مقدمة:
في حالة حدوث طارئة إشعاعيَّة أو نووية، تصبح سلامة الأغذية أولويَّة قصوى لحماية الصحة العامة، والتَّلوثُ الإشعاعيُّ يمكن أن يؤثر على المحاصيل الزراعية، والمياه، والحيوانات التي تُشكِّل جزءًا من السلسلة الغذائية؛ ممَّا يُهدِّد سلامة الأطعمة التي يستهلكها الأفراد، ويمكن أن تَنْجم المخاطر عن تراكم الجُسَيمات المُشعَّة في التُّربة والمياه، أو عَبْر الهواء الذي يحمل المواد المُشعَّة إلى المناطق الزراعية.
وللتصدِّي لهذه المخاطر، يتمُّ اتِّباع إجراءات السَّلامة الوقائيَّة الصارمة، وتشمل: فحص السلامة الدوري للأغذية، وتنقية مصادر المياه، ونَشْر التوعية العامَّة لثقافة السلامة حول كيفيَّة التعامل مع الأطعمة في هذه الظروف، وتعتمد الدُّول -عادةً- على توجيهات مُنظَّمات السلامة الدولية؛ مثل: الوكالة الدوليَّة للطاقة الذريَّة، ومنظمة الصحَّة العالمية لضمان أنَّ المستويات الإشعاعيَّة في الأغذية والمياه ضمن الحدود الآمنة.

وهذا الاستعداد يُسَاعد في تقليل المخاطر على الصحَّة العامَّة، وسلامة البيئة، ويمنع انتشار التلوُّث الإشعاعي عَبْر السلسلة الغذائية.
إجراءات السلامة الَّتي يمكن اتِّخاذها لرصد سلامة الأغذية في أعقاب طارئة إشعاعيَّة أو نووية:
لرَصْد سلامة الأغذية في أعقاب طارئة إشعاعية أو نووية، هناك عدَّة إجراءات سلامة وقائيَّة يمكن اتِّخاذها لضمان أن الأطعمة والمشروبات المتاحة لا تحتوي على مستويات خطيرة من النشاط الإشعاعي، وتتضمَّن تلك الإجراءات للسلامة ما يلي:
- فحص الأغذية باستخدام أجهزة الكشف الإشعاعيِّ:
- أجهزة الكشف الإشعاعي المحمولة: مثل أجهزة قياس الجزيئات المُشعَّة (Geiger Counters)، تُسْتخدم للكشف عن وجود النَّشاط الإشعاعي في الأغذية والمشروبات.
- الفحوصات المختبريَّة المتقدِّمة: يتمُّ إرسال عيِّنات الأغذية إلى مُخْتبرات متخصصة لإجراء اختبارات دقيقة باستخدام مطياف الغاما، وغيره من التِّقنيات للكشف عن وجود نظائر مُشعَّة.
- مراقبة سلاسل الإمداد الغذائي:
- الحكومات ومنظمات السلامة الدولية مسؤولة عن سلامة الأغذية؛ حيث تُجْرى مراقبة مستمرَّة للمنتجات الغذائية من خلال فَحْص الأغذية الواردة من المناطق المتأثرة بالتسريبات الإشعاعيَّة.
- يتمُّ فرض قيود مؤقَّتة على استيراد أو تسويق منتجات من المناطق التي قد تتعرَّض لمخاطر التلوُّث الإشعاعي، ويُعْتمد على البيانات والاختبارات للتحقُّق من مدى سلامة الأغذية المتاحة في السوق.
- سلامة وتخزين الأغذية:
- غسل الخضراوات والفواكه جيدًا: إذا كان من الضروري تناول المنتجات الطازجة، يجب غَسْل الأغذية بالماء النظيف، وإزالة أيِّ تراكمات سطحيَّة من الجزيئات المُشعَّة، والغسلُ قد لا يزيل المواد المُشعَّة الداخلية، ولكنه خطوة أُولَى للحدِّ من التلوث.
- استخدام الأطعمة المُعلَّبة والمغلقة بإحكامٍ: يُفضَّل الاعتماد على الأطعمة المُعلَّبة، أو المغلقة بإحكام؛ لأنها أقلُّ عُرْضةً للتلوث الإشعاعي من الهواء، أو المياه المُلوَّثة.
- تجنُّب استهلاك الأطعمة المُلوَّثة: في حال حدوث طوارئ نوويَّة، يجب تجنُّب تناول الأغذية الطازجة؛ مثل: الفواكه، والخضراوات، واللُّحوم الطازجة، والألبان الَّتي قد تكون مُلوَّثة بالمواد المُشعَّة التي ترسَّبت من الهواء، أو المياه المُلوَّثة.
- تجنُّب استهلاك الألبان: الحليب والمنتجات الحيوانية يمكن أن تحتوي على مستويات عالية من المواد المُشعَّة إذا تناولت الحيوانات طعامًا ملوثًا؛ لذا يُفضَّل تجنُّبها في حالات الطوارئ.
- مراقبة مصادر المياه: يجب التأكُّد من أنَّ المياه المستخدمة في الطهي والشرب نظيفة، وغير مُلوَّثة بالإشعاع، حيث إنَّ المياه تُعدُّ من أكثر الوسائل نقلًا للمواد المُشعَّة.
- التخلُّص الآمن من الأغذية المُلوَّثة: في حال التحقُّق من تلوُّث المحاصيل أو المنتجات الغذائية، يجب التخلُّص منها وَفْقًا لبروتوكولات السلامة المحدَّدة من قِبَلِ الجهات المختصة؛ لتجنُّب انتشار التلوث.
- توجيهات منظمات السلامة الدولية:
- منظمات السلامة (مثل: الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، ومنظمة الصحَّة العالمية (WHO) تصدر توجيهات حول مستويات النَّشاط الإشعاعي الآمنة في الأغذية، وهذه التَّوجيهات تَسْتند إلى البيانات المأخوذة من مناطق الحوادث، وتُسَاعد على تحديد ما إذا كانت الأغذية آمنةً للاستهلاك.
- يجب على الحكومات والمجتمعات المحليَّة الالتزام بهذه التوجيهات لتجنُّب استهلاك الأغذية المُلوَّثة.
- تنقية ومعالجة المياه:
- في حالة التلوُّث الإشعاعي للمياه، يتمُّ استخدام تقنيات؛ مثل: التَّرشيح المتقدِّم، والتَّطهير الكيميائي، أو تقنيات أخرى؛ مثل: التبخُّر، والتقطير لتنقية المياه.
- يُنْصح باستخدام المياه المُعبَّأة، أو المغليَّة عند الشكِّ في سلامة مياه الشرب.
- التحكُّم في سلامة التربة والمزارع:
- يُجْرى فَحْص سلامة التُّربة في المناطق المتأثِّرة بالإشعاعات النوويَّة بشكل دوريٍّ، وإذا كانت التُّربة مُلوَّثةً، يُفضَّل التوقُّف عن الزراعة حتى يتمَّ تطهير التُّربة، أو استبدالها في بعض الحالات.
- يمكن أيضًا زراعة محاصيل مُعيَّنة تساعد في إزالة المواد المُشعَّة من التربة؛ مثل: نباتات (دوَّار الشمس)، الَّتي لديها قدرة على امتصاص المواد المُشعَّة من التُّربة.
- التوعية ونَشْر ثقافة السلامة:
- يجب نَشْر حملات السلامة والتوعية في المناطق المتضرِّرة لتثقيف الناس حول كيفيَّة التعامل مع الأغذية، وتجنُّب استهلاك المنتجات المشكوك في سلامتها.
- توزيع أدوات الفحص البسيطة على مستوى الأفراد إذا كان ذلك ممكنًا- يمكن أن يساعد في زيادة وَعْي السكان المحليِّين حول سلامة الأغذية والمياه.
مخاطر تلوث الأغذية بالإشعاع:
- السرطان: التعرُّض المستمر لكميات صغيرة من المواد المُشعَّة في الطعام يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسرطان، حيث تتفاعل المواد المُشعَّة مع الخلايا الحيَّة، وتدمر الحمض النووي؛ ممَّا يؤدِّي إلى طفرات سرطانية.
- المخاطر الجينية: يمكن أن تُؤثِّر المواد المُشعَّة في الحمض النووي للجسم؛ ممَّا يؤدِّي إلى حدوث طفرات جينيَّة تؤثر ليس فقط على الشخص المتعرِّض، بل قد تنتقل إلى الأجيال المستقبلية.
- تأثيرات صحيَّة على الأعضاء: استهلاك الأطعمة المُلوَّثة قد يؤدِّي إلى تراكم المواد المُشعَّة في أعضاء مُحدَّدة؛ مثل: الغُدَّة الدرقيَّة والعظام، ما قد يؤدِّي إلى مشاكل صحية خطيرة على المدى الطويل؛ مثل: السرطان، وتلف الأعضاء.
- تلوُّث الماء: يمكن أن تتسرَّب المواد المُشعَّة إلى مصادر المياه المستخدمة للري أو الاستهلاك البشري والحيواني؛ ممَّا يؤدي إلى تلوث جميع العناصر الغذائية المستمدَّة من هذا المصدر.
خاتمة:
تُعْتبر ثقافة السلامة من تلوُّث الأغذية بالإشعاع النوويِّ أساسيةً لحماية الصحة العامة، وتقليل المخاطر في حالات الطوارئ.. إنَّ تعزيز الوعي المجتمعي، وتوفير إرشادات السلامة الصحيحة حول كيفيَّة التعامل مع الأغذية والمياه المُلوَّثة- يُسْهم بشكلٍ كبيرٍ في السلامة والوقاية، والحد من التَّأثيرات السَّلبية للإشعاع، ومن خلال الاستجابة السريعة، واتِّخاذ إجراءات السلامة المناسبة، يمكن ضمان سلامة الغذاء، وتقليل الأضرار الناجمة عن التلوُّث الإشعاعي.
وفي حالة الطوارئ الإشعاعيَّة أو النوويَّة، تُعدُّ المراقبة الدقيقة والفحوصات المنتظمة لضمان سلامة الأغذية من أساسيَّات الوقاية، وتتعاون المُنظَّمات المحلية والدولية لضمان سلامة الأغذية، ويجب على المستهلكين اتِّباع التوجيهات الصحيَّة، والاستفادة من الأدوات المُتَاحة للتحقُّق من أن الأطعمة التي يتناولونها آمنةً من التلوُّث الإشعاعي.