حازت قوانين الصحة والسلامة المهنيَّة على صدًى واسعٍ في العِقْدِ الماضي من الزمن.
وبعد أن اعتُبِرَت من الرفاهيَّات، وحكرًا على عددٍ قليلٍ من الشركات والمجالات، أصبحت الآن أحد أهم الأسس في أيِّ عمل، وأصبح الالتزام بقوانين حماية العمال واجبًا قانونيًّا على كلِّ ربِّ عملٍ، ويُحَاسب إذا ما قد حدث خللٌ فيه.
وبالرغم من ذلك، ومع حرص العديد من الدول على تطبيق تلك القوانين والصَّرامة فيما يخصُّها، ما زلنا نرى حتى وقتنا هذا بعض الثغرات بتلك الناحية، وأهمُّها تلك التي تمسُّ المرأة العاملة.
ومن الجدير بالذِّكر أن المرأة شهدت ازدهارًا غير معهودٍ خلال السنوات الفائتة، ولَمَع نَجمُهَا في الكثير من المجالات المهمة، وسُلِّط الضوء على إنجازاتها وتفوُّقها في المهام والمناصب التي شغلتها.
ومنحت فرص عمل في جميع التسلسلات الإداريَّة، وتغلغلت في كل مجالات الحياة، وأثبتت جدارتها دائمًا.
ولكن، ومع كلِّ ذلك، ما زالت تعاني المرأة في سوق العمل من بعض المخاطر التي قد تُودِي بصحتها، وتؤثر على جودة إنتاجها، وتزداد تلك المخاطر إذا ما تكلَّمنا عن مجال الزراعة، ودورها المهم على مدار السِّنين بتطوير الزراعة وآليَّاتها.
مجال الزراعة مجالٌ واسعٌ وكبيرٌ ومُجهِدٌ نوعًا ما:
حيث يتطلَّب تحضير الأرض للزراعة مُعدَّات يدوية قد تكون ثقيلة، أو آليات تتطلب جهدًا في قيادتها.
وتتطلَّب هذه المهنة التعرُّض لأشعَّة الشمس، ولفترات طويلة، والتي قد تكون مُؤْذيةً على المدى الطويل، أو في أوقات الذروة من أشهر الصيف، بالإضافة إلى أنَّ الزراعة تتطلَّب مراقبةً دائمةً، واهتمامًا مستمرًّا على مدى العام، وفي كلِّ الأوقات.
كما أن استخدام المبيدات الكيمائية يتطلَّب تعاملًا خاصًّا، وحذرًا شديدًا من أن يمسَّ الأيدي والأوجه بشكلٍ مباشرٍ، كما وَجَب الحذرُ من الأبخرة المتصاعدة بفعل التفاعلات التي قد تحدث بين بعض المواد، كلُّ ذلك يتطلب دقةً في عملية الخلط والتجهيز والرش.
وبالوصول لمرحلة الجَنْي، يتطلب الجَنْيُ – يدويًّا كان أم آليًّا – تعبًا ودقةً واهتمامًا؛ لعدم زيادة الفقد الحاصل بعد الجَنْي، وللحصول على المنتج النهائي ذي المواصفات المطلوبة.
كما أنَّه يتطلَّب مراقبةً وإنجازًا بأقصر مُدَّة زمنية للحفاظ على جودة المنتجات؛ حبوبًا كانت، أم خضراوات، أم فاكهة.
وما إن انتقلنا للوجه الآخر لعمل المهندس الزراعي ضمن مخابر التقانات الحيوية، والتي جُلُّ ما يتمُّ استخدامه ضمنها هي مواد كيميائية أو إشعاعيَّة قد تؤثر على صحة العامل بها، فقد تؤثر على الجهاز التنفسي في حال استنشاقها بكميةٍ كبيرةٍ، ولمدةٍ طويلةٍ، كما أنَّها قد تؤثر على الصحَّة الإنجابيَّة، فهناك مواد كيميائية يُسبِّب استنشاقها العقم، أو تشوُّهات للجنين في حال كانت العاملة بها حاملًا، وكلُّ تلك الظروف تتطلب حذرًا كبيرًا ومستمرًّا للحفاظ على سلامة المرأة العاملة بهذا المجال ضمن الظروف السابق ذكرها.
نتمنَّى أن يكون يوم المرأة العالمي يومًا نستطيع فيه أن نلفت نظر المجتمع لما عانيناه ونعانيه نحن النساء بمختلف الاختصاصات من تلك المتاعب، وأن تأمين الحماية ليس برفاهيةٍ، وإنَّما هو ضرورة لحمايتنا، وإيجاد حلول وقوانين تراعي الصحة والسلامة المهنية للنساء العاملات بمختلف المجالات، وعلى جميع الأصعدة (النفسيَّة والجسديَّة).