليل الجرائم، وتحسين إدارة الأزمات والكوارث، إلا أنَّ الاعتماد المُفْرط عليها دون وجود ضوابط قانونيَّة ومجتمعيَّة صارمة قد يؤدِّي إلى مجتمع لا يشعر أفرادُهُ بالحرية أو الأمان النفسي؛ ممَّا يُحوِّل هذه الأدوات من وسيلة حماية إلى آليَّة للسيطرة، فالتكنولوجيا يجب أن تكون خادمًا للإنسان، لا رقيبًا عليه،
وعندما يكون الإنسان في قلب عمليَّة التطوير، فإننا لا نحميه فقط من المخاطر، بل نمنحُهُ مساحةً آمنةً للنمو، والتعبير، والعيش بحرية وكرامة.