مقالات المجلة

ملف العدد 1: السلامة والاستدامة في عصر الذكاء الاصطناعي

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخَلْق والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في ظلِّ ما تشهده بلادنا العربية من تصاعد للعنف والدمار، لا يمكننا إلَّا أن نقف جميعًا كعرب في صفِّ التضامن والإخاء مع أهلنا في هذه المناطق الجريحة، فالحروبُ تترك آثارًا موجعةً على النفوس والبُنْية التحتيَّة، لكنها أيضًا تختبر صمودنا ووحدتنا، وفي هذه اللحظات العصيبة نُجدِّد تأكيدنا على أن الجرح واحد، والمصير مشترك، فما يمسُّ أهلنا في غزة ولبنان يمسُّ كل عربيٍّ في أي مكان.

ومن هذا المنطلق، جاء مؤتمر السلامة العربي الخامس ليؤكِّد أن الحفاظ على سلامة الإنسان – خاصةً في أوقات النزاعات – هو واجبٌ مشتركٌ ومسؤوليةٌ جماعيةٌ. 

ونحن هنا لنبعث رسالة أملٍ وصمودٍ أن السلامة في وجه هذه التحديات ليست مجرد هدف، بل حق إنسانـي يجب أن نحميه جميعًا بكلِّ ما نملك من علمٍ وتكنولوجيا وتعاونٍ.

وفي حَدَثٍ يُمثِّل نقلةً نوعيةً في مجال السلامة، تولَّيتُ رئاسة المؤتمر العربي الخامس للسلامة كأول سيِّدة تتولَّى هذا المنصب. 

فالمؤتمر الَّذي انعقد في المملكة الأردنية الهاشمية وجاهيًّا للمرة الأولى حمل عنوانًا بالغ الأهمية: (استدامة السلامة في النزاعات والحروب، الذكاء الاصطناعي وأثره في تطوير علوم السلامة).

والمؤتمر بصورتِهِ الوجاهيَّة بعد انعقاده أربع سنوات افتراضيًّا أتاح فرصةً حقيقيةً لإقامة حوارات مباشرة بين الخبراء والمختصِّين؛ ممَّا أسهم في تعزيز تبادل الخبرات والمعرفة بصورة أكثر عمقًا ممَّا توفِّره الاجتماعات الافتراضية. 

إنَّ الاجتماعات الحضوريَّة تميل إلى بناء روابط أقوى بين المشاركين؛ ممَّا يُسهِّل التعاون المستقبلي، وتطوير شَرَاكات جديدة في مجال السلامة، وقد شهدنا خلال المؤتمر تفاعلًا مباشرًا بين المشاركين من مختلف الدول العربية، وهذا كان له دورٌ كبيرٌ في تعزيز النِّقاشات، وإثراء الحوار حول الموضوعات المهمَّة.

وقد كان هذا المؤتمر مميزًا بنقاشِهِ لمحاور متعددة تشمل التحديات التي تواجه السلامة في أوقات النزاعات والحروب، حيث إنَّ الحفاظ على السلامة في بيئات غير مستقرَّة هو تحدٍّ كبير يتطلَّب تعاونًا دوليًّا، وحلولًا مبتكرةً، وقد تمَّ التركيز بشكل خاص على استدامة ممارسات السلامة فـي مثل هذه الظروف الصعبة، وضرورة تطوير استراتيجيات تضمن حماية العاملين والمجتمعات المتضررة.

أمَّا المحور الآخر الذي لاقى اهتمامًا كبيرًا، فهو دور الذكاء الاصطناعي في تطوير علوم السلامة، وقد نَاقَش المؤتمر كيف يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تُسْهم في تحسين ممارسات السلامة من خلال تحليل البيانات الضخمة، والتنبُّؤ بالمخاطر قبل وقوعها ممَّا يُقلِّل من الحوادث، ويُعزِّز من فعالية الإجراءات الوقائيَّة.

وكانت هذه الرئاسة لحظةَ فخرٍ شخصيٍّ لي، حيث إنَّها أكَّدت على قدرة المرأة على قيادة مؤتمرات كبرى في مجالات تتطلَّب رؤيةً استراتيجيةً، وتفكيرًا مستقبليًّا، ومن خلال هذه الفرصة كنتُ قادرةً على تسليط الضوء على أهمية دمج التكنولوجيا والاستدامة في استراتيجيات السلامة، خاصةً في ظلِّ الأوضاع العالمية الراهنة التي تشهد زيادةً في النِّزاعات والتغيُّرات السريعة في التكنولوجيا.

ومن خلال جلسات المؤتمر ووِرش العمل التي جَمعَتْ نخبةً من الخبراء والمختصِّين من مختلف الدول العربية، تمَّ تبادل الخبرات حول كيفيَّة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تعزيز السلامة، وكذلك التحديات الَّتي تواجه الدول في تطبيق هذه التقنيات، وقد خرج المؤتمر بتوصيات عمليَّة تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول العربيَّة في هذا المجال، وتطوير استراتيجيات تضمن بيئات عمل آمنة ومستدامة، حتى في أصعب الظروف.

وهذا الإنجاز لا يُمثِّل فقط لحظة نجاح شخصية، بل هو خطوة نحو تمكين المرأة في مجالات القيادة والمسؤولية، وفتح الباب أمام مزيدٍ من الإنجازات المستقبليَّة.

م. تمارا الخضور

رئيسة مؤتمر السلامة العربي الخامس

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *