الانطباعات المسبقة عادةً تؤدي إلى أحكام وردود أفعال غالبًا ما تكون خاطئةً؛ لأنها لَم تُبْنَ على الحقائق، وأحد أشهر هذه الانطباعات: هي أن المرأة لا تُجيد القيادة، فهل هذا صحيح؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، دَعْنا أولًا نتعرَّف على معنى كلمة (إجادة):
«الإجادة» في اللغة العربية هي كلمة مشتقة من الجيد، وتعود على العلم، أو القول، أو العمل. أجاد الطالب بمعنى أتى بالجيِّد من قولٍ أو عملٍ في طلب العلم. أن يُجِيد الإنسان القيادة فهو آتٍ بالجيد من علمٍ أو عملٍ في قيادة المَرْكبة. وبعد أن اتفقنا على التعريف، فهيَّا بنا عزيزي القارئ نبحث عن مدى إجادة المرأة لقيادة المَرْكبة.
أولًا: الإجادة العلمية:
تبدأ رحلة القيادة بالمعرفة والعلم، فلا يمكن أن يحصل أحدٌ على رخصة القيادة بدون اجتياز اختبارٍ يؤهله للقيادة. وفي تقريرٍ أعدَّته وكالة الـ BBC في 2018م، عن نِسَبِ نجاح الرجال والسيدات في اختبارات القيادة بإنجلترا، فقد كانت نسبة نجاح السيدات في الاختبار النظري (51%)، بينما كانت نسبة نجاح الرجال في نفس الاختبار (48%)، أمَّا عن الاختبار العملي، فكانت نسبة نجاح السيدات (43%)، بينما كانت نسبة نجاح الرجال في نفس الاختبار (47%).
وفي دراسةٍ نُشِرَت عن تقييم السلامة المرورية في مصر: تبيَّن أن مصادر المعرفة لأساسيات المرور تختلف حسَب نوع الطالب، (31%) من الرجال يتعلَّمون مبادئ القيادة من جهةٍ غير جهة التعليم الأساسية؛ مثل: الراديو، والتلفاز، والأصدقاء، في مقابل أن (37) من السيدات يعتمدن على ما درسته في المدارس الابتدائية والإعدادية.
ثانيًا: الإجادة العملية:
وتُقَاس إجادة العمل من خلال دراسات محددة تُجرَى على السائقين والسائقات. ومن وقائع دراسة أُجْرِيَتْ في أثيوبيا، فالرجال أكثر عُرضةً من السيدات لحوادث السيارات بمعدل الضِّعف، مع العلم أن هذه الدراسة تضمَّنت نفس نسبة الرجال للسيدات، وهذه النتيجة راجعةٌ إلى أنَّ السيدات أكثر حرصًا على القيادة الآمنة من الرجال، وأقل نسبة في كسر قوانين المرور.
ومن نتائج دراسة أخرى أُجْرِيَت في الولايات المتحدة الأمريكية: أنَّ معدل وفيات السائقين من الرجال أكثر من ثلاثة أضعاف مثيله بين السائقات، مع الأخذ في الاعتبار نسبة السائقين من الرجال والإناث في تلك الدراسة. هذه النسبة المُتضخِّمة ترجع إلى نوع القيادة المُتَّبعة من الرجال، فالرجال يَميلون للقيادة العدوانية، أو ما يُسمَّى (aggressive driving behavior (، وتشمل سلوكيات القيادة العدوانية: السرعة، والقيادة على مسافة قريبة جدًّا من السيارة الأمامية، وعدم احترام لوائح المرور، وتغيير الحارة المرورية بشكلٍ غير منضبطٍ، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
عدم الانضباط هذا أدَّى لإعلان البنك الدولي عام 2021م في إحدى مُدوَّناته أن أغلب الضحايا في الحوادث المرورية المؤدية للوفاة على الطرق كسائقي سيارات وراكبي دراجات نارية هم من الرجال، بينما أغلب الضحايا في الحوادث المرورية المؤدية للوفاة على الطرق كمُشاةٍ وركاب سيارات هم من السيدات.
وبِنَاءً على الحقائق -لا الانطباعات- اسمح لي عزيزي القارئ أن أسألك:
هل تجيد المرأة القيادة؟
إذا اختلفنا على الإجابة، فلنتَّفق جميعًا على اتِّباع قواعد السلامة المرورية.