يُعد حفر الآبار من أخطر العمليات الميدانية في الصناعات الهندسية والجيولوجية، سواء كانت الآبار مخصصة لاستخراج المياه أو النفط أو الغاز الطبيعي. وتكمن الخطورة الأساسية في أن هذه العمليات تتم في أعماق الأرض، حيث تتغير الظروف الفيزيائية والكيميائية بشكل غير متوقع، مما يجعل العاملين عرضة لتسرب الغازات السامة أو وقوع انفجارات مفاجئة تهدد الأرواح والمعدات.
المخاطر الشائعة في حفر الآبار
- الغازات السامة
يُعتبر غاز كبريتيد الهيدروجين(H₂S) من أكثر الغازات خطورة في آبار النفط والمياه الكبريتية. فهو عديم اللون، له رائحة نفاذة، وتكفي نسب بسيطة منه لإحداث تسمم حاد أو فقدان وعي خلال ثوان. الغازات الأخرى مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان أيضًا تشكل خطرًا إذا تسربت بكميات كبيرة دون تهوية كافية.
- الانفجارات المفاجئة (Blowouts)
تحدث عادة نتيجة لفقدان السيطرة على الضغط داخل البئر. حين لا يتم التحكم في الضغط الداخلي باستخدام محابس الأمان أو الطين الثقيل، قد يرتفع الغاز أو السائل المضغوط بشكل مفاجئ إلى السطح مسببًا انفجارًا عنيفًا.

- الاشتعال السطحي والتسرب الحراري
في بعض الحوادث، يؤدي تسرب الغاز إلى نشوب حريق بمجرد ملامسته لشرارة بسيطة أو مصدر حراري قريب، خاصة في الآبار النفطية أو الغازية.
**حادثة بئر في الجزائر – 2021
في ولاية إليزي بالصحراء الجزائرية، وقعت حادثة انفجار داخل بئر أثناء أعمال الحفر لصالح شركة طاقة، بسبب تسرب غاز H₂S بشكل مفاجئ. أدى الحادث إلى وفاة عاملين، وإصابة ثلاثة آخرين باختناق حاد، رغم وجود أجهزة الكشف، إلا أن الزمن بين التسرب والاستجابة كان قصيرًا جدًا، ما جعل الحادث مميتًا.
في حال حدوث تسرب غاز أو انفجار، من الضروري تطبيق خطة إخلاء فوري، ونقل المصابين إلى مناطق آمنة. تُقدَّم لهم أقنعة أكسجين أو تنفس صناعي حسب الحاجة، ويجب عزل البئر ووقف العمليات بالكامل لحين تقييم الوضع من قبل فريق الطوارئ.
استراتيجيات السلامة الضرورية
- استخدام أنظمة استشعار فورية للغازات السامة.
- ارتداء أقنعة التنفس الذاتية في مواقع الحفر العميقة أو المغلقة.
- تركيب صمامات أمان للتحكم في ضغط البئر.
- إجراء اختبارات ضغط دورية قبل الحفر.
- تدريب الفرق على الإخلاء والاستجابة السريعة في حال تسرب أو انفجار.
استخدام نظام مانع الانفجار (Blowout Preventer – BOP)، وهو جهاز حيوي يُركب في رأس البئر للتحكم تلقائيًا في الضغط ومنع صعود السوائل أو الغازات بشكل غير مسيطر عليه. يعتبر الـBOP من أهم خطوط الدفاع في آبار النفط والغاز، ويخضع لفحوص دورية وفقًا لمعايير API 16A
عيين “مراقب غازات” مسؤول عن فحص التلوث الجوي بشكل دوري، وتوثيق القراءات.
• وجود “مشرف سلامة موقع الحفر” مهمته تنفيذ خطط الطوارئ، والتأكد من جاهزية أدوات الإنقاذ والتواصل الفوري
العمل في حفر الآبار يتطلب أكثر من مهارة تقنية، إنه يتطلب انضباطًا شديدًا وإدراكًا حقيقيًا لحجم المخاطر. الغازات السامة والانفجارات ليست احتمالات نادرة، بل مواقف واقعية تتكرر عالميًا، والحل يبدأ بالوعي، ويتحقق بالوقاية الفعلية، لا بردّ الفعل بعد وقوع الضرر.
المعايير الدولية
تعتمد عمليات الحفر الآمن على تطبيق معايير دولية صارمة مثل:
• معيار API 53 الخاص بتركيب وتشغيل وصيانة أنظمة منع الانفجارات.
• معيار NFPA 350 الخاص بالعمل في الأماكن الضيقة، بما فيها آبار الحفر.
• معايير ISO 45001 لإدارة أنظمة السلامة والصحة المهنية.
_السبب الأساسي خلف الحوادث في حفر الآبار لا يعود فقط لخطورة البيئة، بل لنقطة اخري: الاستهانة بالتفاصيل. مثل تأخير معايرة أجهزة الكشف، أو عدم التدريب الكافي على الطوارئ. الخطورة هنا لا تعطي فرصة للخطأ، فثانية واحدة بين الانذار والاستجابة قد تفرّق بين الحياة والموت. الاهتمام بالسلامة في هذا المجال لا يمكن أن يكون إجراءً مكتبيًا، بل ثقافة ميدانية تُنفذ بصرامة يومية.