مقدمة:
التحليل المنهجي للسلامة (Systematic Safety Analysis): هو عمليَّة تحليلية دقيقة تهدف إلى التعرُّف على المخاطر، وتحليلها، وتقييمها، والحد منها في مختلف الأنظمة، خاصةً في الأنظمة الحرجة التي قد يؤدِّي فشلها إلى إصابات أو خسائر جسيمة (مثل: الطيران، الطاقة، الصناعات الثقيلة، والمجال الطبي)، ويُعدُّ هذا التحليل جزءًا أساسيًّا من أنظمة إدارة السلامة الحديثة.
والتحليل المنهجي للسلامة هو عملية مدروسة ومترابطة يتمُّ تنفيذها بطريقة منظمة، تعتمد على منهجيات علمية لتحديد كل ما قد يُسبِّب خطرًا أو تهديدًا على النظام، أو المستخدمين، أو البيئة، ثمَّ تحليل هذه التهديدات، وتقييم خطورتها، وتقديم إجراءات للحدِّ منها، أو التحكُّم فيها.
الأهداف الرئيسة للتحليل المنهجي للسلامة:
- مَنْع الحوادث قبل وقوعها (الوقاية الاستباقيَّة):


الهدف الأهمُّ لأي تحليل سلامة هو مَنْع وقوع الحوادث قبل حدوثها، من خلال دراسة جميع السيناريوهات المحتملة للمخاطر، وفَهْم آليَّة وقوعها، ويتمُّ ذلك عَبْر:
- التعرُّف على نقاط الضعف في التصميم أو التشغيل.
- مُحَاكاة الحوادث الممكنة، وتحليل الأسباب.
- التوصية بإجراءات تمنع وقوع هذه الحوادث (مثل: أنظمة إنذار أو تحسين إجراءات العمل).

2.تحسين التصميم الهندسي والعملي للأنظمة:
من خلال التحليل المنهجي يتمُّ الكشف عن أوجه القصور في النظام؛ سواء فـي:
- البُـنْية التحتية.
- المُعدَّات.
- البَرْمجيات.
- العمليات التشغيلية.
ما يؤدِّي إلى:
- تعديل التصميم لتفادي الثغرات.
- تطوير أنظمة أكثر أمانًا.
- زيادة الاعتمادية (Reliability)، وكفاءة التشغيل.

3.الامتثال للمعايير والتشريعات Regulatory Compliance:
معظم الأنظمة -خصوصًا في الصناعات الحرجة (مثل: الطيران، الطب، السيارات…)، تُلْزم بوجود تحليل منهجي للسلامة كشرطٍ للتشغيل.
التحليل المنهجي يساعد على:
- الالتزام بالمعايير الدولية؛ مثل:
- ISO 26262 (سلامة السيارات).
- IEC 61508 (الأنظمة الإلكترونية الصناعية).
- ARP4761 (سلامة أنظمة الطيران).
- توفير وثائق تحليل رسميَّة للجهات الرقابية.
- تفادي الغرامات، أو إيقاف المشاريع.

4.حماية الأرواح، والممتلكات، والبيئة:
الهدف الإنسانـي والأخلاقي هو ضمان سلامة العاملين والمستخدمين والمجتمع، وتقليل الخسائر الماديَّة والبيئيَّة.
ذلك يشمل:
- تقليل الإصابات أو الوفيات في مواقع العمل أو الطُّرق.
- حماية المُعدَّات من التَّلف المكلف.
- تقليل التلوث البيئي الناتج عن الحوادث.
5.تقليل التكاليف الناتجة عن الفشل أو الحوادث:
رغم أنَّ التحليل المنهجي قد يبدو مكلفًا في البداية، إلا أنَّه:
- يمنع وقوع كوارث ذات تكلفة باهظة.
- يُقلِّل الحاجة للصيانة الطارئة.
- يمنع توقُّف الإنتاج أو تعطُّل الخدمة.
(الوقاية دائمًا أقل تكلفة من العلاج).

6.التحسين المستمر، وتعلُّم الدروس:
التحليل لا يُجْرى مرةً واحدةً فقط، بل يتكرر دوريًّا، أو بعد التعديلات أو الحوادث.
الفوائد:
- تطوير الأنظمة بناءً على الخبرات الواقعيَّة.
- تصحيح الإجراءات القديمة أو غير الفعَّالة.
- تطبيق التحسينات في مشاريع مستقبلية.
7.توفير معلومات دقيقة لصُنَّاع القرار:
التحليل المنهجي يُوفِّر بيانات كميَّة ونوعيَّة حول المخاطر، ونقاط الضعف.
ممَّا يساعد المديرين والمهندسين على:
- اتِّخاذ قرارات مدروسة.
- تخصيص الموارد بشكل فعَّال.
- ترتيب الأولويَّات حسَب خطورة المخاطر.
مراحل التحليل المنهجي للسلامة:
- تعريف النظام (System Definition):
الهدف: فَهْم ما سيتمُّ تحليله بدقة.
يتمُّ في هذه المرحلة تحديد مُكوِّنات النظام: حدوده، وظائفه، وطرق تفاعله مع البيئة والمستخدمين.
يشمل ذلك:
- ما النظام؟ (مثلًا: طريق سريع، مصنع، جهاز طبي).
- ما مُكَوِّناته الرئيسة؟
- مَن المستخدمون أو الأطراف المَعْنيَّة؟
- ما البيانات أو الظروف التشغيليَّة؟
مثال: في نظام مروري: المَرْكبات، المشاة، إشارات المرور، الكاميرات.
- تحديد المخاطر (Hazard Identification):
الهدف: اكتشاف كلِّ السيناريوهات أو العوامل التي قد تُسبِّب أذًى أو خسارةً.
يتمُّ تحديد جميع المخاطر المحتملة المرتبطة بالنظام؛ سواء كانت تقنيةً، بشريةً، بيئيةً أو تشغيليةً.
أدوات مساعدة:
- جلسات عَصْف ذهني.
- تحليل الحوادث السابقة.
- استخدام أدوات مثل المخاطر، وقابليَّة التشغيل Hazard and Operability: (HAZOP)، What-If، Checklists.
مثال: احتمال انزلاق سيَّارة بسبب المطر على طريق مائل.
- تحليل الأسباب والنتائج (Cause & Effect Analysis):
الهدف: معرفة (لماذا) قد يحدث الخطر و(ماذا) سيَتَرتَّب عليه.
ندرس لكلِّ خطر محتمل:
- ما الذي يمكن أن يُسبِّبه؟
- ما العواقب إذا حدث؟
أدوات شائعة:
- تحليل شجرة الأعطال (FTA) Fault Tree Analysis – لتحليل الأسباب الجذريَّة.
- تحليل شجرة الأحداث ETA) Event Tree Analysis )– لتقدير النتائج المترتبة على حَدَثٍ مُعيَّن.
مثال:
السبب: عدم صيانة المَكَابح →
النتيجة: اصطدام بالمَرْكبة الأمامية.
- تقييم المخاطر (Risk Assessment):
الهدف: تحديد أولويَّات المخاطر حسَب خطورتها، واحتمال حدوثها.
يتمُّ تصنيف كلِّ خطر باستخدام:
- الاحتماليةLikelihood :: كم مرة قد يحدث؟
- الخطورة Severity: ما مدى سوء العواقب؟
- أحيانًا يُضَاف: إمكانيَّة الاكتشاف Detectability.
تصنيف المخاطر بالألوان:

في الحالات البسيطة أو الأقل تعقيدًا يمكن أن يكون التقييم عبارة عن نِقَاشٍ أو جلسة عصف ذهني مبنيَّة على المعرفة والخبرة، وفي بعض الحالات قد تكون قوائم المراجعة أو مصفوفة المخاطر مفيدة، أمَّا في الحالات الأكثر تعقيدًا، فعادةً ما يكون من الضروري وجود فريق من الموظفين ذوي الخبرة والإلمام بالعمل، ومنهجيات تقييم المخاطر. وحسَب الظروف أو الوضع قَيْد التقييم، قد يُحدِّد التشريع كيفيَّة إجراء تقييم المخاطر، بما في ذلك الموظفون المطلوب إشراكهم.
الأساليب النوعيَّة الأساسيَّة:
تجمع الطريقة النوعيَّة الأساسية بين معايير الشدَّة والاحتمالية لتحديد مستوى المخاطرة، وذلك بمقارنتها بمعايير المخاطر المحددة مسبقًا، وتُقَـيِّم هذه الطريقة المخاطر بناءً على خصائصها الجوهريَّة دون تحديد قيمة عدديَّة، على سبيل المثال: ننظر إلى مصفوفة المخاطر النوعيَّة البسيطة هذه، ويوضح الجدول (1) العلاقة بين الاحتمالية والشدة، وكيفيَّة تحديد تصنيف المخاطرة.

الجدول (1): مثال على مصفوفة المخاطر النوعيَّة:
تُمثِّل تقييمات الخطورة في هذا المثال:
- شدة عالية High severity: مرض أو إصابة قاتلة، أو إعاقة دائمة، أو آثار صحيَّة لا رجعة فيها، أو كسر كبير، أو تسمُّم، أو فقدان كبير للدم، أو إصابة خطيرة في الرأس.
- شدَّة متوسطة Medium severity: الالتواء، والإجهاد، والحروق الموضعيَّة، والتهاب الجلد، والربو، والإصابة التي تتطلَّب أيامًا محدودةً من الإجازة من العمل.
- شدة منخفضة Low severity: إصابة تتطلَّب الإسعافات الأوليَّة فقط: ألم قصير المدى، أو تهيُّج، أو دوخة.
وتُمثِّل تقييمات الاحتمالات في هذا المثال ما يلي:
- احتمالية عاليةHigh probability: من المحتمل أن يتعرَّض لها الفرد مرةً واحدةً في السنة أو أكثر.
- احتمالية متوسطة Medium probability: قد يتعرَّض لها الفرد مرةً كل خمس سنوات.
- احتمالية ضئيلة Low probability: قد يحدث مرةً واحدةً خلال فترة العمل.
وينبغي أن تستند أولويَّة معالجة المخاطر إلى تقييم مخاطرها، ويمكنك أيضًا وَضْع إجراءات عامَّة تتوافق مع تقييم المخاطر؛ مثل:
خطير على الفور Immediately dangerous: أوقف العملية، ونفِّذ الضوابط على الفور.
عالية المخاطر High risk: قُمْ بالتحقيق في العملية، وتنفيذ الضوابط على الفور.
مخاطرة متوسطة:Medium risk يجب استمرار العملية، ومع ذلك يجب وَضْع خطة للتحكم، ويجب تنفيذها في أقرب وقتٍ ممكن.
مخاطر منخفضة Low risk: استمرَّ في العملية، ولكن رَاقِبْها بانتظام، كما ينبغي دراسة خطة للتحكم.
مخاطرة منخفضة جدًّا Very low risk: استمرَّ في مراقبة العملية.
- تحديد تدابير الوقاية والمعالجة (Mitigation Measures):
الهدف: تقليل احتمال الخطر، أو تقليل تأثيره في حال وقوعه.
- إجراءات وقائيَّة Preventive: لمَنْع حدوث الخطر.
- إجراءات تصحيحيَّة Corrective: للتعامل مع الخطر إذا حدث.
مثال:
لخطر السرعة الزائدة → تركيب رادارات + زيادة التوعية + تخطيط الشوارع بذكاء.
- التوثيق والمراجعة (Documentation & Review):
الهدف: ضمان أنَّ التحليل يمكن الرجوع إليه، وتحديثه باستمرار.
- توثيق كل مراحل التحليل (الطرق، المخاطر، الإجراءات).
- إعداد تقارير رسمية.
- مراجعة دورية بعد كلِّ تغيير في النظام، أو بعد وقوع حادث.
مثال: في مشروع بناء، يتمُّ تحديث تحليل السلامة كلما تمَّ تعديل التصميم.
الخاتمة:
يُمثِّل التحليل المنهجي للسلامة أداةً فعَّالةً وأساسيةً لتعزيز مستويات الأمان في مختلف الأنظمة من خلال اتِّباع منهجية دقيقة تبدأ بتحديد المخاطر، وتنتهي بوَضْع إجراءات وقائيَّة وتصحيحيَّة مناسبة.
إنَّ وضوح الأهداف (مثل: تقليل الحوادث، حماية الأرواح والممتلكات، وضمان استمراريَّة التشغيل، إلى جانب تطبيق المراحل المنهجيَّة)– يضمن بناء نظام متكامل لإدارة المخاطر، وتحقيق بيئة تشغيليَّة أكثر أمانًا.
ومع تزايد التحديات التقنيَّة والبشريَّة، فإن استخدام التحليل المنهجي للسلامة لا يُعَدُّ خيارًا، بل ضرورة لضمان التطوير المستدام، وتقليل الخسائر البشريَّة والماديَّة.