تُعدّ مصانع الصلب والطاقة من أكثر البيئات الصناعية خطورة، نظرًا لطبيعة العمليات التي تعتمد على درجات حرارة مرتفعة، ومعدات ثقيلة، وتفاعلات ميكانيكية وكيميائية معقدة. ولذا، فإن تطبيق نظم السلامة المهنية في هذه المنشآت ليس خيارًا، بل ضرورة لحماية الأرواح وضمان استمرارية الإنتاج بأمان واستدامة.
وقد أعاد حادث الوفاة الذي وقع هذا الأسبوع في أحد مصانع الصلب والطاقة بمدينة تشانديغار في الهند تسليط الضوء على أهمية الإجراءات الوقائية داخل هذه المصانع. إذ لقي عامل مصرعه بعد سقوط خطاف حديدي من رافعة أثناء تشغيلها، في واقعة كشفت عن وجود قصور في تطبيق بروتوكولات السلامة والفحص الدوري للمعدات.

المخاطر داخل مصانع الصلب والطاقة
تتنوّع المخاطر داخل هذه المصانع وتشمل:
- السقوط أو الانهيارات الميكانيكية بسبب سوء صيانة الرافعات والمعدات.
- الحروق والانفجارات الحرارية الناتجة عن انصهار المعادن أو تماسها بالمواد القابلة للاشتعال.
- التعرض للأبخرة السامة والغبار المعدني المؤثر على الجهاز التنفسي للعاملين.
- الصدمة الكهربائية نتيجة التعامل مع مصادر طاقة عالية الجهد.
هذه الأخطار تفرض ضرورة اعتماد معايير دقيقة وشاملة للسلامة تغطي كل مراحل التشغيل والإنتاج والصيانة.
إجراءات السلامة الوقائية الأساسية
لتفادي الحوادث المميتة مثل حادث تشانديغار، ينبغي أن تتبع المصانع الإجراءات التالية:
- الفحص والصيانة الدورية للمعدات الثقيلة وخاصة الرافعات والخطافات والكوابل المعدنية.
- تطبيق نظام “تصريح العمل الآمن” (Permit to Work System) قبل أي عملية رفع أو لحام أو عمل على ارتفاعات.
- توفير معدات الوقاية الشخصية (PPE) مثل الخوذ، والأحذية الحديدية، والملابس المقاومة للحرارة.
- تدريب دوري للعاملين على أساليب التعامل مع الطوارئ وإخلاء المصانع بأمان.
استخدام أنظمة مراقبة ذكية لتحديد المناطق الخطرة وتنبيه العمال آليًا عند اقترابهم منها.
دور العاملين والإدارة في تعزيز السلامة
- العاملون: يتحملون مسؤولية الالتزام بالتعليمات وعدم تجاوز حدود الأمان أثناء التشغيل، والإبلاغ عن أي أعطال أو مخاطر محتملة فورًا.
- الإدارة: يقع على عاتقها إنشاء ثقافة سلامة مؤسسية تقوم على “الوقاية قبل العلاج”، وتخصيص ميزانيات كافية للتدريب والصيانة الدورية، وتفعيل أنظمة المراقبة والتقييم المستمر.
- المفتشون وفِرق السلامة: دورهم أساسي في التحقق من تطبيق اللوائح الدولية وتقييم المخاطر بانتظام.
المعايير والمرجعيات الدولية في مجال السلامة الصناعية
تعتمد المصانع الكبرى حول العالم على منظومات ومعايير دولية لضمان بيئة عمل آمنة، من أبرزها:
- ISO 45001:2018 – نظام إدارة السلامة والصحة المهنية.
- OSHA (إدارة السلامة والصحة المهنية الأمريكية) – معايير معدات الرفع والعمل في البيئات عالية الخطورة.
- NFPA 70E – معايير السلامة الكهربائية في بيئات العمل.
- ILO-OSH 2001 – إطار توجيهي لمنظمة العمل الدولية لإدارة السلامة والصحة المهنية.
الالتزام بهذه المرجعيات يرفع من كفاءة المنظومات الوقائية ويقلل نسب الحوادث القاتلة.
الابتكارات الحديثة لتفادي الحوادث
وفق نموذج Hudson’s Safety Culture Ladder، تتدرج المؤسسات من “Reactive” إلى “Generative”:
- في الحالة المدروسة، يبدو المصنع في مستوى “Calculative” أي يعتمد على الإجراءات أكثر من الثقافة.
- الحل هو تحويل الثقافة من التزام إلزامي إلى قناعة ذاتية عبر:
- برامج Leadership Walks من الإدارة العليا.
- حوافز للإبلاغ المبكر عن المخاطر.
- مؤشرات أداء مثل Lost Time Injury Frequency Rate (LTIFR) لمتابعة التحسن.
الدروس المستفادة والتوصيات
- إنشاء نظام تدقيق داخلي دوري يشمل معدات الرفع والرافعات (Lifting Equipment Audit).
- تطوير خطة استجابة طارئة نوعية للحوادث الميكانيكية الحرجة.
- تعزيز المراقبة الحرارية والاهتزازية للمعدات الثقيلة.
- نشر ثقافة “Safety First – No Compromise” من الإدارة العليا حتى العاملين.
- تبنّي التحقيق بعد الحوادث (Incident Investigation Protocols) وتوثيقه كمرجع دراسي
- الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية لرصد السلوك غير الآمن للعمال أو الآلات في الوقت الحقيقي.
- الروبوتات المساعدة في عمليات الرفع والنقل داخل المناطق الخطرة بدلًا من الأيدي البشرية.
- التدريب بالواقع الافتراضي (VR Training) لمحاكاة الحوادث وتعليم العمال كيفية التعامل مع الطوارئ دون التعرض للخطر.
حادثة الهند الأخيرة تُعدّ جرس إنذار لكل منشأة صناعية بأن السلامة ليست تكلفة إضافية، بل استثمار في الحياة والإنتاج. فبتطبيق المعايير الدولية، وتعزيز ثقافة الوقاية، واستخدام التقنيات الحديثة، يمكن تجنب الخسائر البشرية والمادية، وتحقيق بيئة عمل آمنة ومستدامة.