في صباح يوم 15 يوليو 2025، استيقظ سكان مدينة نيويورك على مشهد غير معتاد: شوارع تحوّلت إلى مجارٍ مائية، محطات مترو غمرتها المياه بالكامل، وسيارات عالقة تحت الأنفاق. بحسب هيئة الأرصاد الأمريكية، سجلت المدينة أكثر من 110 ملم من الأمطار خلال 8 ساعات فقط، وهي كمية تعادل تقريبًا معدل شهر كامل. الفيديوهات المنتشرة أظهرت مواطنين يحاولون الهروب من المياه، وعاملين في المرافق يحاولون إنقاذ أنظمة الكهرباء من الغرق. رغم التقدم التكنولوجي والبنية التحتية المتطورة في المدينة، إلا أن الكارثة وقعت.
حادثة نيويورك لم تكن الأولى من نوعها، ففي عام 2021، شهدت العاصمة الصينية بكين حادثًا مشابهًا عندما غمرت المياه أحد أنفاق المترو، ما أدى إلى وفاة 12 شخصًا بسبب عدم القدرة على الإخلاء السريع. وتكررت حوادث شبيهة في ألمانيا، باكستان، وحتى دول الخليج.
ما يجمع بين هذه الحالات هو عنصر المفاجأة، وضعف الأنظمة التصريفية، وغياب خطط الطوارئ الفعالة.

تحديات السلامة في بيئة حضرية معرضة للغرق
- البنية التحتية القديمة:
العديد من شبكات الصرف مصممة لتحمّل معدلات أمطار تقليدية، لا الفيضانات المفاجئة الناتجة عن تغيّر المناخ. - نقص أنظمة الإنذار المبكر:
في حالات كثيرة، لم يتم تحذير السكان إلا بعد أن تجاوزت المياه حدود الأمان، ما عرّض حياتهم للخطر. - تكدّس حضري يُعقّد الإخلاء:
الشوارع المزدحمة والمباني العالية تعيق عمليات الإخلاء الطارئ وتزيد من الخسائر. - ضعف الوعي المجتمعي بالإجراءات الوقائية:
*عدد كبير من المواطنين لا يعرف كيف يتصرف في حال حدوث فيضان سريع أو تماس كهربائي نتيجة المياه.
لفهم التحدي الحقيقي، من الضروري التمييز بين أنواع الفيضانات التي قد تواجه المدن:
- الفيضانات المفاجئة (Flash Floods): تحدث نتيجة هطول أمطار غزيرة في وقت قصير، وغالبًا ما تصيب المناطق الجبلية أو المنحدرة، وتتميز بسرعة تدفق عالية تجعلها الأكثر فتكًا من حيث الوقت والاستجابة.
- الفيضانات المطرية الحضرية (Pluvial Floods): تحدث عندما تتساقط كميات كبيرة من الأمطار داخل المدن ولا تجد منفذًا كافيًا للتصريف، كما حدث في نيويورك. هذه النوعية لا تتطلب وجود نهر قريب، بل ترتبط مباشرة بضعف البنية التحتية.
- الفيضانات النهرية (Fluvial Floods): تنتج عن فيضان الأنهار بسبب تراكم الأمطار أو ذوبان الثلوج، وغالبًا ما يكون لها مسار زمني أطول يسمح ببعض الإنذار، لكنها تؤثر على نطاقات جغرافية واسعة.
عدم التفرقة بين هذه الأنواع قد يؤدي إلى تطبيق حلول غير مناسبة أو تجاهل مصادر الخطر الحقيقية.
الحلول المقترحة
- الاستثمار في أنظمة التصريف الذكية
توصي منظمة UNDRR بأن تُخصص المدن 10% على الأقل من ميزانية البنية التحتية لحلول مقاومة الفيضانات، مثل الطرق المنفذة للماء، والخزانات السفلية. - تطبيق معايير دولية للبناء الحضري المقاوم للمياه
مثل معيار ISO 22327 الخاص باستراتيجيات الحد من الكوارث، ومعيار NFPA 1600 لإدارة الطوارئ والكوارث. - إنشاء خريطة مخاطر مائية حضرية
تُحدَّث دوريًا لتوضيح المناطق الأكثر عرضة للتجمعات المائية، ومواقع نقاط الطوارئ، وطرق الإخلاء السريع. - تدريب فرق الطوارئ على سيناريوهات الغمر المفاجئ
مع إنشاء مراكز لوجستية للطوارئ داخل الأحياء المكتظة. - رفع الوعي العام عبر المدارس والمنصات الإعلامية
ببرامج مبسطة توضح كيفية التصرف في حالة الفيضانات، خاصة للأطفال وكبار السن.
الحوادث المتعلقة بالفيضانات المفاجئة في المدن لا يمكن فصلها عن تغيّرات المناخ، لكنها أيضًا ليست قدرًا لا يُمكن تفاديه.
السبب الحقيقي لا يكمن فقط في كمية الأمطار، بل في غياب التنسيق بين التخطيط الحضري وإدارة المخاطر. لا يكفي أن نُجدد الطرق أو نحسن واجهات المباني، إن لم تكن تحتها شبكات تصريف قادرة على مواكبة الأزمات.
السلامة هنا تبدأ من التخطيط، وتمر بالتنفيذ، وتنتهي بالاستجابة السريعة. وعلى المدن الذكية أن تدير مياهها كما تُدير بياناتها: بمرونة، وتنبيه، وتكامل.