ثقافة السلامة المهنية هي مزيجٌ من قيم المجتمع المهني، والمعايير المطبقة فيه، وسلوكيات أفراده، والتي تُحدِّد طريقة إدارة السلامة والصحة المهنية فيه، ويأتي هنا أهمية (المعهد العربي لعلوم السلامة)، و(مجلة السلامة العربية) الصادرة عنه، حيث إنَّ المعهد يُعَدُّ المنظمة العالمية الأولى التي تصدر مجلةً باللغة العربية ذات سياق متخصص في نشر ثقافة وعلوم السلامة والصحة المهنية، بما يحافظ على العنصر البشريِّ من جانبٍ، والمُعدَّات وأدوات الإنتاج من جانبٍ آخر، بما له من أكبر الأثر على ازدهار الاقتصاد في البلدان العربية كافَّة.
وباختلاف الثقافات في مجتمعاتنا العربية وتعدُّدها، فإن مستويات تطبيق اشتراطات ومعايير السلامة والصحة المهنية تختلف بدورها هي الأخرى، بل ويُسْهم في اتِّساع هذا الاختلاف تعدُّد التشريعات المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية، وتباينها من بلدٍ عربيٍّ لآخر حسبما تتباين طبيعة الأنشطة السائدة بهذا البلد، أو سواءً كانت أنشطة صناعية، أو زراعية، وكذلك حسبما تتباين المستويات الاقتصادية من بلدٍ لآخر، فمن المعروف أن البلدان الأعلى اقتصاديًّا يكون لديها فرصة أفضل في الاهتمام بتطبيق مُتطلَّبات السلامة والصحة المهنية، ونتيجة هذا التباين تختلف الرُّؤى حول أهمية السلامة والصحة المهنية في بلادنا العربية.
وتُعَدُّ أهم التحديات التي تواجه متخصصي وخبراء السلامة والصحة المهنية: ما يعاني منه بعض البلدان العربية من ثغراتٍ في تشريعات ومعايير السلامة والصحة المهنية، وعدم وضوح آليَّات تشريعية لقياس أداء السلامة، وحتى إنْ وُجِدَت هذه الآليَّات، فإنها – غالبًا – تتوجَّه لمؤشرات الأداء التفاعليَّة السلبية؛ مثل: (معدلات تكرار وشدة الحوادث والإصابات)، بينما تغفل مؤشرات الأداء الاستباقية الإيجابية، والتي تقيس مستوى الالتزام بتطبيق سياسات ومعايير وأهداف السلامة؛ مثل: (نسب تنفيذ الحلول التصحيحيَّة لحالات عدم التطابق، واكتشاف المخاطر الكامنة).
هذا بالإضافة إلى العوائق الرئيسة التي تعرقل من تحسُّن ثقافة السلامة والصحة المهنية؛ مثل: تأخُّر تصديق بعض الدول العربية على اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية، والافتقار إلى وجود اشتراطات واضحة وتفصيليَّة عن السلامة والصحة المهنية في هذه التشريعات المحليَّة، وغياب السياسات والبرامج الوطنية حول السلامة والصحة المهنية، وضعف الإيمان لدى القيادات في المؤسسات المختلفة بأهميَّة تطبيق أنظمة السلامة والصحة المهنية.
ويشمل بعض العوائق الأخرى عدم كفاية التعويضات المدفوعة للمصابين وضحايا الحوادث الناتجة عن أوجه القصور المختلفة في أنظمة السلامة والصحة المهنية، وعدم تغطية قوانين التأمينات للمخاطر النفسيَّة الناتجة عن الإجهاد والتنمُّر الوظيفي والتمييز العنصري والتحرُّش الجسدي في بيئات العمل.
بالإضافة لذلك، يعانـي العديد من البلدان العربية من نقصٍ في عدد الخبراء الحقيقيِّين والمُفتِّشين الأَكْفَاء في مجال السلامة والصحة المهنية.
وأخيرًا وليس آخرًا: النقص الشديد في البيانات الشاملة والدقيقة المتعلقة بالحوادث والأمراض المهنية، وعدم إشراك الهيئات الاستشارية في عملية صُنْع القرار في القضايا ذات الصِّلة بالسلامة والصحة المهنية.
ممَّا سبق نجد أن أهمَّ التوصيات الداعمة لأنظمة السلامة والصحة المهنية في الدول العربية تتمركز في تحسين مستوى التشريعات ذات العلاقة بهذا الصَّدد، والعمل على رفع مستوى التزام قيادات المؤسسات والمنشآت المختلفة تجاه السلامة والصحة المهنية، والاهتمام بسبل تحسين ثقافة السلامة والصحة المهنية، والاهتمام بجوانب السلامة والصحة النفسية والعقلية مثلها مثل المخاطر الجسدية، مع ضرورة وَضْع وتفعيل مصفوفةٍ للكفاءة لكلِّ المستويات الوظيفية في كل الشركات والمؤسسات بحيث تضمن حصول كل موظف على التدريب والتوعية والخبرة اللازمة لأداء عمله بأمانٍ، والعمل على إشراك الهيئات الاستشارية للسلامة والصحة المهنية في عملية صنع القرار في ربوع وطننا العربي كافَّة.
- م. أحمد محمد إبراهيم رستم
- يعمل في مجال السلامة والصحة المهنية في قطاع البترول والغاز المصري منذ أكثر من (22 عامًا) في إحدى الشركات الرائدة في مصر في مجال معالجة الغاز، ونقله، وتوزيعه.
- حصل على بكالوريوس العلوم (كيمياء) من جامعة عين شمس بتقدير جيد جدًّا، ودبلومة الدراسات البيئيَّة من جامعة عين شمس بتقدير جيد جدًّا، ودبلومة الجودة الشاملة من جامعة مدينة السادات بتقدير امتياز، وماجستير السلامة والصحة المهنية من جامعة مدينة السادات بتقدير امتياز.
- يدرس حاليًا دكتوراه إدارة المخاطر والأزمات بجامعة القاهرة، وهو عضو هيئة تدريس منتدب في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، وعضو هيئة تدريس منتدب في كلية تكنولوجيا الصناعة والطاقة بجامعة القاهرة الجديدة التكنولوجية.
- خبير استشاري في السلامة والصحة المهنية وحماية البيئة معتمد من نقابة المهن العلمية.
- كبير مراجعين معتمد دوليًّا في أنظمة الأيزو 9001 (الجودة)، 14001 (حماية البيئة)، 27001 (الأمن المعلوماتي)، 45001 (السلامة والصحة المهنية)، واختصاصي سلامة عمليات معتمد Certified Process safety Proffisional من المركز الأمريكي لسلامة العمليات CCPS RBPS.
- مدرب معتمد في شركات التدريب بقطاع البترول المصري؛ مثل: (منارة مصر للبترول، وشركة مهارات الزيت والغاز، وشركة بتروسيف).
- قام بالعديد من المراجعات على أنظمة السلامة والصحة المهنية وحماية البيئة والجودة والأمن المعلوماتي، وأنظمة سلامة العمليات التشغيلية، وإجراء دراسات السلامة التشغيلية HAZID/HAZOP/Bow-tie بالعديد من شركات قطاع البترول المصري، وذلك ضمن عمله في فريق مراجعات HSE & PSM Audit & Review المُشكَّل بقرار من السيد وزير البترول والثروة المعدنية، وكذلك اللجنة الفنية لسلامة العمليات بقطاع البترول المصري، والمُشكَّلة بقرار من السيد الوزير أيضًا.