اجتاحت سيول ضخمة عدَّة مناطق في شمال السودان؛ ممَّا أدى إلى تدمير أكثر من (10 آلاف منزل) بشكل كلِّي وجزئي، وكانت حدَّة الأمطار والسيول كبيرة في المناطق الواقعة شمال مدينة دنقلا، إضافةً إلى مدينة (أبو حمد) في ولاية نهر النيل، والَّتي تُعتَبر المركز الرئيس لأنشطة تعدين الذهب في البلاد. والجدير بالذِّكر أن أضرارها لا تقتصر على التخريب المادي، بل هناك خطرٌ غير مرئي يهدِّد سلامة الإنسان والحيوان والنبات في المنطقة، ويتمثَّل في جرف المواد الضارَّة والشديدة السُّمية (مثل: الزئبق والسيانيد) من مناطق التعدين العشوائي عن الذهب، في وقتٍ انتشرت أمراض غريبة بما فيها الأورام والسَّرطانات والأمراض التنفسية وأمراض الدم.
سبب الحدث:
وقال التجمع المدنـي: إنَّ السيول قَدِمتْ من الأودية والسهول الشرقية، ومن ولاية البحر الأحمر، وهي مُحمَّلة بكميات كبيرة من الزئبق والسيانيد؛ ما يُنْذر بكارثة بيئية كبيرة، متوقعًا انتشار الأمراض المرتبطة بتلوث البيئة في وقتٍ انهارت فيه البُنْية الصحية في البلاد بسبب الحرب.
وفي الواقع ارتبط تعدين الذهب تاريخيًّا بكوارث صحية في الكثير من مناطق السودان؛ لأنَّ استخلاصه يتطلَّب الدخول في مخاطر الحفر والتنقيب، ومخاطر الكيماويات الَّتي تلوث الماء والتربة وتسمُّم الإنسان.
تداعيات الحدث:
حذَّر التجمُّع المدنـي في ولاية نهر النيل من كارثة إنسانية وبيئية تُهدِّد سلامة الإنسان والنبات والحيوان، وكل ما من شأنه تدمير البيئة المحيطة بالإنسان في الولاية، وتتمثَّل فيما أطلق عليه: الكارثة الكبرى؛ نتيجةً لكمية المواد الضارَّة التي جرفتها السيول إلى المنطقة، حيث قالت السلطات المحلية في الولاية الشمالية: إن الأمطار التي شهدتها الولاية أودت بحياة (17 شخصًا) على الأقل، وأكثر من (100 مصاب).
- ممَّا أثار مخاوف بيئية كبيرة بسبب اختلاط مياه السيول بمُخلَّفات مواقع التعدين المنتشرة بكثرة هناك، وجرفها إلى نهر النيل المصدر الرئيس لمياه الشرب، وري المشاريع الزراعية.
- وتُعدُّ (منطقة أبو حمد) أحد المراكز الرئيسة لإنتاج الذهب في البلاد، وتشهد أراضيها أنشطة تعدين عشوائي، وتُسْتخدم فيها مواد شديدة السُّمية، ومُلوِّثة للبيئة دون رقابةٍ من الدولة.
- ووَفقًا للخبراء؛ فإنَّ الخطر يتعاظم في ظلِّ تقارير تحدَّثت عن جرف مياه السُّيول لكميات ضخمة من مُخلَّفات الذهب المُخزَّنة في مزارع ومنازل ومدارس في العديد من مناطق الولاية.
- وعلى الرغم من إنشاء حواجز لمنع تسريب نُفَايات الذهب الضارَّة إلى مصادر المياه، إلا أن تلك السدود لم تصمد أمام السيول والفيضانات التي تضرب المناطق القريبة من مواقع التعدين مثلما حدث مؤخرًا.
مخاطر تفكُّك أملاح السيانيد:
- تتفكَّك أملاح السيانيد ببطءٍ في الجو، ويمكن أن تنتقل لمسافات بعيدة، لكن تركيزها ينقص مع ازدياد مسافات الانتقال، كما وتمتزج بالماء أيضًا، وتتفكَّك ببطء في داخله.
- وأشار الأستاذ المساعد في كلية العلوم البيئية جامعة أم درمان الأهلية، الدكتور/ خالد محمد الحسن، إلى دراسة سابقة أعدَّها المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، كشفت عن وجود تركيز غير طبيعي يَفُوقُ المستوى المسموح به للزئبق والسيانيد في المناطق المجاورة لمناطق التعدين.
مخاطر تسريب الزئبق في مناطق التعدين:
- إنَّ تسريب الزئبق المستخدم بشكلٍ واسعٍ في مناطق التعدين في السودان، والَّذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية واحدًا من أخطر (10 مواد كيماوية)، يُسبِّب أضرارًا كبيرةً لسلامة السكان والكائنات الحية في المناطق القريبة من مواقع التعدين؛ إذ يُؤثِّر على الجهاز العصبي والمخ والقلب والكُلْيتين والرئتين والجهاز المناعي والعقم، وتشويه الأجنَّة والتشوُّهات الجلدية.
- وتُوضِّح أن الخطورة الأكبر للزئبق تكمُنُ في تواجده مع مخلفات الذهب التي لا يتمُّ التخلص منها بالشكل المطلوب؛ حيث يتحوَّل من فِلِزٍّ طبيعي إلى صور أخرى نشطة تُشكِّل مخاطر مدمرة لسلامة البيئة والإنسان، وعلى مصادر المياه، وأشكال الحياة كافَّة، بما في ذلك التنوُّع البيولوجي والكائنات الحية الأخرى (الماشية، والطيور المهاجرة).
- إن الخطر يتزايد أكثر في حال جَرْف مياه السيول والرياح موادَّ مُشعَّة وخطرة أخرى مختلطة بالمخلفات؛ مثل: اليورانيوم، والبلوتونيوم، وغيرها من المواد المُشعَّة أو الفِلِزَّات الثقيلة المستخرجة مع مخلفات الذهب من أماكن التنقيب؛ حيث تجد تلك الموادُّ طريقها إلى مصادر مياه الشرب والمزارع، ويتعاظم بالتالي خطرُها على سلامة الإنسان والبيئة.
السُّيول سلاح ذو حدَّين:
إنَّ السيول التي اجتاحت البلاد سلاحٌ ذو حدَّين، فيمكن أن تغسل التربة من السموم والملوثات، وتخفف تركيزها وآثارها من وجهة السلامة، بينما يُخشَى على نطاقٍ واسعٍ من انتقالها بتركيزٍ عالٍ إلى مناطق أخرى.
وَضْع خطة لإدارة الكارثة:
- لا بدَّ من الاستجابة السريعة بمجرَّد وَقْف الحرب، ومخاطبة الجهات العالمية منذ مرحلة الاستجابة؛ لأنها تتطلَّب قياسات ومعالجات سريعة، إضافةً إلى خطة إصلاحية تبدأ بوقف النشاط الذي تَسبَّب في الكارثة.
- إنَّ الوضع يستوجب في الأوضاع الطبيعية للدول المستقرَّة إعلان حالة طوارئ للحيلولة دون وقوع كارثة بيئيَّة، وبناء شبكات وإقامة بُنْية تحتيَّة، بما في ذلك الاستعدادات الهندسية اللازمة.
- تكوين فريق عمل على الأرض يستجيب للكارثة، ويعمل على تخفيف وَطْأتها، والتعافـي منها، إلى جانب الاستعانة بخبرات الجهات العالمية المختصَّة، بما في ذلك الاستعانة بالأقمار الاصطناعية، وإجراء المقارنات المطلوبة بعد أَخْذ العينات وتحليلها.