مُقدِّمة:
تُعْتبر الإشعاعات النوويَّة من المخاطر غير المرئية التي قد تواجه الإنسان في حالات الطوارئ، خاصةً عند حدوث تصعيد عسكريٍّ، أو حوادث في المنشآت النوويَّة، وتتنوَّع طرق التعرُّض لهذه الإشعاعات بين التعرُّض الخارجي من المصادر المُشعَّة، أو التعرُّض الداخلي عَبْر استنشاق أو ابتلاع المواد المُشعَّة؛ ممَّا يجعل فَهْم هذه الأنواع، وطرق التعرُّض أمرًا ضروريًّا للحماية والسلامة. وفـي ظلِّ الظروف التي قد تؤدِّي إلى تسريب الإشعاعات، يصبح من المُهِمِّ جدًّا معرفة كيفيَّة الوقاية والحماية الشخصيَّة لتقليل المخاطر الصحية والبيئية المرتبطة بهذه الظاهرة.
و الإشعاعات النوويَّة تصدر عن مواد تحتوي على ذرَّات غير مستقرَّة تنبعث منها جُسَيمات أو موجات كهرومغناطيسية ذات طاقة عالية، وتُعدُّ الإشعاعات النوويَّة من أخطر أنواع الإشعاعات بسبب قدرتها على إحداث تغييرات في التَّركيب الجزيئي للمادة، بما في ذلك الأنسجة الحيَّة.

ويعتمد خطر الإشعاع على عدَّة عوامل؛ منها:
(نوع الإشعاع، ومقدار الجرعة، ومدة التعرُّض)، ويمكن للإشعاعات النووية أن تتسبَّب في تلف الخلايا البشرية؛ ممَّا يؤدي إلى أمراض خطيرة؛ مثل: السرطان، والتشوُّهات الجينيَّة، كما أنها تُشكِّل تهديدًا بيئيًّا على المدى الطويل، ولتجنُّب هذه المخاطر، يجب اتِّباع إجراءات سلامة دقيقة؛ مثل: ارتداء الملابس الواقية، واستخدام أجهزة قياس الإشعاع، والابتعاد عن مصادر الإشعاع كلَّما أمكن.
أنواع الإشعاعات النوويَّة:
- إشعاعات ألفا (α): تتكوَّن من نوى الهيليوم، وتُعْتبر من أخطر أنواع الإشعاعات عند الاستنشاق أو الابتلاع، لكنها ضعيفة الاختراق للجلد.
- إشعاعات بيتا (β): أقل خطورةً من إشعاعات ألفا، لكنها قادرة على اختراق الجلد لعدَّة مليمترات.
- إشعاعات جاما (γ): أشعَّة كهرومغناطيسية ذات طاقة عالية، وتُعْتبر من أخطر أنواع الإشعاعات؛ لأنها قادرة على اختراق الأنسجة العميقة للجسم.
- النيوترونات: جُسَيمات غير مشحونة، قادرة على اختراق الأنسجة بشكلٍ عميقٍ، وتُسبِّب تلفًا كبيرًا للخلايا.
طرق التعرُّض للإشعاعات النوويَّة:
- التعرُّض الخارجي: يحدث عندما يتعرَّض الشخص لمصادر إشعاع خارجية؛ مثل: أشعَّة غاما، أو بيتا، التي يمكن أن تخترق الجلد.
- التعرُّض الداخلي: يحدث نتيجة استنشاق أو ابتلاع المواد المُشعَّة، أو امتصاصها من خلال الجروح؛ مثل: المواد المُشعَّة (ألفا) التي تكون خطيرةً جدًّا إذا دخلت الجسم.
- التعرُّض المهني: العاملون في الصناعة النوويَّة والمختبرات الطبيَّة والإشعاعيَّة قد يتعرَّضون لمستويات إشعاعيَّة أعلى من غيرهم.
- الحوادث النووية: مثل انفجارات المفاعلات النوويَّة (تشيرنوبيل، وفوكوشيما)، أو تفجيرات نوويَّة.
مخاطر الإشعاعات النوويَّة:
- التسمم الإشعاعي الحاد: يحدث نتيجة التعرُّض لمستويات عالية من الإشعاع خلال فترة قصيرة، ويؤدِّي إلى أعراض؛ مثل: الغثيان، والتقيؤ، والتعب، وفقدان الشعر، وقد يُسبِّب الموت في الحالات الحادَّة.
- السرطان: تعرُّض الجسم لجرعات منخفضة من الإشعاعات لفترات طويلة يزيد من خطر الإصابة بأنواعٍ مُعيَّنة من السرطان؛ مثل: سرطان الجلد، وسرطان الغدة الدرقيَّة.
- المخاطرالوراثيَّة: يمكن أن يؤدِّي التعرُّض للإشعاع إلى تغييرات في الحمض النووي تُؤثِّر على سلامة الأجيال المستقبليَّة؛ ممَّا يؤدِّي إلى زيادة احتمال التشوُّهات الخلقيَّة.
- التأثيرات البيئية: الإشعاعات النوويَّة قد تؤدِّي إلى تلوث البيئة؛ ممَّا يؤثر على سلامة الحياة النباتية والحيوانية.
إجراءات السلامة من الإشعاعات النوويَّة:
في ظلِّ تصاعد التهديدات النوويَّة على المستوى العالمي والإقليمي، من الضروري أن يتَّخذ الأفراد والحكومات إجراءات صارمة للسلامة من الإشعاعات النوويَّة لتجنُّب المخاطر، فالإشعاعاتُ النوويَّةُ يمكن أن تكون قاتلةً، ويمكن أن تُسبِّب أضرارًا طويلة الأمد على سلامة الإنسان والبيئة.
بعض إجراءات السلامة الوقائيَّة لتجنُّب مخاطر التعرُّض للإشعاعات النووية:
البقاء في أماكن مغلقة (Shelter-in-Place):
- عند حدوث انفجار نوويٍّ، أو تسريب إشعاعيٍّ، يعتبر البقاء داخل المنزل أو المباني المغلقة من أُولَى الخطوات المهمَّة، فالمبانـي تُوفِّر حمايةً من الإشعاعات؛ لأنها تَعُوق انتشارها، ويُفضَّل اللجوء إلى الأدوار السفلية، أو الملاجئ المحميَّة تحت الأرض لتقليل التعرُّض.
- امكث في غرفةٍ بلا نوافذ، أو أبواب خارجية، وأَغْلِقِ النوافذ، وأنظمة التهوية داخل المنزل (أجهزة التكييف أو التدفئة).
- تتمثَّل مبادئ الحماية الثلاثة فـي (الاحتماء، والبقاء في الداخل، والاستماع لتلقِّي التعليمات).
- احْرِصْ دَوْمًا على اتِّباع إرشادات السلامة الصادرة عن السُّلطات المحليَّة والوطنيَّة.
البقاء بعيدًا عن مصادر الإشعاع:
- زيادة المسافة بين الشخص ومصدر الإشعاع يُقلِّل بشكل كبير من الخطر، ويُنْصح بالتواجد على بُعْد مئات الكيلومترات من مناطق الانفجار، أو التسريب النووي إذا كان ذلك ممكنًا.
الوقت، المسافة، والحماية:
- تقليل الوقت: تقليل الوقت الذي يقضيه الأفراد في المناطق الَّتي تحتوي على إشعاع.
- زيادة المسافة: كلما زادت المسافة بين الشخص والمصدر المُشعِّ، قلَّ مستوى التعرُّض.
- استخدام أدوات السلامة: ارتداء الملابس الواقية، واستخدام الحواجز الرصاصية أو المواد الحاجزة لامتصاص الإشعاعات.
الوقاية الشخصيَّة:
- ارتداء أدوات السلامة الشخصيَّة من ملابس واقية، ونظارات وقائيَّة، والأقنعة الخاصَّة عند العمل في مناطق تحتوي على إشعاعات.
- استخدام أقنعة للتنفُّس في البيئات المُشعَّة لمَنْع استنشاق المواد الخطرة.
- تجنُّب التلامس المباشر مع المواد المُشعَّة، والتأكُّد من تطهير المناطق المُلوَّثة.
أجهزة الكشف عن الإشعاع:
- استخدام أجهزة قياس الإشعاع؛ مثل: عدادات غايغر (Geiger Counters)؛ للكشف عن مستويات الإشعاع، والتأكُّد من وجودها ضمن الحدود ومعايير السلامة الآمنة.
الإخلاء والتطهير:
- في حالة حدوث تسريب إشعاعي، يَنْبغي تنفيذ خطط إخلاء سريعة لتقليل التعرُّض.
- يجب على السلطات القيام بعمليات تطهير للأفراد والمناطق المتأثرة بالإشعاع لتقليل انتشار المواد المُشعَّة.
الابتعاد عن مصادر الإشعاع،
- وتقليل الوقت الذي يقضيه الشخص في الأماكن المُعرَّضة للإشعاع، وزيادة المسافة بين الشخص والمصدر.
التدريب والتوعية:
- العاملون في القطاعات التي تستخدم الإشعاعات يجب أن يكونوا مُدرَّبين بشكلٍ جيِّد على التعامل مع المُعدَّات والمواد المُشعَّة لتقليل الخطر.
التخلُّص الآمن من النُّفايات النووية:
- يجب اتِّباع بروتوكولات السلامة الصارمة للتعامل مع النُّفايات النووية؛ لتجنُّب التسريب والتلوث البيئي.
التعرُّض للإشعاع النووي الطبي مخاطرة، والسلامة منه:
الإشعاع النووي الطبي هو أحد أنواع الإشعاعات التي تُسْتخدم في المجال الطبي للتشخيص أو العلاج؛ مثل: التصوير بالأشعَّة السِّينية (X-ray)، والتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، (CT scan)، والعلاج الإشعاعي للأورام السرطانيَّة.
هذه الإجراءات تعتمد على استخدام جرعات مُحدَّدة من الإشعاع لأغراض طبية، ويُعْتبر التعرُّض لهذا النوع من الإشعاع جزءًا من العلاج أو التشخيص.
مخاطر التعرُّض للإشعاع الطبي:
على الرغم من الفوائد الطبيَّة الكبيرة للإشعاع النووي، إلا أنَّ هناك مخاطر محتملة يجب أن تُؤْخذ في الاعتبار؛ منها:
- خطر الإصابة بالسَّرطان: تشير الدِّراسات إلى أن التعرُّض المتكرر أو المكثَّف للإشعاع النووي الطبي يزيد من خطر الإصابة بأنواع مُعيَّنة من السرطان، خاصةً لدى الأطفال والنِّساء الحوامل، حيث تكون الأنسجة في مرحلة النمو أكثر حساسيةً للتأثيرات الضارَّة للإشعاع.
- تلف الأنسجة والخلايا: الجرعات العالية من الإشعاع يمكن أن تُسبِّب تلفًا في الأنسجة والخلايا السليمة؛ ممَّا يؤدِّي إلى آثار جانبية غير مرغوبة؛ مثل: الحروق الجلدية، أو تلف الأعضاء.
- الآثار الجينيَّة: في بعض الحالات النادرة يمكن أن تؤدِّي الجرعات العالية من الإشعاع إلى تغييرات في الحمض النوويِّ؛ مما يزيد من خطر التشوُّهات الوراثية.
- الجرعات المتراكمة: التعرُّض المتكرر للفحوصات الإشعاعيَّة (مثل: الأشعَّة المقطعيَّة) يمكن أن يؤدِّي إلى تراكم الجرعات على مدى الزمن؛ مما يزيد من المخاطر الصحية.
إجراءات السلامة من الإشعاع الطبيِّ:
للحدِّ من مخاطر الإشعاع الطبي، يتمُّ اتخاذ تدابيرالسلامة الوقائيَّة على مستوى الأطباء والمرضى:
- تقليل الجرعة: الحرص على استخدام أقل جرعة مُمْكنة لتحقيق الهدف الطبي، وتُستخدم تقنيات حديثة لتقليل الجرعة الإشعاعيَّة دون التأثير على جودة الفحص.
- سلامة وحماية الأنسجة الحسَّاسة: عند إجراء الفحوصات الإشعاعيَّة، تُسْتخدم أدوات السلامة؛ مثل: دروع واقية من الرصاصية لحماية الأجزاء غير المُعرَّضة للفحص؛ مثل: الغدة الدرقية، والأعضاء التناسليَّة.
- التسجيل الطبي: يُنْصح المرضى بالاحتفاظ بسِجِلٍّ لجميع الفحوصات الإشعاعيَّة التي أَجْرَوْها لتجنُّب تكرار الفحوصات غير الضرورية.
- التَّوجيه الطبي: الأطباء مُلْزمون بتحديد الفحوصات الضرورية، وتجنُّب الفحوصات التي لا تضيف فائدةً طبيةً واضحةً لتقليل التعرُّض غير الضروري للإشعاع.
- الأمان في العلاج الإشعاعيِّ: في حالات العلاج الإشعاعيِّ للسرطان، تُرَاقب الجرعات بعناية، وتُحدَّد المناطق التي تحتاج إلى العلاج بدقَّة باستخدام التكنولوجيا الحديثة لتجنُّب الإضرار بالأنسجة السليمة.
- التعليم والتدريب: يتلقَّى العاملون في مجال الرِّعاية الصحية التدريب المستمر حول كيفيَّة التعامل الآمن مع الإشعاعات، وتحديد المخاطر المحتملة؛ ممَّا يساعد في سلامة وتحسين جودة الرعاية الصحية، وتقليل المخاطر على المرضى.
ويُعْتبر الإشعاع النووي الطبي أداةً فعالةً ومفيدةً للغاية في مجال التشخيص والعلاج، إلا أنَّ التوازن بين الفوائد والمخاطر يتطلَّب الوعي والتدابير الوقائيَّة لضمان سلامة المرضى، ومن خلال تطبيق تقنيات السلامة والحماية الفعَّالة، وتقليل الجرعات، ومراقبة التعرُّض، يمكن الاستفادة من الإشعاع الطبيِّ مع تقليل آثاره الضارَّة على الصحَّة.
الخاتمة:
يُشكِّل التعرُّض للإشعاعات النوويَّة خطرًا غير مرئيٍّ، لكنه حقيقي، يتطلَّب وَعْيًا وفَهْمًا دقيقًا لأنواعه، وطرق الوقاية منه، خاصةً في حالات الطوارئ، والتصعيدات العسكرية، ومن خلال اتِّخاذ التدابير الوقائيَّة المناسبة، والالتزام بالإرشادات الصحية، يمكن تقليل الأضرار المحتملة، وحماية الإنسان والبيئة من الآثار السلبيَّة للإشعاعات النووية، ويبقى التأهُّب والمعرفة هما السبيلين الرئيسين لمواجهة هذا الخطر غير المرئيِّ بفعاليةٍ وأمانٍ.