باب السلامة والاستدامة
صناعات إعادة التدوير من أجل الاستدامة ومعايير تطبيق السلامة
تُعدُّ إعادة تدوير القمامة (الصناعية والمنزلية) إحدى أهم أشكال السلامة والاستدامة، والتي تعتمدها الآن الكثير من البيئات الصناعية لتحقيق نموٍّ جديدٍ في مجال السلامة والصحة المهنية، وتحقيق تنافسيَّة في جودة بيئة العمل؛ ممَّا يُحسِّن من سُمْعة تلك الشركات والمؤسسات، وخاصة الصناعية منها، كما أنها مفيدة بشكلٍ عامٍّ للبيئة، وهي اتجاهٌ مهمٌّ ومسارٌ أساسيٌّ لكل الدول، ومطالبة دولية وإقليمية؛ حيث تقلل إجهاد البيئة لامتصاص كل تلك النُّفايات والمُخلَّفات (صُلْبة كانت، أو سائلة، أو غازية)، ومن هذا المنطلق بدأت صناعة إعادة التدوير تفتح أبوابها كمجالٍ مُضَافٍ للمجالات الصناعية، وظهرت مصانع تقوم أنشطتها على جَمْع القمامة، وفَصْلها، وإعادة تدويرها مرةً أخرى لتخرج في صورة مواد خام جديدة، أو منتجات أرخص ثمنًا، أو حتى أقل في الجودة، ولكنها لها زبائن شائعون، وأسواق رائجة؛ ممَّا ظهر معه تقييم جديد لبيئات العمل ومخاطرها تمَّ إضافته على عمل رجال السلامة والصحة المهنية، وَوَضعه في الاعتبار أثناء عمل خُطَط السلامة في مُؤسَّستهم.
ومن هذا المنطلق كان لابد من دراسة مخاطر تلك الصناعة لتضع لها لوائح خاصة، وقوانين تحكم السلامة والصحة المهنية، وتأمين بيئة العمل بها؛ حيث وجدت منظمة (OSHA) أن هذه الصناعة قد تكون خَطِرةً على العاملين في شركات إعادة تدوير القمامة، ومن بين المخاطر التي يتعرَّض لها العمال ما يلي، وهي مخاطر متعاظمة لا توفر سلامة مهنية، ولا تحافظ على صحة العالمين:
- التعرُّض للمواد الخطرة.
- والإصابات المرتبطة بتشغيل المُعدَّات والآلات الثقيلة.
ومن هذا المنطلق تضع إدارة السلامة والصحة المهنية اللوائح التي تنطبق على جميع الصناعات، بما في ذلك عمليات شركة إعادة تدوير القمامة، لنجد أنَّ اللوائح العامة (OSHA) لوائح واسعة النطاق تغطي العديد من الجوانب العامة لمكان العمل؛ مثل: (المخارج، والتهوية، والمُعدَّات الكهربائية، والوقاية من الحرائق، وتدريب الموظفين، والتواصل بشأن المخاطر).
توجد هذه اللوائح في قانون اللَّوائح الفيدرالية الجزء (1910)، وتنطبق على جميع فئات أصحاب العمل، ولكن لا تضع إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) لائحةً محددةً لصناعة إعادة تدوير القمامة؛ ومع ذلك فإنَّ إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) تتعرَّف على مجالين مُحدَّدين لإعادة تدوير القمامة يُشكِّلان أخطارًا على العمال –جمع القمامة والمواد الخطرة– ومن ثَمَّ تبدأ الادارة الخاصة بالسلامة والصحة المهنية التعامل معهما بشكلٍ مباشرٍ على النحو التالي:
أولًا: جَمْع القمامة:
وفقًا لـ (OSHA)، يُعدُّ جَمْع القمامة أحد أخطر الوظائف في صناعة إعادة التدوير، ولدعم هذا الرأي تستشهد إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) بإحصائيات من عام 2008، تُظْهر أن معدل الوفيات للعاملين في صناعة إدارة النُّفايات كان أعلى خمس مرات من معدل جميع الصناعات، وتحدث وفيات العمال بسبب اصطدامها بمَرْكبات قادمة، والسَّحْق بواسطة شاحنات القمامة التي يتمُّ تحميلها من الخلف، وعلى ذلك اعتبرت وحدة السلامة والصحة المهنية أن هذا العمل يُضَاف إلى أعمال خط النار fire line hazards
ولتجنُّب هذه المخاطر، تُوصي إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) أصحاب العمل بتنفيذ برنامجٍ تدريبيٍّ لتوعية العمال بالمخاطر المحتملة التي تُشكِّلها شاحنات القمامة التي يتمُّ تحميلها من الخلف؛ حيث يجب أن يشمل التدريب الاستخدام السليم لأجهزة التثبيت عند تفريغ حاويات القمامة في شاحنة القمامة؛ مُطَالبةً السائقين بتشغيل صافرات الإنذار أثناء الحركة في مواقع القمامة، وكذلك الحمل السليم للحاويات، وطرق تفريغها.
ثانيًا: المواد الخطرة:
من المعروف أنَّ جهود رجال السلامة والصحة المهنية في أي بيئة عملٍ تتضافر لمنع الحادث قبل وقوعه، ولعلَّ من أهمِّ مُسبِّبات الحوادث هي المواد الخطرة (حملًا، وتداولًا، وتخزينًا)، ويتمثَّل أحد أهداف إعادة تدوير النُّفايات في حماية البيئة عن طريق مَنْع المواد الكيميائية الخطرة الموجودة في أشياء؛ مثل: (البطاريات، والإلكترونيات الاستهلاكية، والأجهزة المنزلية) من التسلُّل إلى البيئة، ومع ذلك يواجه العاملون في شركات إعادة تدوير القمامة مشاكل صحية محتملة من التعرُّض لهذه المواد الكيميائية الخطرة، على سبيل المثال: يؤدِّي إعادة تدوير الخردة المعدنية إلى تعريض العمال للمواد الكيميائية الخطرة من خلال العمليات الساخنة (اللحام والقطع والصَّهْر) التي تُنْتج أبخرةً ضارةً، وتتطلَّب معايير (OSHA) تهوية مناسبة لأماكن العمل حيث تحدث هذه الأنشطة، أو أن يتمَّ تزويد العمال بمُعدَّات الحماية الشخصيَّة المناسبة؛ مثل: أجهزة التنفُّس الصناعي، وأقنعة الوجه؛ ممَّا يُضيف جزءًا جديدًا (ماديًّا وبشريًّا) لأعمال إدارة السلامة.
وهناك مخاطر من الآلات أيضًا (آلات منشأة إعادة التدوير):
حيث يتمُّ استخدام الآلات والمُعدَّات الثقيلة؛ مثل: الرافعات الشوكية، والضاغطات، وحاويات ميكانيكية ضخمة في مرافق إعادة التدوير؛ ممَّا يتطلَّب معه وجود تجهيزاتٍ لتأمين بيئة العمل أثناء تلك الأعمال، وتوفير مراقبين من قِبَلِ إدارة السلامة والصحة المهنية.
تُعتَبر (OSHA) أنَّ هذه العناصر قد تكون خَطِرةً على العمال بسبب الإصابات الخطيرة والوفيات التي تمَّ الإبلاغ عنها أثناء الاستخدام.
ويمكن أن تحدث حالات الوفاة الناتجة عن التكسير عندما يتمُّ تشغيل الآلات عن غير قصدٍ أثناء قيام العامل بإزالة ازدحام القمامة، وعندما يتمُّ تكديس منصَّات من المواد القابلة لإعادة التدوير بشكلٍ غير صحيحٍ، وسقوطها، وهذا من صميم عمل إدارة السلامة التي لابد وأن تراقب عن كَثَبٍ الأعمال، والتحرُّك، وتَمركُز العاملين.
جاء ما سبق جميعًا لجَعْل بيئة العمل مُحقِّقةً للسلامة والصحة المهنية، وكذلك نظيفة وخالية من الملوثات والانبعاثات التي تأتي من النُّفايات والمُخلَّفات، وإليكم هذه الإحصائيات المهمة:
إعادة تدوير الخردة المعدنية:
- إعادة تدوير الخردة المعدنيَّة، وتُسمَّى أيضًا: المعالجة الثانوية للمعادن، وهي صناعة كبيرة تعالج في الولايات المتحدة وحدها (56 مليون طن) من خردة الحديد والصلب (بما في ذلك 10 ملايين طن من السيارات الخردة)، و(1.5 مليون طن) من خردة النحاس، و(2.5 مليون طن) من خردة الألومنيوم، و(1.3 مليون طن) من خردة الرصاص، و(300 ألف طن) من خردة الزنك، و(800 ألف طن) من خردة الفولاذ المقاوم للصدأ، وكميات أقل من المعادن الأخرى، على أساسٍ سنويٍّ.
ويتمُّ توظيف العديد من العمال في صناعات إعادة تدوير الخردة المعدنية. وقد استخدمت صناعات إعادة التدوير غير الحديدية الخاصة في الولايات المتحدة ما يقرب من (16000 موظف) في عام 2001، وأبلغت صناعات إعادة التدوير غير الحديدية عمَّا يَقْرُب من (3000 إصابة ومرض), وكانت الأسباب الأكثر شيوعًا للمرض هي التسمُّم (مثل: التسمُّم بالرصاص أو الكادميوم)، والاضطرابات المرتبطة بالصدمات المتكررة، والأمراض أو الاضطرابات الجلدية، وأمراض الجهاز التنفسي بسبب استنشاق عوامل سامَّة، أو مُلَامستها الأخرى، ومن بين تلك الإصابات والأمراض، كانت (701 حالة) تخلو من العمل أيامًا، وكانت الأحداث أو حالات التعرُّض الأكثر شيوعًا الَّتي أدَّت إلى هذه الحالات هي الاتصال بجسمٍ أو قطعةٍ من المُعدَّات، أو التعرُّض لمادَّة ضارَّة، وكانت أكثر أنواع هذه الإصابات شيوعًا هي الالتواءات والإجهاد، وحروق حرارية، والجروح والتمزُّقات والنُّدوب.
لذلك، فإنَّ الاهتمام بمعايير السلامة أحد أهم أركان عمليات إعادة التدوير حتى تُؤْتِي تلك العملية ثمارها البيئية والمهنية في سلامٍ، مُحقِّقة السلامة والاستدامة.