التحوُّل إلى ممارسات طاقية نظيفة يعدُّ أحد أهم عوامل السلامة والاستدامة في المؤسسات، حيث يحافظ على الأرواح والممتلكات التي هي عصب أهداف السلامة، كما يحافظ على البيئة والمدخلات الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم عليها الاستدامة، ومن هذا المنطلق الذي يتبعه يقين تام نجد أن المؤسسات والشركات والمشروعات التي تطمح إلى التنافسية، والحفاظ المكاني في الأسواق (المتغيرة اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا) لابد وأن تُدِير بوصلتها إلى الاستغلال الأمثل للطاقة (الحالية والمستقبلية) لنجد أنَّ الممارسات التي يجب أن تتبنَّاها تلك الشركات والمؤسسات تأتي على النحو التالي، وفي محاور ثلاثة متوازية:
1- نمو هيدروكربوني منخفض الكربون، وعالي القيمة.
- سيشمل المستقبل منخفض الكربون: أن نصبح أكثر كفاءةً في استخدام الطاقة من ترشيدٍ للاستهلاك، والوقوف على أسباب استنزاف الطاقة، وتقليل الحوادث الناتجة من الاستخدام الخاطئ، وغير الآمن للآلات والماكينات، وكذلك تدريب العاملين على التعامل الصحيح مع مصادر الطاقة في مواقع العمل.
- وكذلك الانتقال إلى أنواع الوقود ذات الانبعاثات المنخفضة، (مثل: الانتقال من النفط والفحم إلى الغاز)، والابتعاد في النهاية عن الوقود الأحفوري كليًّا.
- زيادة استخدامنا للكهرباء والطاقة الحيوية للتدفئة والنقل، وبعض الأعمال الصناعية.
2- إزالة الكربون.
- تشمل طرق إزالة الكربون استراتيجيات طبيعية؛ مثل: استعادة الأشجار، وإدارة التربة الزراعية؛ استراتيجيات عالية التقنية؛ مثل: الالتقاط المباشر للهواء، والتمعدن المعزز؛ والاستراتيجيات الهجينة؛ مثل: المحاصيل الجذرية المحسنة، والطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه، وإزالة الكربون من المحيطات.
- يكتسب الالتقاط المباشر للهواء -وهي طريقة تكنولوجية تستخدم التفاعلات الكيميائية لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي- قوة دفع باعتبارها نهجًا واعدًا لإزالة الكربون، والذي من المحتمل أن يكون جزءًا ضروريًّا من مجموعةٍ أكبر لإزالة الكربون.
أمَّا بالنسبة للمصانع، ففي تقنية جمع الكربون وتخزينه يجري جَمْع غاز ثاني أكسيد الكربون من المصدر الصناعي أو التابع لقطاع الطاقة، ويُوضَع في تكوين جيولوجي، أمَّا في عملية جمع الكربون وتنقيته واستخدامه، يجري تنقية الغاز المجموع لإعادة استخدامه في منتجات صالحة تجاريًّا؛ مثل: الكيماويات، والأسمدة، والوقود؛ ممَّا نجد له بالغ الأثر على صحَّة العاملين، وخاصَّة الرئوية، وكذلك المدفوعات والمصروفات التي تدخل في بند الطاقة بتلك المصانع، وكذلك فلقد حافظنا على البيئة الداخلية والخارجية من تلك الملوثات التي وإنْ زادت عن طاقة استيعاب الغلاف الجوي، أصبحت ضارةً بجميع أشكال الحياة.
3- طاقة جديدة.
نجد أنَّ مصر والوطن العربي يمتلكون أكبر مصادر للطاقات الجديدة والمتجددة من طاقة شمسية – رياح – أمواج بحرية ممَّا يؤهل المنطقة وبشكلٍ رائدٍ إلى الاستعانة بتلك المصادر الممنوحة إلهيًّا، وبداية دمجها في الأنشطة الأربعة الأساسية التي تستهلك الطاقة بنسب عالية، وهي:
وبناءً على ما سبق، نجد أن لوحدات السلامة والصحة المهنية فرصًا كبيرةً في تطبيق نُظُم الطاقة الجديدة، واستغلال القديم منها بشكلٍ آمنٍ، فعندما يوصي مسئول السلامة بتخفيض الانبعاثات الكربونية في بيئة العمل، وتوفير التهويات اللازمة، وكذلك الشفاطات الطاردة، ومنها إلى فلاتر إعادة تنقية ثاني أكسيد الكربون المطرود، ودخوله مرة أخرى كطاقة مُعَادة في المحولات والمولدات الكهربية، فإنه بذلك قد حافظ على عوامل الجودة جميعها (الإنسان – الممتلكات – المصروفات)، وأنه حافظ أيضًا على الوقت المستهلك لدى الأشخاص والعاملين غير الأصحَّاء في بيئة العمل؛ حيث سيكون العمل أسرع في بيئةٍ لا إرهاق بها؛ سواء بدنيًّا أو نفسيًّا.
وكذلك فعند تطبيق تلك النُّظُم، فإن الشركة أو المؤسسة تُعزِّز من قيمتها السوقية التنافسية، وكذلك سُمْعتها القوية في الدولة التابعة لها، وكذلك تطابق الشركة مع الحِرَاكِ الدولي في مجال الحفاظ الطاقي، والتعزيز والإسراع نحو التحوُّل المستدام.
وتقوم الشركات ووحدات السلامة التي تعتمد الطاقة النظيفة بخَلْق فرص عمل جديدة، وآفاق جديدة للشركة، وثقافة متطورة.
بينما نجد أن هذا الأمر يُقيَّد بالعديد من التحديات التي تبطئ من حركته إلى الأمام، وهي على النحو التالي:
- – ارتفاع تكلفة الخفض الكربوني، والتقاط الكربون، والتحول الكامل إلى الطاقة النظيفة.
- وجود الإجراءات والرقابة التي تتيح عدم الازدواجية في تطبيق تلك النُّظم الجديدة.
- طول فترة التحوُّل الطاقي، والذي يلزم معه تجنيد طاقات الشركة البشرية والمادية للعمل على إسراع التحول.
- تلك المشروعات المبنيَّة على الطاقات المتجددة والنظيفة مشروعات استثمارية طويلة الأجل لا تُؤْتي ثمارها إلا بعد أعوام عديدة؛ مما يحتاج إلى سوق استثماري بصفات خاصة.
- قلة وجود التجارب الرائدة التي نستطيع أن نحذو حذوها، ونسير على خُطاها.
- الإجراءات والروتين.
- الثقافة العمالية، والتي لابد وأن تتغيَّر لتستوعب هذه المنظومة الجديدة.
إنَّ الحكومة المصرية اعتمدت في الآونة الأخيرة استراتيجية طويلة الأجل لتنويع مزيج الطاقة المستخدمة؛ لتحتلَّ منه الطاقة المتجددة نسبة تبلغ حوالي (42%) بحلول عام 2035، من خلال مشروعات مشتركة قادمة مع منظمات محلية ودولية، وأن مصر استطاعت توفير الكهرباء لــ (100%) من السكان وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وشعبة الإحصاءات بالأمم المتحدة، والبنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ونجد أنَّ هناك في مصر أيضًا مشروعات قيد التطوير؛ حيث تؤكد هيئة الطاقة المتجددة أن قدرات مشروعات الطاقة المتجددة قيد التطوير بمصر والتي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال العام الماضي، إذ مثَّلت ضعف نظيرتها في 2021.
وبلغت قدرات مشروعات الطاقة النظيفة قيد التطوير في مصر نحو (3570 ميغاوات)، باستثمارات أجنبية مباشرة تقارب (3.5 مليار دولار).
وقُسِّمت مشروعات الطاقة المتجددة بمصر قيد التطوير في مصر خلال العام الماضي ما بين (78%) لمشروعات طاقة الرياح بمنطقة خليج السويس على ساحل البحر الأحمر، والمعروفة بسرعات الرياح العالية، و(22%) للطاقة الشمسية.
بينما في المملكة العربية السعودية يعدُّ البرنامج الوطني للطاقة المتجددة مبادرة استراتيجية تحت مبادرة خادم الحرمين الشريفين للطاقة المتجددة، ورؤية المملكة 2030، ويستهدف زيادة حصة المملكة في إنتاج الطاقة المتجددة إلى الحد الأمثل، وتحقيق التوازن في مزيج مصادر الطاقة المحلية، والوفاء بالتزامات المملكة تجاه تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومن خلال البرنامج تعمل وزارة الطاقة على تنويع مزيج الطاقة الوطني المُستخدَم في إنتاج الكهرباء، بزيادة حصة الغاز ومصادر الطاقة المتجددة فيه، حيث تستهدف المملكة تحقيق المزيج الأمثل للطاقة، والأكثر كفاءة، والأقل كُلْفة في إنتاج الكهرباء، وذلك بإزاحة الوقود السائل والتعويض، عنه بالغاز الطبيعي، إضافةً إلى مصادر الطاقة المتجددة التي سوف تُشكِّل ما يقارب (50%) من مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2030.
استراتيجية دولة الإمارات للطاقة 2050:
في عام 2017، أطلقت دولة الإمارات استراتيجيتها للطاقة 2050 التي تعتبر أول خطة موحدة للطاقة في الدولة توازن بين جانبي الإنتاج والاستهلاك، والالتزامات البيئية العالمية، وتضمن بيئة اقتصادية مريحة للنمو في جميع القطاعات.
وتستهدف الخطة رفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة (40%)، ورفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة من (25%) إلى (50%)، وتحقيق توفير يعادل (700 مليار درهم) حتى عام 2050.
وتأخذ الاستراتيجية بعين الاعتبار نموًّا سنويًّا للطلب يعادل (6%)، وخفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة (70%) خلال العقود الثلاثة المقبلة.
وتستهدف استراتيجية الطاقة مزيجًا من الطاقة المتجددة والنووية والأحفورية النظيفة لضمان تحقيق توازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية؛ ويتضمَّن خليط الطاقة حسَب الاستراتيجية كل من الفحم النظيف والغاز والطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي على الشكل التالي:
- (44%) من الطاقة النظيفة.
- (38%) من الغاز.
- (12%) من الفحم النظيف.
- (6%) من الطاقة النووية.
وسوف تستثمر الدولة (600 مليار درهم) حتى عام 2050؛ لضمان تلبية الطلب على الطاقة، واستدامة النمو في اقتصاد دولة الإمارات.