مذكرات التفاهم الإقليمية تنجح فى مكافحة السفن المخالفة لمتطلبات السلامة البحرية
تناولنا في مقالنا الأول والثاني دور المنظمة البحرية الدولية، وهي الجهة الدولية التابعة للأمم المتحدة، والمختصة بصناعة النقل البحري وتنظيمه، وفرض إجراءات للسلامة البحرية، والحفاظ على البيئة البحرية عن طريق اتفاقيات وتشريعات بحرية، ثمَّ ذكرنا في المقال الثاني تعريفًا بأهمِّ هذه التشريعات، وهي اتفاقية البحار 1982م، ودور الدول في جَعْلها واقعًا ملموسًا من خلال إلزام السفن التي ترفع عَلَمها بمتطلبات ومعايير السلامة البحرية، ومراقبة السفن التي تدخل موانئها وهي ترفع أعلام دول أخرى، والتأكُّد من التزامها بمعايير السلامة البحرية، ختامًا بدول قوات خفر السواحل أو البحرية بحسَب كل دولةٍ في ضبط السفن المخالفة، والتي تدخل مياه الدولة.
وفي ثالث مقالاتنا عن السلامة البحرية سنتحدَّث عن الأساليب الإقليمية للمساهمة في تطبيق متطلبات السلامة البحرية على السفن حفاظًا على الأرواح والسفن والبحار، وأول هذه الجهود الإقليمية وأهمها هي: مذكرات التفاهم لرقابة دولة الميناء، فكما أسلفنا في المقال الثاني فإنَّه يحق للدول تفتيش السفن الأجنبية التي تزور موانئها؛ لضمان عدم وجود نقص أو مخالفة بما في ذلك ما يتعلق بالظروف المعيشية، وسلامة البحَّارة في السفن، وإلزام السفن بالإصلاح قبل السماح لهم بالإبحار.
ومن أجل تعزيز التعاون بين الدول لتطبيق متطلبات السلامة، ومنع السفن دون المستوى Substandard Ship من الإبحار من خلال التضييق عليها؛ بحيث لو قامت بمخالفة أو تقصير يتمُّ التعميم عليها بين دول كل مذكرة تفاهم، إضافةً لحثِّ الدول المقصرة في واجباتها على سفنها كونها ستكون دولةً غير مرحبٍ بسفنها في الموانئ؛ لأن سُمْعتها صارت ضعيفةً بسبب سفنها غير المطبِّقة للمتطلبات، من أجل كل ذلك اعتمدت المنظمة البحرية الدولية القرار رقمA682 (17) لعام1991 لإبرام اتفاقات إقليمية بشأن تطبيق تدابير سلطة رقابة الميناء.
وجاء قرار المنظمة البحرية بعد نجاح مذكرة تفاهم باريس التي أنشئت في العام 1982م، وهو ما شجَّع الدول على توقيع مذكرات تفاهم Memorandum of Understanding (MoU) مختلفة لتعزيز عمل سلطة رقابة الميناء بينها.
إن نظام سلطة رقابة الميناء الإقليمي الفعَّال والمُسْتدام يحرم السفن المتدنِّية من العمل في منطقته، والعكس يحصل مع المناطق التي تكون فيها سلطة رقابة الميناء ضعيفة؛ حيث يزيد تركيز السفن دون المستوى في المنطقة، ويرى مالكو السفن تلك المناطق ملاذًا آمنًا لسفنهم دون المستوى، وتعاني تلك المنطقة من الحوادث البحرية المرتفعة التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالبيئة البحرية، وفقدان الأرواح والممتلكات، إضافةً إلى التداعيات الأخرى، وهي زيادة أقساط التأمين، وارتفاع معدلات الشحن، وعدم كفاية القوى العاملة البحرية المُؤهَّلة، وصعوبة الحصول على التصنيف من جمعيات التصنيف ذات السُّمعة الطيبة.
وحاليًا توجد عدة مذكرات تفاهم؛ هي: مذكرات تفاهم أوروبا وشمال الأطلسي (مذكرة تفاهم باريس)، آسيا والمحيط الهادئ (مذكرة تفاهم طوكيو)، أمريكا اللاتينية (مذكرة تفاهم أمريكا اللاتينية)، الكاريبي (مذكرة تفاهم الكاريبي)، غرب ووسط أفريقيا (مذكرة تفاهم أبوجا)، منطقة البحر الأسود (مذكرة تفاهم البحر الأسود)، البحر المتوسط (مذكرة تفاهم البحر المتوسط)، المحيط الهندي (مذكرة تفاهم المحيط الهندي)، ومذكرة التفاهم بالرياض، إضافةً لخفر سواحل الولايات المتحدة، والتي يتمُّ معاملتها كمذكرة تفاهم.
قوائم مذكرات تفاهم باريس وطوكيو:
في الوقت الحالي تُعدُّ قائمة الأبيض والرمادي والأسود White, Grey and Black Lists (WGB) من مذكرات التفاهم في طوكيو وباريس هي أكثر المؤشرات استخدامًا لتقييم أداء دولة العَلَم على سفنها، ومدى تطبيق تلك السفن لمتطلبات ومعايير السلامة البحرية، ونظام هذه القوائم هو كإجراء تشجيعي للدول؛ لأنها عندما تكون ضمن القوائم السوداء، فسُمْعتها ستكون متدنيةً، ما يعني أن سفنها ستكون مستهدفةً في أي ميناء تدخله، وهو ما يجعل مُلَّاك السفن يهربون من هذا العَلَم، ويسجلون سفنهم لدى دول سُمْعتها طيبة، وهي موجودة في القوائم البيضاء.
فهذه المذكرات تنشر تقريرًا سنويًّا عن أداء الدول التي دخلت سفنها موانئ مذكرات التفاهم في باريس وطوكيو، وتصنف الدول في ثلاث قوائم؛ هي: البيضاء، والرمادية، والسوداء، وتعتمد على عدد عمليات التفتيش والاحتجازات للسفن على مدى ثلاث سنوات على ألَّا تقل عدد عمليات التفتيش عن (30) عملية تفتيش في تلك الفترة، وقائمتها البيضاء تُمثِّل دول العَلَم الأعلى أداءً من خلال عددٍ أقل من احتجازات السفن، والقائمة الرمادية تُظْهر الأعلام متوسطة الأداء، وظهورهم في هذه القائمة بمثابة حافزٍ لتحسين أدائهم وانتقالهم للقائمة البيضاء، ومؤشر لهم للحرص على عدم الإهمال حتى لا يتحوَّلوا إلى القائمة السوداء، وأما القائمة السوداء فهي تُظْهر أقل الدول أداءً، وتصنف بأنها عالية الخطورة.
إلى هنا انتهينا خلال ثلاثة مقالات من عرض أساسيات مهمة لكيفيَّة تطبيق متطلبات السلامة البحرية، والحفاظ على البيئة البحرية في السفن والموانئ، وكيفية تأهيل وتدريب البحَّارة حتى يكونوا مُلمِّين بهذه المتطلبات، وحريصين على تطبيقها؛ حتى لا يكونوا عُرْضةً للتفتيش والتوقيف والسُّمعة السيئة كما أسلفنا، وسيكون لنا مقالات أخرى -بإذن الله- عن معلومات أخرى ذات أهمية في موضوع السلامة البحرية، وتقبَّلوا تحياتي.