مقدمة:
أصبحت أماكن العمل اليوم أكثر تنوُّعًا من أي وقتٍ مضى، حيث ينحدر الموظفون من خلفيات وقدرات وخبرات ثقافية مختلفة، وهذا التنوُّع يجلب معه مجموعةً واسعةً من المهارات، ووِجْهات النظر التي يمكن أن تفيد المنظمات، ومع ذلك فإنَّه يُمثِّل أيضًا تحديات وفرصًا فريدة عندما يتعلَّق الأمر بالسلامة والصحَّة في مكان العمل، ومن خلال إعطاء الأولويَّة للتنوُّع والشُّمول والسلامة، يمكن للمؤسسات خَلْق مستقبل أكثر أمانًا وصحةً وازدهارًا للجميع.
تعريف التنوُّع في مكان العمل:
التنوُّع في مكان العمل هو المصطلح المستخدم لمكان العمل المُكوَّن من أفراد لديهم مجموعة واسعة من الخصائص، بما في ذلك العِرْق، والجنس، والحالة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، والعمر، والقدرة البدنيَّة، والمزيد.
وينبغي عدم الخلط بين التنوُّع والعدالة أو الشمول، وعلى الرغم من أن العدالة غالبًا ما تكون مُدْمجة بالتنوُّع، إلا أن التنوُّع يخلق وصولًا عادلًا إلى الفرص، والتقدُّم، والعلاج للجميع، ويتضمَّن الإدماج خَلْق بيئة يشعر فيها جميع الموظفين بالترحيب والاحترام والتقدير لِمَا هم عليه.
أهمية التنوُّع في مكان العمل:
وجود مكان عمل متنوِّع ومتعدِّد الثقافات يجلب العديد من المزايا، ونظرًا لأن عالم اليوم يزداد عولمةً وترابطًا، فيجب أن تستفيد أماكن العمل من مجموعة متنوعة من المهارات التي يمكن للأفراد من خلفياتٍ ولغاتٍ مختلفةٍ جَلْبها.
إنَّ تحقيق التنوُّع في مكان العمل يعني أنك تُبْرز أفضل ما في مُوظَّفيك، وتسمح لهم بالوصول إلى إمكاناتهم الكاملة، ومن خلال القيام بذلك يستفيد مكان عملك؛ لأنَّه يُشجِّع مجموعة مواهب أكثر تنوعًا وابتكارًا.
ويعمل التنوُّع في مكان العمل على تحسين جودة البيئة التي تُقدِّمها لموظفيك، ويمكن أن يكون لهذا وحده تأثيرٌ كبيرٌ على إنتاجية وكفاءة مكان عملك، ولكن هناك أيضًا بعض الفوائد القابلة للقياس التي تجعل التنوُّع في مكان العمل مهمًّا لأي شركة، ويشمل بعض مزايا التنوُّع في مكان العمل ما يلي:
- تنوُّع مكان العمل يُسْهم في تحسين عمليَّات صُنْع القرار والنتائج:
يعني التنوُّع في مكان العمل أنَّ شركتك تجمع المزيد من الأفكار من مجموعةٍ من وِجْهات النظر، ويساعد هذا في توفير حلولٍ أكثر تنوعًا للتحديات الشائعة، وحتى غير الشائعة في مكان العمل، ونظرًا لأنَّ لديك المزيد من وِجْهات النظر للتعامل مع هذه التحديات، فمن الأسهل والأكثر كفاءةً العثور على حلول فعَّالة، وعلاوةً على ذلك فإنَّ تبنِّي التنوُّع يساعد على خَلْق أفكار جديدة، وتبديد التحيُّزات السلبيَّة، وخَلْق بيئة عمل أفضل للجميع.
- يُقدِّم التنوُّع لشركتك مَيْزة تنافسيَّة:
إنَّ الموظفين الذين يشعرون بالقبول والتقدير في العمل، يكونون أكثر سعادةً، ويميلون إلى البقاء في الشركة لفترة أطول, ويوفر هذا ثروةً من المزايا التنافسية، ليس أقلها أنَّه من المحتمل أن تحتفظ شركتك بمزيدٍ من كبار الموظفين الذين هم خبراء فيما تفعله، والموظفون السُّعداء هم أيضًا أكثر عُرْضةً للانخراط في مكان عملك؛ ممَّا يعني أنك تحصل على المزيد من المشاركة المفيدة، والتعليقات التي تساعد شركتك على النمو.
- يُسْهم تنوُّع مكان العمل في سُمْعة الشركة الإيجابيَّة:
الشركات التي تستثمر في ثقافة التنوُّع وتُعزِّزها حقًّا، يُنظَر إليها علنًا على أنها مسئولة إنسانيًّا واجتماعيًّا، ولا يؤدِّي ذلك إلى تحسين شعور العملاء تجاه الشركة فحسب، بل يساعد أيضًا في جذب المزيد من المواهب، فاليوم يبحث الموظفون المؤهَّلون عن أصحاب عملٍ يَقبلون ويُشجِّعون مَنْ هم من خلفيات متنوعة.
- التنوُّع يبني أماكن عمل أقوى:
إنَّ القوى العاملة الحديثة اليوم تتوقَّع التنوُّع، وتوفر أماكن العمل المتنوعة نهجًا شاملًا لكيفيَّة خدمة الشركات للعملاء، فضلًا عن كيفيَّة حلِّهم للتحديات الداخلية، وتظهر أماكن العمل المتنوِّعة أنها أكثر ربحية، وأكثر احتمالًا للاحتفاظ بأفضل المواهب، وأكثر احتمالًا لخَلْق بيئات إيجابية يزدهر فيها الموظفون.. إنَّ التنوُّع في مكان العمل يعني احتضان الاختلافات التي يجلبها كلُّ موظف لشركتك، والاحتفاء بها وتقديرها، ولا يؤدِّي هذا إلى إنشاء مكان عمل أكثر جاذبية وداعمة فحسب، بل إنه يجعل مكان عملك أيضًا مكانًا أفضل لك.
كيف يؤثر التنوُّع والشُّمول في مكان العمل على الصحَّة والسلامة؟
- التنوُّع والشُّمول يخلقان قوةً عاملةً أكثر صحة:
عندما تفي الشركة بوعودها، فإنَّها تكتسب ثقة الموظفين القيمة، ويؤدِّي تبنِّي قِيَم متنوِّعة وشاملة إلى زيادة رضا الموظفين، وهذا يؤدِّي إلى تحسين الإنتاجيَّة والربحيَّة.
والموظفون الذين يشعرون بالتمكين في وظائفهم، هم أكثر عُرضةً للشعور بالسعادة في مكان العمل، وهذا يُعزِّز ثقة الموظف التي تؤدِّي إلى أفكار مبتكرة، وتستفيد الشركة من خلال تحسين التكنولوجيا، والكفاءة، وجودة الخدمات.
- يُسْهم الاحتفاظ بالموظفين في مكان عمل أكثر أمانًا:
يؤدِّي مكان العمل المتنوِّع والشامل إلى زيادة مشاركة الموظفين وأدائهم والاحتفاظ بهم، ويقلُّ احتمال تَرْك الموظفين لوظائفهم.
ولجذب ودعم العمال رفيعي المستوى والمنتجين، تحتاج الشركات إلى بعض الاستراتيجيات لتطوير مكان عمل صحي وآمن، وتؤدِّي ممارسات التوظيف المتنوِّعة وغير التمييزية إلى تحسين الأداء.
وتشمل هذه الاستراتيجيات:
- التطوير المهني المدعوم من الشركات حول التنوُّع والشموليَّة.
- تحديد وإزالة العقبات التي تَحُولُ دون تعزيز الصحة النفسيَّة.
- تعزيز موقف الشركات الإيجابي تجاه التنوُّع.
- انخفاض معدل دوران الموظفين ومؤشرات الإجهاد.
- تعزيز زيادة ولاء الموظفين.
الفجوة بين السلامة والتنوُّع:
التنوُّع والشُّمول والسلامة في العمل كلها مترابطة، وتشير الأبحاث إلى أن التنوُّع بين الموظفين يؤثر بشكل مباشر على أداء السلامة، ولسوء الحظِّ هذا التأثير ليس دائمًا إيجابيًّا، وتكشف الدراسات أنَّ الأقليات العِرْقية والعنصرية غالبًا ما تعانـي من نتائج سلامة أكثر سلبيةً، مقارنةً بنظرائهم البِيض، وتُسْهم الاختلافات اللُّغوية، والتفاوتات الثقافيَّة، والفروق الدينيَّة، وقضايا الأمن الوظيفي، والتجارب السابقة المختلفة- في هذه التناقضات.
- وظائف عالية الخطورة: من المُرجَّح أن يتمَّ توظيف عمال الأقليات العِرْقِية والعنصرية في وظائف عالية الخطورة مقارنةً بالعمال من المواطنين الأصليِّين.
- معدلات الإصابة: معدل الإصابة للعمال من الخارج أعلى بشكلٍ ملحوظٍ من العمال المحليِّين.
- عدم الإبلاغ: تشير الدراسات إلى أنَّ العمال من الأقليَّات قد يكونون أقل عُرْضةً للإبلاغ عن الظروف غير الآمنة؛ خوفًا من فقدان وظائفهم؛ ممَّا يؤدِّي إلى احتمال عدم الإبلاغ عن مخاطر السلامة.
سدُّ الفجوة بين السلامة والتنوُّع:
لمعالجة هذه الفجوات، وتحسين السلامة والصحَّة في مكان العمل، يجب على المنظمات إعطاء الأولويَّة للتنوُّع والعدالة والشمول، ويبدأ هذا بخَلْق الوعي والفهم لكيفيَّة تأثير عوامل (مثل: التمييز العنصري، وحواجز اللُّغة، والاختلافات الثقافية) على التدريب والالتزام بالسلامة، وخبرة العمل الإجماليَّة، ومن طرق معالجة هذه الفجوات:
- التدريب المسؤول ثقافيًّا: تطوير برامج تدريبيَّة تراعي الخلفيات والخبرات المتنوِّعة للموظفين.
- تطوير بيان مهمتك: إنشاء قياسات وأهداف يمكن وَضْعها لقياس فعالية جهود التنوُّع.
- التواصل بانفتاح: إنَّ السماح للموظفين بمعرفة أنَّ هناك جهودًا تُبذَل لإنشاء مكان عمل أكثر إنصافًا، وطلب التعليقات- أمرٌ لا يُقدَّر بثمن في الحدِّ من المخاطر النفسيَّة والاجتماعيَّة.
- تعزيز التنوُّع في القيادة: الاستثمار في التوظيف، والتدريب، والتوجيه، والاحتفاظ بالمواهب المتنوعة عَبْر جميع المستويات التنظيمية.
تحديات التنوُّع في مكان العمل:
هناك تحديات لإدارة مجموعة متنوِّعة من العمل، وإدارة التنوُّع هي أكثر من مجرد الاعتراف بالاختلافات بين الناس، وهو ينطوي على الاعتراف بقيمة الاختلافات، ومكافحة التمييز، وتعزيز الشمولية، وقد يواجه المديرون أيضًا تحديات الخسائر في إنتاجيَّة الموظفين والعمل بسبب التحيُّز والتمييز، والشكاوى والإجراءات القانونيَّة ضد المنظمة.
ويمكن أن تكون المواقف والسلوكيات السلبيَّة حواجز أمام التنوُّع التنظيمي؛ لأنها يمكن أن تضُرَّ بعلاقات العمل، وتَضُرَّ بالروح المعنوية، وإنتاجيَّة العمل، وتشمل المواقف والسُّلوكيات السلبيَّة في مكان العمل التحيُّز، والقوالب النمطيَّة، والتمييز، والتي لا ينبغي أبدًا استخدامها من قِبَلِ الإدارة في ممارسات التوظيف والاحتفاظ، وإنهاء الخدمة (يمكن أن تؤدِّي إلى التقاضي المكلف).
الأدوات المطلوبة لإدارة التنوُّع:
يُدْرك المديرون الفعَّالون أن بعض المهارات ضروريَّة لإنشاء قوة عاملة ناجحة ومتنوِّعة:
أولًا: يجب على المديرين فَهْم التمييز وعواقبه.
ثانيًا: يجب على المديرين التعرُّف على تحيُّزاتهم الثقافية، فالتنوُّع لا يتعلَّق بالاختلافات بين المجموعات، بل بالاختلافات بين الأفراد، وكلُّ فرد فريد من نوعه، ولا يُمثِّل أو يتحدَّث باسم مجموعة مُعيَّنة.
أخيرًا، يجب أن يكون المديرون على استعداد لتغيير المنظمة إذا لزم الأمر، وتحتاج المنظمات إلى تعلُّم كيفيَّة إدارة التنوُّع في مكان العمل لتكون ناجحةً في المستقبل .
وتحتاج المنظمات إلى تطوير التدريب المستمر، وتنفيذه، والحفاظ عليه؛ لأنَّ جلسة تدريب ليومٍ واحدٍ لن تُغيِّر سلوكيات الناس، ويجب أن يفهم المديرون أيضًا أن العدالة لا تعني بالضرورة المساواة، بل هناك دائمًا استثناءات للقاعدة.
الخاتمة:
لضمان السلامة في مكان العمل، يجب على أصحاب العمل أيضًا النظر في الصورة الأكبر من خلال سدِّ فجوة السلامة، وغالبًا ما يتمُّ تصميم مساحات العمل مع وَضْع مجموعات مُعيَّنة من الامتيازات في الاعتبار؛ ممَّا يجعلها سهلةً ومُدَارةً بشكلٍ جيِّد لبعض الموظفين، بينما تُشكِّل تحديًا لقوة عاملة أكثر تنوعًا.
بالإضافة إلى الواجب الأخلاقيِّ الأساسيِّ، فإن تبنِّي التنوُّع والعدالة والسلامة داخل المنظمة يمكن أن يكون له تأثيرٌ تحويليٌّ، ومن خلال تعزيز بيئةٍ شاملةٍ يمكن للمؤسسات معالجة الإجهاد المرتبط بالعمل، وتحسين صحَّة الموظفين ورضاهم، وتعزيز الاحتفاظ، ودعم العمال ذوي الإعاقة، والحد من التحرُّش والتمييز في مكان العمل، وينطوي الطريق إلى تحقيق هذه الفوائد على التزام القيادة التنفيذيَّة، والطرق المنهجيَّة من أعلى إلى أسفل، وقياس الأداء، والتعليم والتدريب الفعَّالين، والتواصل الشفاف.
