مقالات المجلة

ملف العدد(1):جودة الهواء الداخلي ركيزة أساسية لسلامة وصحة المستخدمين في المباني المستدامة

مقدمة:

تُعدُّ جودة الهواء الداخلي (IAQ – Indoor Air Quality) من العناصر الجوهريَّة في تصميم وتنفيذ مشروعات البناء المستدامة؛ لِمَا لها من تأثيرٍ مباشر على سلامة وراحة المستخدمين، وفي ظلِّ تزايد الاهتمام بالمباني الخضراء والاستدامة، أصبح من الضروري التَّركيز على العوامل التي تؤثِّر على جودة الهواء داخل المباني، وتطبيق استراتيجيات فعَّالة لتحسينها، تمَّ رَبْط ضَعْف جودة الهواء الداخلي بمجموعة واسعة من المشكلات الصحية؛ من الحساسية، وأمراض الجهاز التنفُّسي إلى ضَعْف الإدراك، وبالتالي يمكن القول: إنَّ تحسين جودة الهواء الداخلي لا يُعزِّز فقط راحة المستخدمين، بل هو ركيزةٌ أساسيةٌ في تحقيق السلامة الصحية والبيئية في المباني المستدامة؛ ممَّا يجعلها بيئةً آمنةً وصديقةً للإنسان والبيئة على حدٍّ سواء.

دور جودة الهواء في سلامة البيئة الداخليَّة في مكان العمل:

جودة الهواء الداخلي تَعْني نقاء الهواء من المُلوِّثات الضارَّة داخل المبنى، وخاصةً في الأماكن المغلقة؛ كالمكاتب، والمصانع، والمُخْتَبرات، ويشمل ذلك:

  • درجة حرارة معتدلة.
  • رطوبة مناسبة.
  • تهوية جيِّدة.
  • الخُلو من الغازات الضارَّة،والجُسَيْمات الدقيقة والعَفَن.

ويشير مفهوم (جودة الهواء الداخلي) إلى مستوى نقاء الهواء داخل المبنى، وخُلُوه من المُلوِّثات التي قد تُسبِّب أمراضًا، أو تؤثر سلبًا على سلامة الأفراد، وتشمل هذه المُلوِّثات:

  • الغبار والجسيمات الدقيقة (5،PM10).
  • المُركَّبات العضوية المتطايرة (VOCs)؛مثل: الفورمالديهايد.
  • أوَّل أكسيد الكربون،وثانـي أكسيد النيتروجين.
  • العَفَن والرطوبة.
  • مُسبِّبات الحساسية؛مثل: حبوب اللقاح، ووبر الحيوانات.

وضَعْفُ جودة الهواء الداخلي قد يؤدِّي إلى أمراض الجهاز التنفُّسي، والصداع، وتهيُّج العيون، والتعب المُزْمن، وهو ما يُعرَف بـ (متلازمة المبنى المريض).

عوامل تؤثر على جودة الهواء الداخلي في البناء:

تلعب جودة الهواء الداخلي دورًا محوريًّا في ضمان سلامة الأفراد؛ إذ إنَّ الهواء النقي والصحي يُقلِّل من المخاطر الصحية المرتبطة بالتعرُّض للمُلوِّثات والمواد الضارَّة، ويُعزِّز من القدرة على التَّركيز والإنتاجية، ويَحُدُّ من احتمالات وقوع الحوادث الناتجة عن التعب، أو ضعف الإدراك.

  1. المواد المستخدمة في البناء والتشطيب:
  • أ. المواد الطيَّارة، والمُركَّبات العضوية المتطايرة (VOCs):
    • تصدر من الدِّهانات، والمواد اللَّاصقة، والسجاد، والأثاث، والأخشاب المُصنَّعة.
    • التأثير: تهيُّج في العين والأنف، صداع، مشاكل تنفُّسية، وقد تكون مُسبِّبة للسرطان على المدى الطويل.
    • الحل: اختيار مواد منخفضة أو خالية من الـ VOCs.
  • ب. المواد العازلة والمُركَّبة:
    • مثل:الفوم، البوليسترين، الصوف الصخري.
    • إذا لم تُغلَّف جيدًا أو تَلَفتْ، تُطْلق أليافًا أو غازات ضارَّة.
  • ج. الأثاث الصناعي:
    • كثير من الأثاث المُصنَّع يحتوي على الفورمالديهايد،وغيره من المُركَّبات الضارَّة التي تنبعث ببطءٍ على مدى شهور.
  1. أنظمة التهوية والتكييف(HVAC):
  • أ. التهوية غير الكافية:
    • تؤدِّي إلى تراكم ثاني أكسيد الكربون،والرطوبة، والمُلوِّثات.
    • تزيد من فرصة انتقال الفيروسات والبكتيريا.
  • ب. فلاتر مُلوَّثة أو تالفة:
    • الفلاتر المُتَّسخة لا تقوم بدورها في تنقية الهواء.
    • يمكن أن تصبح مصدرًا لتكاثر الفطريات والبكتيريا.
  • ج. التوزيع غير المتساوي للهواء:
    • بعض الأماكن قد تعانـي من الهواء الرَّاكد،أو ضعف التهوية؛ ممَّا يؤدِّي إلى تفاوت جودة الهواء في نفس المبنى.
  1. الرُّطوبة والمياه:
  • أ. التسريبات والعزل السيِّئ:
    • تسريب المياه من الأسقف أو الأنابيب يؤدِّي إلى تكوين العَفَن.
    • العَفَن يُنْتج جراثيم تؤثر على الجهاز التنفسي،وتُسبِّب الحساسية.
  • ب. نسبة الرطوبة العالية:
    • تزيد من تكاثر الفطريات والبكتيريا.
    • تُسبِّب تلفًا في المواد الداخلية،وإحساسًا بعدم الراحة.
    • النِّسبة المثالية للرطوبة الداخلية: بين (30%-50%).
    1. الموقع والتصميم المعماري:
  • أ. موقع المبنى:
    • القرب من الشوارع المزدحمة، والمصانع، أو مناطق ذات تلوُّث عال يزيد من دخول المُلوِّثات للمبنى.
  • ب. اتجاه المبنى ونوافذه:
    • التصميم السيِّئ قد يمنع دخول التهوية الطبيعية،أو يزيد من التعرُّض المباشر للغبار والروائح من الخارج.
  • ج. غياب مناطق الانتقال الهوائي:
    • مثل:الفتحات أو الرُّدهات المفتوحة التي تسمح بتجديد الهواء بين الفراغات.
  1. السلوك البشري،واستخدامات المبنى:
  • أ. عدد المستخدمين مقابل حجم الفراغ:
    • الكثافة العالية في الفراغات المغلقة ترفع مستويات ثاني أكسيد الكربون،والرطوبة، والروائح.
  • ب. التدخين أو الطهي الداخلي:
    • يُطْلق جسيمات دقيقة،وغازات ضارَّة؛ مثل: أول أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروجين، وجُسَيْمات  PM5.
  • ج. استخدام مواد التنظيف:
    • بعض المواد يُطْلق غازات كيميائية ضارَّة بعد الاستخدام، خصوصًا في الأماكن المغلقة أو سيِّئة التهوية.
  1. الصيانة والنظافة العامة:
  • أ. تنظيف غير منتظم:
    • تراكم الغبار،وحبوب اللقاح، والعَفَن على الأسطح يزيد من مُلوِّثات الهواء.
  • ب. صيانة أنظمة HVAC:
    • غياب الصِّيانة المنتظمة يؤدِّي إلى تراكم المُلوِّثات داخل مجاري الهواء،وفلاتر التهوية.
  • ج. وجود نباتات داخليَّة غير مدروسة:
    • بعض النباتات قد يُسْهم في تحسين الهواء، لكن إذا لم تُرْعَ جيدًا،فقد تُسبِّب نمو العَفَن في التربة.
  1. الانبعاثات من الأجهزة والمُعدَّات:
  • بعض الأجهزة (مثل:الطابعات، وآلات التَّصوير، والمدافئ)، يطلق أوزونًا أو غازات أخرى عند التشغيل المستمرِّ.
  • أجهزة التدفئة غير المُعَايرة قد تُطْلق أول أكسيد الكربون.

أثر جودة الهواء على السَّلامة والصحَّة

تُؤثِّر جودة الهواء الداخلي تأثيرًا مباشرًا وعميقًا على السلامة والصحة العامَّة للأفراد، ويحتوي الهواء المُلوَّث داخل المباني على مُلوِّثات (مثل: العَفَن، الجراثيم، أول أكسيد الكربون، الرادون، والمواد الكيميائية)، وهذه المُلوِّثات ترتبط بمخاطر صحيَّة متعددة، تشمل: أمراض الجهاز التنفسي (مثل: الربو، التهابات الشُّعَب الهوائية)، وأمراض القلب والأوعية الدموية.

1-تقليل الأمراض والمشاكل الصحيَّة:

  • الهواء المُلوَّث في بيئة العمل يزيد من الإصابة بـ:
    • الصداع والدوخة.
    • تهيُّج العين والأنف والحنجرة.
    • أمراض الجهاز التنفُّسي (مثل:الربو، والتهاب الشُّعَب الهوائية).
    • أمراض مُزْمنة بسبب التعرُّض الطويل لمواد (مثل:الفورمالديهايد، أو ثاني أكسيد النيتروجين).

مثال: المكاتب ذات التهوية السيِّئة تزيد من فرص (متلازمة المبنى المريض) (Sick Building Syndrome).

2-رفع الإنتاجيَّة والتَّركيز:

  • الهواء النَّقي يزيد من نسبة الأكسجين في الدِّماغ؛ممَّا يُحسِّن:
    • الانتباه والتَّركيز.
    • اتِّخاذ القرار.
    • الأداء العقلي والجسدي.

وقَد وجدت دراسات عديدة أنَّ تحسين جودة الهواء يمكن أن يرفع الإنتاجيَّة بنسبة من (10% – 20%).

3-تقليل الغياب المَرَضي:

    • المُوظَّفون الذين يعملون في بيئة ذات هواء مُلوَّث أكثر عُرْضةًللمرض والغياب.
    • جودة الهواء تساعد على الحفاظ على صحَّة مستدامة،وتقليل كُلْفة الرعاية الصحية.

4-السلامة المهنية في أماكن العمل الصناعية:

    • في المصانع أو المُخْتبرات قد يكون هناك غازات كيميائية أو أبخرة.
    • التَّهوية الجيِّدة ومراقبة جودة الهواء تمنع التسمُّم،أو الحوادث الناتجة عن تسريب الغازات أو الأبخرة القابلة للاشتعال.

5-تحسين السلامة النفسيَّة،والشُّعور بالرضا:

    • الهواء النقي يُقلِّل التوتُّر والإجهاد.
    • يشعر الموظف أنَّه في بيئة آمنة ومريحة، ما ينعكس إيجابيًّا على سلامته النفسيَّة وأدائه.

الخاتمة:

في ظلِّ تزايد الوعي بأهميَّة بيئات العمل الصحية والمستدامة، أصبحت جودة الهواء الداخلي محورًا أساسيًّا لا يمكن إغفاله عند الحديث عن سلامة الموظفين، ورفع كفاءتهم، فالهواء الذي نتنفَّسه داخل مكاتبنا أو مصانعنا يُؤثِّر بشكل مباشر على صحتنا، وتركيزنا، ومستوى إنتاجنا اليوميِّ، ومن هنا فإنَّ الاستثمار في تحسين جودة الهواء ليس فقط خيارًا بيئيًّا ذكيًّا، بل هو أيضًا استثمار بشري واقتصادي طويل الأمد.

إنَّ إنشاء بيئة عمل آمنة وصحيَّة يبدأ من الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة؛ كاختيار المواد، وتصميم أنظمة التهوية، وإدارة الرطوبة والمُلوِّثات، وباتِّباع المعايير والإرشادات الحديثة، يمكن لأيِّ مؤسسة أن توفِّر بيئة عمل أكثر سلامةً وصحةً وفعاليةً لمُوظَّفيها.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *