أستهلُّ كلماتي المتواضعة بتحيَّة الإسلام: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
إن السلام والسلامة كيانٌ لا يتجزَّأ، فبدون سلامة لن نعيش في سلام.
بدايةً، لا يشكر الله گ مَن لا يشكر الناس؛ لذا وَجَب الشكر والامتنان للمعهد العربي لعلوم السلامة – قادة، وفريق عمل، وأعضاء – لِما يُقدِّمه من عطاءٍ في مجال علوم السلامة، بدايةً من المجلة العلمية التي هي بمثابة مكتبة علمية رائعة متجددة ومتنوعة، مرورًا بالمؤتمرات الدوليَّة التي تنشر علوم السلامة في أرجاء الوطن العربي، وتعمل على لمِّ الشمل، وتُقرِّب المسافات بين المختصِّين، مُتحمِّلين النفقات كافَّة، والمجهود، والوقت الثمين، هنيئًا لكم الجزاء من ربِّ العباد يا مَن تنشرون عبير زُهُوركم، وفيض عِلْمِكم، وصولًا إلى مبادرة عظيمة، والسعي نحو وطنٍ عربيٍّ آمنٍ من خلال محاضرات توعويَّة مجانية تمامًا غير هادفةٍ للربح، بل تهدف فقط لنشر رسالة سامية، وزيادة وعي وثقافة السلامة.
ويُشرِّفني وأفتخر كونـي عضوًا مؤسسًا من هذا الكيان العظيم الذي شهدت على مولده، وكل مولودٍ يُولَد صغيرًا، ولكنه وُلِدَ كبيرًا عظيمًا، وقد شَرُفت بالمشاركة في فاعليَّاته؛ سواء المؤتمرات الدولية، أو التحكيم بالمسابقات، أو المحاضرات التوعويَّة.
ومهما كتبتُ، فلن تكفي السطور والمِدَاد لتُعبِّر عن مدى شكري وامتناني للمعهد العربي لعلوم السلامة.
واختياري شخصيَّة العدد أعتبره تكليفًا وليس تشريفًا؛ تكليفًا لأنَّ الكلمة مسؤولية، وقد شرَّفتموني بحمل تلك المسؤولية العظيمة، وأتمنَّى من الله أن أكون على قدر هذه الثقة الغالية.
واسمحوا لي أن أُثِيرَ الجدل قليلًا، وأهُـزَّ عرش السلامة، وأُغيِّر شعار: «السلامة أولًا»؛ حيث إنني اعْتَدتُ العمل بالمواقع، وعلى أرض الواقع؛ لذا لا أؤمن بالشِّعارات الرنَّانة، وإعلانات المعارض: «السلامة أولًا»، ونخرج بعدها نَعُدُّ أشلاء الحوادث والإصابات في كل مكانٍ، والإحصائياتُ خيرُ شاهدٍ.
وقد أطلق (المعهد العربي لعلوم السلامة) رسالةً للعالم العربي أجمع بأننا قادرون بالفعل، ونستطيع أن يكون لنا أكوادنا الخاصة طبقًا لطبيعة بلادنا، وبالفعل لدينا خبراء يستطيعون ذلك وأكثر، وأنا أُؤيِّد هذا.
إنَّ اليابان بعد تعرُّضها لمأساة القنبلة النوويَّة – والكلُّ يعلم ما حدث لهم جرَّاء هذا الحادث الأليم – لم يستسلموا، بل بدؤوا العمل على قدمٍ وساقٍ إلى أن وصلوا إلى ما يطلقون عليه كنايةً: «كوكب اليابان»، ومن أهمِّ المناهج العلمية التي اتَّبعوها هو منهجيَّة الكايزن = Change to better = التغيير للأفضل.
وأكثر مبدأ دعم نجاح منهجية الكايزن هو ما أطلقوا عليه: «جمبا كايزن»
Gemba
وهي كلمة يابانية تعني: موقع العمل الفعلي؛ حيث يدعو هذا المبدأ إلى توجُّه المسئولين إلى موقع الحدث للاطِّلاع على الواقع، وعدم الاطِّلاع من خلال التقارير وما يتسرَّب إليهم من معلوماتٍ.
والتغييرُ هنا في الغالب يحتاج إلى جهدٍ أقل، وتفشِّي ثقافة التحسين في المؤسسة.
«الجيمبا» في نظام الكايزن الياباني هي بيئة العمل أو الـ factory floor بالتعبير المصطلحي المترجم من اللغة اليابانية، ومن أهمِّ نقاط التعامل معها هو كيفيَّة التفتيش على بيئة العمل بشكلٍ ديناميكيٍّ مستمرٍّ لرصد المخاطر، وما يتبع ذلك من تقييمها، ووَضْع وسائل للتحكُّم فيها.
وهناك ما يُسمَّى seven steps of GEMBA walking أو الخطوات السَّبعة للسَّير في بيئة العمل بغرض التَّفتيش، ورَصْد المخاطر.
ونحن لا نَقلُّ عن هؤلاء، ولا ينقصنا سوى التَّحفيز والنُّزول إلى أرض الواقع، ومن هذا المنطلق أدعو كما دعت منظمة الأيزو الدولية حينما أعلنت عن الهيكل العام للمواصفات، والذي يهدف إلى:
أولًا: التفكير القائم على المخاطر؛ سواء مخاطر مالية، أو مخاطر بيئة العمل، أو مخاطر على البيئة الخارجية من انبعاثاتٍ وصرفٍ على المسطحات المائية، أو تلوث تربة، وغيره، وأيضًا مخاطر هدر للموارد الطبيعية.
ثانيًا: التفكير الاستراتيجي داخل المنشأة وخارجها.
ثالثًا: التنمية المُسْتدامة.
رابعًا: وهو أهم أهدافه: التكامل بين أنظمة الإدارة (نظام الإدارة المتكامل Integrated Management System).
وهو موضوع رسالة الدكتوراه الخاصَّة بي، والتي منحتني درجة الدكتوراه الأكاديمية بتقدير «امتياز»، من جامعة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية.
واسمحوا لي أن أُوجِّه لسيادتكم بعض التساؤلات:
هل تُفضِّل كمسؤول منظمة أن يكون هناك سياسة مُوحَّدة للمنظمة، وتُعلَن لجميع الأطراف المعنيَّة، أو يكون هناك عدَّة سياسات (سياسة جودة، سياسة بيئة، سياسة سلامة، سياسة طاقة… إلخ)، وكثرتهم تُفْقد أهميَّتهم، والاطلاع عليهم، أيهما تُفضِّل؟
هل تُفضِّل عبئًا ورقيًّا على المشغل (Operator ) أو تطبيقًا فعليًّا لنظام الإدارة وتحقيق التحسين المستمر؟
هل تُفضِّل عندما تحصل المنظمة على شهادة أيزو أن تكون عدَّة شهادات منفصلة كلٌّ منهم بنظام إدارة منفصل، ومراجعة سنوية منفصلة، ونظام معلومات مُوثَّقة منفصل أو يكون للمنظمة نظام إدارة متكامل قوي، كلٌّ منهم يَدْعم الآخر بمراجعة سنوية متكاملة، وتكلفة مادية واحدة، ونظام معلومات مُوثَّقة متكامل؟ أيها تُفضِّل؟
هل تُفضِّل أن تكون مجرد شركة، أو مصنع، أو مؤسسة حاصلة على شهادة أيزو، أو تصل للعالمية، وتُحقِّق نظام الإدارة المتكامل؟ أيهما تُفضِّل؟
سأُحدِّث أصحاب الأعمال باللغة الأكثر أهميةً لديهم، وهي العائد الرِّبحي:
نظام الإدارة المتكامل يُخفِّض من الإنفاق أكثر من (35%) بما يتمُّ إنفاقه على الأنظمة المنفصلة من جهات استشارية لإعداد وتأهيل قوًى بشرية كمراجعات ومنح.
كما يزيد من السُّمعة الدِّعائيَّة للمنظمة، بالإضافة إلى دعم وتكامل نظام السلامة والصحة المهنية، والبيئة، والجودة، وإدارة الطاقة بكفاءةٍ؛ ممَّا يزيد كل نظام قوةً وارتباطًا بالنظام الآخر.
وأختم كلامي بقولي: لا أريد «السلامة أولًا»، بل أريد التكامل والتعامل على أرض الواقع.
تحيَّاتـي من أرض الكنانة مصر، وأتمنَّى أن تكون كلماتـي التي نبعت من قلبي قد وصلت إلى القلوب قبل الأذهان، مُتمنِّية لكم إخوانـي وأخواتـي وزملائي من أرجاء الوطن العربي كافَّة، بل العالم أجمع- السلام والسلامة، وأن يعُمَّ الرخاء أنحاء بلادنا، وكما بدأت بتحية الإسلام، أُنْهِي بتحيَّتنا العربية: السلام عليكم يا هل السلام والسلامة.
الدكتورة/ هدى حسن عبد العليم حسن.
- خبير استشاري التكامل بين الجودة والسلامة والبيئة وأنظمة إدارة الطاقة.
- أول امرأة في الوطن العربي تحصل على درجة الماجستير في تخصص إصابات العمل والحوادث في مجال السلامة والصحة المهنية.
- أول امرأة في الوطن العربي تحصل على درجة الدكتوراه في التكامل بين الجودة والسلامة والبيئة.
- الإشراف على أول رسالة ماجستير في الوطن العربي تطرَّقت إلى التحوُّل الرقمي في نظام إدارة السلامة والصحة المهنية.
- نشر عدد (2 ورقة بحثية) في الإصابات وحوادث العمل والتكامل بين السلامة والجودة والبيئة.
- رئيس أول مؤتمر دولي للسلامة والصحة المهنية عن بُعْد، سنة 2020.
- رئيس أول مؤتمر بيئي سنة 2020 في يوم البيئة العالمي.
- رئيس أول مؤتمر للتكامل بين أنظمة التكامل سنة 2021.
- Lead auditor بإحدى شركات قطاع البترول، جمهورية مصر العربية، وعضو هيئة تدريس انتداب كلية علوم، جامعة الإسكندرية.
- شَرُفت بالإشراف وتقييم عدَّة رسائل ماجستير ودكتوراه في السلامة والدراسات البيئية وأنظمة الجودة الشاملة.
- رئيس مؤتمر دولي لأكثر من عدَّة سنوات على التوالي، محاضر ومراجع دولي معتمد بعدَّة جهات تدريبية تابعة لوزارة البترول والاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
- كان لي الشرف بالتدريب والتدريس منذ أكثر من عشرين عامًا لآلاف المتدرِّبين من الوطن العربي أجمع.
