مقدمة:
تُعدُّ السلامة على الطرق نتيجة تكامل ثلاثة عناصر رئيسة: (الطريق، والمَرْكبة، والسُّلوك البشري)، وعلى الرغم من الدور الحيويِّ لجودة البُنْية التحتية، وتطور أنظمة السلامة في المَرْكبات، يبقى السلوك البشريُّ هو العامل الأهم والحاسم في منع الحوادث، أو التسبُّب فيها، فكلُّ قرار يتَّخذه السائق بوعي أو دون وعي، ينعكس مباشرةً على سلامته، وسلامة مُسْتخدمي الطريق الآخرين؛ لذا فإنَّ التَّركيز على السلوك كعنصرٍ جوهريٍّ في منظومة السلامة المرورية أمرٌ لا غنى عنه لتحقيق بيئة طرق أكثر أمانًا واستدامةً.
أبرز السُّلوكيات الخاطئة التي تُهدِّد سلامة الطرق:
تتعدَّد السُّلوكيات السلبية خلف عجلة القيادة، وتُهدِّد حياة الأفراد، وتُعِيقُ التدفُّق المروري الآمن:
- السرعة الزائدة: تُعدُّ المسبِّب الرئيس لعدد كبير من الحوادث القاتلة، فالسرعة المُفْرطة تُضْعف بشكل كبير من قدرة السائق على السيطرة على المَرْكبة، وتُقلِّل من زمن الاستجابة اللازم لتفادي الخطر في حالات الطوارئ المفاجئة.

- التشتُّت والانشغال أثناء القيادة: استخدام الهاتف المحمول، أو حتى تناول الطعام والشراب، كلُّها سلوكيات تُقلِّل من مستوى تركيز السائق على الطريق ومحيطه؛ ممَّا يزيد من احتمالات وقوع التَّصادمات غير المتوقَّعة نتيجة لقلَّة الانتباه.
- التجاوز الخاطئ، وعدم احترام الأولويَّات: سلوكيات؛ مثل: التَّجاوز من الكتف الأيمن، أو الدُّخول المفاجئ إلى المسارات دون استخدام الإشارات التحذيريَّة، أو عدم إعطاء الأولويَّة لمَنْ لهم الحقُّ، تعكس سلوكًا عدائيًّا وغير مسؤول، وتُعرِّض حياة الجميع للخطر المباشر.
- تجاوز الإشارات المروريَّة: خاصةً الإشارات الحمراء؛ ممَّا يُسبِّب تصادمات خطيرة نتيجة عدم التزام السائقين بالقوانين.
- القيادة في عكس اتِّجاه المرور: سلوك خطير يُسبِّب ارتباكًا في حركة السَّير، ويُعرِّض الجميع للخطر.
- عدم استخدام حزام الأمان: سواء من قِبَلِ السائق أو الرُّكاب، ما يزيد من خطورة الإصابات في الحوادث.
- عدم الالتزام باستخدام الإضاءة بشكل صحيح؛ مثل: القيادة ليلًا بدون أضواء، أو استخدام الإضاءة العالية بشكل مزعج ومُرْبك للسائقين الآخرين.
- عبور الطرق والمزلقانات من أماكن غير مخصصة: تجاهل استخدام كباري المشاة أو الأنفاق؛ ممَّا يعرض المشاة لخطر الاصطدام.
- التوقُّف الخاطئ أو إعاقة حركة المرور؛ مثل: الوقوف في أماكن غير مناسبة؛ ممَّا يعرقل السَّير، ويزيد من احتمالات الحوادث.
- قيادة مَرْكبة بها أعطال فنية؛ مثل: المصابيح التالفة، أو الإطارات غير الصَّالحة؛ ممَّا يؤثِّر على سلامة القيادة.
- السُّلوكيات الخطرة مع الأطفال؛ مثل: السَّماح للأطفال بالجلوس في أماكن غير آمنة داخل السيارة، أو إخراجهم من النوافذ أثناء القيادة.
هذه السُّلوكيات تُمثِّل تهديدًا مباشرًا لسلامة الطرق، وتتطلَّب تكثيف الحملات التوعوية، وتطبيق القوانين بصرامة للحدِّ منها، وحماية الأرواح.
استراتيجيات متكاملة لمعالجة السُّلوكيات الخاطئة التي تُهدِّد سلامة الطريق:
يتطلَّب تغيير السلوكيات المترسِّخة منهجيَّة متعددة الأوجه تستهدف السائق من جوانب مختلفة:
1. التوعية والتثقيف الفعَّال:
- الحملات التسويقيَّة المبتكرة: تُعدُّ هذه الحملات من أكثر الوسائل تأثيرًا على المدى القصير والمتوسط، ويجب أن تُصمَّم بأساليب إبداعيَّة تستهدف عاطفة الجمهور وسلوكهم الاجتماعي؛ مثل: حملات (افتح عيونك)، الَّتي تسلِّط الضوء على مخاطر التشتُّت، أو حملات: (السرعة تقتل)، الَّتي تُظْهر العواقب الوخيمة للتهوُّر.
2. التدريب والتعليم المتقدم:
- دورات القيادة الدفاعيَّة: تهدف هذه الدورات إلى تأهيل السائقين للتعامل بفعالية مع الأخطاء المحتملة للآخرين على الطريق، والتَّقليل من ردود الفعل الخطرة، أو المتسرعة، وهذا النَّوع من التدريب يُعزِّز التفكير الوقائي، ويُرْسي أُسُس الانضباط والمسؤولية في القيادة.
3. تعديل بيئة الطريق (Road Diet):
- تعديل بيئة الطريق استراتيجية هندسيَّة مبتكرة تُشجِّع السلوك الآمن بشكل غير مباشر، ويشمل ذلك: تقليص عدد المسارات، أو عرضها، أو إضافة عناصر تصميميَّة تُشجِّع على تهدئة السرعة؛ مثل: الدوارات والممرَّات الضيقة، والهدفُ من هذه التعديلات هو خَلْق بيئة تُلْزم السائق بالتأنِّي والتقيُّد بالسرعات المحددة، والقوانين المرورية، وتُقلِّل من فُرَص التهوُّر أو التصرُّفات الخطيرة.
4. الحلول التنظيميَّة والقانونيَّة:
- تشديد العقوبات على المخالفات المرورية الخطرة؛ مثل: السرعة الزائدة، وتجاوز الإشارات، والقيادة تحت تأثير المخدرات أو الكحول.
- تنفيذ قوانين صارمة لضبط حركة الشَّاحنات، وتنظيم أوقات دخولها للمدن.
- تعزيز التَّفتيش الدوري على المَرْكبات لضمان سلامتها الفنيَّة.
- تعديل السُّرعات المحدَّدة بما يتناسب مع خصائص الطُّرق والمناطق المحيطة.
5. الحلول التقنيَّة والذكيَّة:
- استخدام أنظمة إنذار مبكرٍ للسائقين عن المخاطر القادمة؛ مثل: التنبيه عند مغادرة المسار، أو الاقتراب من مَرْكبة أخرى.
- الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مراقبة حركة المرور، وتوقُّع الحوادث.
- تركيب كاميرات مراقبة ورصد تلقائي للمخالفات المرورية.
- استخدام لوحات إلكترونيَّة متغيِّرة الرسائل لتنبيه السائقين بشكل فوريٍّ.
6. جَمْع وتحليل البيانات:
- بناء أنظمة رقميَّة متقدِّمة لجمع وتحليل بيانات الحوادث والسُّلوكيات المرورية.
- تحديد النِّقاط السَّوداء، ومواقع الحوادث المتكرِّرة لاتِّخاذ إجراءات استباقيَّة.
- استخدام تحليل السَّبب الجذري لتحديد الأسباب الحقيقيَّة للسلوكيات الخاطئة والحوادث.
7. المتابعة والتقييم:
- تقييم فعالية التَّدابير المتَّخذة بشكل دوريٍّ، وتعديلها حسَب النتائج.
- تعزيز التعاون بين الجهات المَعْنيَّة؛ مثل: المرور، والبلديات، ووزارة التعليم؛ لضمان تكامل الجهود.
الخاتمة:
إنَّ التحدِّي الحقيقي في تحقيق طرق آمنة لا يَكْمُن فقط في بناء البُنْية التحتية المتطورة، أو تطوير المَرْكبات المزوَّدة بأحدث التقنيات، بل في تغيير سلوك الإنسان نفسه، ومع أنَّ هذا التغيير الثقافي لا يحدث بين ليلةٍ وضُحَاها، إلا أنَّ الاستثمار المستمر في حملات التوعية الفعَّالة، والتعليم المستمر، وهندسة الطُّرق الذَّكية- قادرٌ على خَلْق سلوك قيادي واعٍ ومسؤول، فالسائق الواعي والمتحلِّي بالانضباط هو خطُّ الدفاع الأول ضد الحوادث، وهو العنصر القادر على صُنْع الفرق الحقيقي في بيئة المرور، وجَعْل طرقنا أكثر أمانًا للجميع.
إنَّ نجاح منظومة السلامة المروريَّة يعتمد على تكامل هذه الاستراتيجيات، وتطبيقها بشكل متزامن ومدروس، مع التَّركيز على تغيير السُّلوكيات الخاطئة من خلال التوعية والتقنيات الحديثة، إلى جانب تحسين البُنْية التحتية، وتطبيق القوانين بصرامة؛ ممَّا يخلق بيئةً مروريةً أكثر أمانًا للجميع.