بدايةً، تُقدِّم أسرة (المعهد العربي لعلوم السلامة) تعازيها إلى أسرة الفقيد (ريان) وإلى الأشقَّاء كافَّة في دولة المغرب، وأرجاء الوطن العربي كافة.
مَن منَّا لم يتابع أو لم يشاهد قصة الطفل (ريان) التي حرَّكت القلوب والمشاعر من مكانها طِيلَة خمسة أيام، العالم كلُّه شاهد بألمٍ وحزنٍ وفاة طفلٍ نتيجة سقوطه في بئرٍ يزيد عمقه على (30 مترًا).
(ريان) ليس الضحية الأولى، ولن تكون الأخيرة، حيث سبق وشهد العالم حوادث شبيهة خلال السنوات الأخيرة، وعلى سبيل الذكر:
ديسمبر/كانون الثاني 2018م، في الجزائر، شابٌّ ثلاثينيٌّ يُدْعى (عيَّاش) قد سقط في بئر قديمة يصل عمقها إلى (100 متر)، بينما لا يتجاوز قطرها (35 سنتيمترًا).
في يوليو/تموز 2018م، في تايلاند، كان الكثيرون حول العالم يحبسون أنفاسهم وهم يتابعون عملية إنقاذ (12 طفلًا)، هم فريق كرة قدم حُوصِرُوا في كهفٍ رُفْقة مُدرِّبهم.
هذه الحوادث المتكرِّرة تجعلنا نطرح الأسئلة التالية:
ما الأسباب وراء وقوع هذه الحوادث؟ ما الدروس المستفادة من حادثة (ريان)، وكيفيَّة تجنُّبها؟ وما التكاليف التي ترتَّبت على تلك الحادثة؟
وفي هذا المقال سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها بشكلٍ مبسطٍ حتى يتمَّ الاستفادة بشكلٍ أكبر.
أسباب حوادث السُّقوط في الآبار:
إنَّ العدد الكبير من الآبار الذي يتوفَّر في المغرب، ويصل لأكثر من ألف بئرٍ؛ سواء ما هو قانونـي -أي أنه متوفر بشكل قانوني تحت إشراف وكالة الحوض المائي المغربية– ومنها ما هو غير قانوني، والذي غالبًا ما يتسبَّب في حوادث خطيرة؛ سواء قبل نهاية الأشغال أو بعدها رغم المراقبة المستمرَّة، ومجهودات شرطة المياه.
ومن أسباب السُّقوط داخل الآبار ما يلي:
- غياب حواجز الحماية والعلامات التحذيريَّة.
- إضاءة غير كافيةٍ في الموقع.
- غياب أو تهالك أغطية الآبار.
- الأعمال دون التَّراخيص.
وقد تعدَّدت أسباب السقوط داخل الآبار؛ سواء أثناء أشغال الحفر، أو بعد نهاية الأشغال، إلَّا أن النتائج تَبْقَى وخيمةً جدًّا كما حدث مع الطفل (ريان) الذي تُوفِّي، وذهبت معه أسرار كثيرة كانت ستفيد في تحديد الأسباب الحقيقية، لكن مع ذلك يَبْقَى البحث جاريًا عن أسباب السقوط الحقيقية لكي نستفيد منها جميعًا، ونأخذ الاحتياطات اللَّازمة لتجنُّب تكرار هذه الحوادث.
الدروس المستفادة من حادثة (ريان):
علينا أن نستخرج الدروس والعِبَر من أيِّ حادثةٍ حتى نتجنَّب الوقوع في مآسٍ أكبَر وأكثر ضررًا في المستقبل، ويمكن جَمْع بعض الدروس المستفادة من حادثة الطفل (ريان) فيما يلي:
- ـ أهمية السلامة في كل جوانب حياتنا اليوميَّة، وليس الاقتصار فقط على المصانع والمكاتب، وخاصةً ما يتعلق بالمخاطر المنزلية.
- ـ تشديد المراقبة حول الآبار غير القانونية.
- ـ مراجعة قواعد السلامة لحفر الآبار.
- ـ تقوية الترسانة القانونية لحفر الآبار.
- ـ الاهتمام بالتدريبات في مجال الإنقاذ والإسعافات الأولية.
إنَّ حادثة (ريان) كانت تكلفتها باهظةً جدًّا، والتي لم تقتصر فقط على وفاة الطفل (ريان)، بل تجاوز الأمر ذلك بكثيرٍ؛ سواء على المحيط العائلي الذي تضرَّر بشكلٍ كبيرٍ، خاصةً الجانب النفسي الذي يتطلب عنايةً ومراقبةً شديدين لمدة طويلة، أو على المستوى الاقتصادي للمغرب نتيجة تسخير عددٍ هائلٍ من المُعدَّات والطواقم بجميع أطيافها، والتي عَمِلَت ليل نهار طِيلَة خمسة أيام من أجل إنقاد الطفل (ريان).
ويمكن مقارنة تكاليف تشغيل المُعدَّات والمُشغِّلين لها بتكلفة بناء حاجز حمايةٍ حول البئر ليمنع سقوط الأفراد داخله، فكلُّ هذه التكلفة كان من الممكن تجنُّبها بتكاليف بسيطة لبناء حاجز الحماية، فكم من تصرُّف بسيط أنقذ حياة أشخاصٍ.
إنَّ هذا الحادث فرصةٌ للتأكيد على معنًى مهمٍّ جدًّا، ألا وهو: «أن تكلفة الحفاظ على السلامة أقل كثيرًا من تكلفة عدم الحفاظ على السلامة».
لقد كان سبب الحادث خللًا في إجراءات السلامة، وهذا يحدث معنا في حياتنا كل يومٍ، في الأدوات الكهربائية في المنازل، في الحفريات، في الشوارع، في مواقع البناء والمنشآت، وفي العديد من الأمور الأخرى، فإمَّا أن تكون إجراءات السلامة مُتَّبعةً، أو يكون هناك خللٌ في إجراءات السلامة.
إنَّ العالَم بأكمله تابع بشغفٍ كبيرٍ عمليات الإنقاذ، وشاهد ما قام به الجميع من مجهوداتٍ دَؤُوبةٍ من أجل إنقاذ الطفل (ريان)، لكن إرادة الله أكبَر وفوق الجميع، «قَدر الله، وما شاء فعل».