اندلع في الثالث والعشرين من يونيو الماضي حريقٌ هائلٌ في مصنع للمنسوجات بمحافظة الشرقية بمصر، وبفضل الله تمكَّنت قوات الحماية المدنية من السيطرة على الحريق، إلا أنَّ الحريق أسفر عن إصابة ما يقرب من (26 حالة اختناق)، جرى إسعاف ستةٍ منهم في محيط الحادث، بينما تمَّ نقل الباقين إلى المستشفيات لتلقِّي العناية الطبية
ويتسبَّب التعرُّض لدخان الحرائق في حدوث اختناقٍ للأفراد الموجودين في مكان الحريق، ما يُسْفر عنه الإصابة بالكثير من الأعراض، وخلافًا للاعتقاد الشائع، فإنَّ السبب الرئيس للوفاة -في حالة نشوب حريقٍ- ليس الحروق، بل استنشاق الدخان، فيُمْكن للدخان السام أن يقتل شخصًا حتى قبل أن تصله النار.
وأثناء الحرائق يستنفد الأكسجين بسرعةٍ، ويتم إطلاق كمية كبيرة من الغازات السامَّة -مثل: أول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكربون، وسيانيد الهيدروجين، وكلوريد الهيدروجين- في الهواء، ثم يتم استنشاقها من قِبَلِ الضحايا، فتتسبَّب هذه الغازات السامَّة في إصابات الرئة؛ ما يؤدي إلى انسداد الجهاز التنفسي، وإصابة الخلايا، وفشل الأعضاء، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من (80%) من جميع الوفيات المرتبطة بالحرائق ناتجة عن التسمُّم بأول أكسيد الكربون أثناء الحرائق.
لذا، يجب التدخُّل على الفور للحد من المشكلات الصحية الناجمة عن الحريق، وفي هذا المقال سنتطرَّق سريعًا لأهم إرشادات السلامة التي ينبغي اتِّباعها لمنع استنشاق الدخان، وللتعامل مع حالات الاختناق أثناء الحرائق.
ما الذي يجب فِعْلُه لمنع استنشاق الدخان؟
للوقاية من خطر إصابة الرئة والتسمُّم بالدخان، اتَّبعِ الخطوات التالية:
- الهرب والخروج من مكان الحريق :
- تَصرَّف بمجرد أن تشعر بالخطر، وابحث عن طرق الخروج.
- ابحث عن مخرج بدلًا من البقاء محاصرًا داخل غرفة آمنة.
- الحرص على تحسُّس الأبواب قبل فتحها، وإذا شعرت بالسخونة، فقد يكون هناك حريق على الجانب الآخر من الباب؛ لذا اتركه مغلقًا، وضع الملابس أو المناشف أو الجرائد في شقوق الباب لإبعاد الدخان.
- حتى لو كان الباب باردًا، افتحه ببطءٍ، وقف منخفضًا وعلى جانب واحد من الباب في حالة تسرُّب دخان أو أبخرة من حوله.
- إذا دخلت الحرارة والدخان، أغلق الباب بإحكامٍ، أو ضَعِ الملابس أو المناشف أو الجرائد في شقوق الباب لإبعاد الدخان، واستخدم طريقك البديل للخروج.
- إذا كنت ستفتح نافذةً للهروب، فتأكَّد من إغلاق النوافذ والأبواب الأخرى في الغرفة بإحكامٍ، وخلاف ذلك قد يسحب تيار الهواء من النافذة المفتوحة الدخان والنار في الغرفة.
- إذا كان الممر خاليًا من الدخان، فقُمْ بالسير بهدوءٍ إلى أقرب مخرج حريق، وقُمْ بإخلاء المبنى.
- في حال وجود الدخان :
-
- يجب الانبطاح أو خفض الجسم -وخاصةً الرأس- في حال وجود الدخان؛ للتقليل من خطر استنشاقه.
- يجب تجنُّب الزحف على البطن؛ لأن الغازات السامَّة الثقيلة يمكن أن تترسب وتُشكِّل طبقةً رقيقةً على الأرض.
- يجب حَبْس الأنفاس قدر الإمكان، والتنفُّس بعمقٍ من الأنف – خُذْ قطعة قماش أو قطعة كبيرة من ملابسك، ثم بلِّلها وثبِّتها على أنفك وفمك، وسيقوم الماء بتصفية الغازات السامَّة، ويمنعك من استنشاقها.
- اختراق النيران :
-
- إذا كان الهروب من موقع الحريق يستلزم اختراق منطقةٍ بها نيران، فيمكن تغطية الجسم بمفرش أو بطانية مُبلَّلة مع مراعاة تغطية الفم والأنف بقماش مبلل لتقليل أثر الدخان. وأيضًا أَبْقِ رأسك منخفضًا لأسفل، وأغلق عينيك قدر الإمكان.
- في حالة اشتعال النار في ملابسكم، توقَّفوا – ممنوع الركض، وانزلوا بحذرٍ للأرضية، وتدحرجوا ذهابًا وإيابًا حتى تنطفئ النار، بحيث يكون الوجه مُغطًّى باليدين.
- في حالة مواجهتكم شخصًا مشتعلًا، قوموا بإنزاله على الأرضية، ودحرجوه حتى تنطفئ النار.
أعراض التعرُّض للاختناق:
يتسبَّب الدخان المتصاعد من الحرائق في الإصابة بالاختناق نتيجة نقص الأكسجين، وزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون؛ مما يُعرِّض الشخص لعددٍ من الأعراض، أبرزها ما يلي :
- السعال الشديد.
- ضيق التنفس.
- سرعة في ضربات القلب.
- الشعور بالنهجان.
- سيلان في اللعاب.
- وَخْز في الأطراف.
- الغثيان.
- الإغماء.
إرشادات السلامة للتعامل مع حالات الاختناق أثناء الحرائق:
عند تعرُّض الشخص للاختناق بسبب الحرائق، يجب التدخُّل على الفور للحد من المشكلات الصحية الناجمة عن الحريق، وذلك عن طريق القيام بالإسعافات الأولية المطلوبة، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
- يجب نقل الشخص في مكانٍ جيد التهوية بعيدًا عن مكان الحريق، وذلك لمساعدته على تنفُّس أكسجين طبيعي، وحتى لا يتشبَّع دمه بالمزيد من ثاني أكسيد الكربون.
- مساعدته على النوم على الجانب الأيسر، وذلك بهدف تحسين تدفق الدماء في الجسم؛ ممَّا يساعد على التنفس بصورة أفضل، ويُعرَف هذا الوضع بـ (وضع الإفاقة).
- إذا كان الشخص لا يستطيع التنفس، فيجب مساعدته على التنفس عن طريق الإنعاش القلبي الرئوي.
إنعاش القلب الرئوي:
- أَرِحِ الشخص ببطءٍ على ظهره، وضع نهاية كف إحدى يديك على منتصف الصدر عند خط الحلمة، ويمكنك الضغط بيدٍ واحدةٍ فوق الأخرى.
- اضغط على الصدر بمقدار (4 إلى 5 سنتيمتر) للأسفل على الأقل، وتأكد من عدم الضغط على الضلوع.
- بالنسبة للطفل الرضيع، ضع إصبعين على عظم القص، ثم اضغط لأسفل بمقدار بوصة ونصف، وتأكد من عدم الضغط على نهاية عظم القص، أمَّا الأطفال الكبار فيُعامَلون بنفس طريقة إنقاذ البالغين.
- قم بالضغط على الصدر فقط بمعدل (100-120 ضغطة في الدقيقة أو أكثر)، ودَعِ الصدر يرتفع تمامًا بين كل ضغطةٍ تقوم بها، وتابع اختبار تنفس الشخص لمعرفة ما إذا كان الشخص قد بدأ في التنفس أم لا.
- إذا كان الشخص ما زال لا يتنفس، فعلينا مباشرة عملية التنفس، وذلك عن طريق ما يُسمَّى بـ (التنفس من الفم للفم)، وتتم من خلال الخطوات الآتية:
- أمسك رأس المصاب بكلتا اليدين بعد وَضْعه على ظهره، ثم أرجع الرأس للخلف، وادفع ذقن الشخص للخلف.
- أغلق فتحتي الأنف للمصاب.
- خُذْ نفسًا عميقًا، ثم حَكِّم شفتيك على شفتي المصاب، والنفخ بقوة حتى يرتفع صدره مع مراقبة حركة القفص الصدري، ويكون إعطاء النَّـفَس الأول لدقيقة واحدة فقط، مع مراقبة صدر المصاب لرؤية ما إذا كان يرتفع.
- قُمْ بإعطاء النَّـفَس الثاني في حال ارتفاع الصدر متبوعًا بـ (30 ضغطة) حتى يبدأ الشخص في التنفُّس.
- قُمْ بإبعاد فمك، والسماح لصدر الشخص المصاب بالهبوط.
- يجب عدم إعطاء كمية هواء أكثر من اللازم، أو الضغط بقوة؛ لأنَّ ذلك يؤدي إلى حدوث تضخم في المعدة، فيؤدي إلى الاستفراغ.
- بالرغم من القيام بالخطوات السابقة، يجب الإسراع في نقل المريض للمستشفى لضمان سلامة المريض، وللاطمئنان على سلامة الوظائف الحيوية للجسم.
ممارسات خاطئة:
هناك بعض العادات الخاطئة التي يقوم بها البعض عند إسعاف المريض، والتي لا تُجْدي نفعًا، ولكنها تعود عليه بمزيدٍ من الضرر، ومن أبرزها ما يلي:
- النفخ في وجه المريض؛ ممَّا لا يساعده على التنفس بشكلٍ سليمٍ، وإنما يزيد شعوره بالاختناق.
- محاولة إعطاء المصاب الماء أو أي مشروباتٍ؛ مما يعمل على سد مجرى التنفس، خاصةً عند الإصابة بالسعال.
- التجمُّع وتكدُّس الكثيرين حول الشخص المصاب؛ مما لا يساعده على التنفس بشكلٍ سليمٍ، وإنما يزيد شعوره بالاختناق.
- البكاء الكثير، والحديث عن المضاعفات التي قد يتعرَّض لها الشخص المصاب؛ مما يزيد من خوفه وقلقه، فهو يحتاج لحسن التصرُّف، ومزيد من الهدوء النفسي حتى يهدأ رَوْعه.
خاتمة:
(الوقاية خيرٌ من العلاج)؛ لذا يجب تفعيل دور الهيئات الرقابية، ومعاقبة وغلق المصانع المخالفة، والتي يثبت تهاونها في اتِّباع اللوائح والقوانين الخاصة بالسلامة، فيجب التأكُّد من وجود وسلامة عمل الأنظمة الخاصة بالكشف وإنذار وإطفاء الحريق في تلك المصانع، كما يجب تفعيل دور لجان السلامة داخل تلك المنشآت، وإقامة الدورات التدريبيَّة للعمال لتأهيلهم جيدًا حتى يتمكَّنوا من التعامل مع مثل هذه الحوادث الطارئة.