3 أعوام على انطلاقة مجلة السلامة العربية
مقدمة:
ارتبط العمل بالوجود الإنسانـي، وحياة الفرد والمجتمع؛ لضمان استمراريَّته، وترسيخ استقراره وأَمْنه، وحتَّى لا يصبح هذا العمل عائقًا يُهدِّد ويُشكِّل خطرًا على الإنسان، لابدَّ أن يكون عملًا لائقًا ومأمونًا، يُسْهم في تعزيز قدرة العمال في الإنتاج كمًّا ونوعًا، ويضمن سلامتهم، وصحتهم، وتمتُّعهم بالحماية والرفاه الاجتماعي.
وتُعتَبر الوقاية والصحَّة المهنيَّة والسلامة في بيئة العمل من الحوادث والإصابات والأمراض المهنيَّة على مستوى المنشأة- حجر الزاوية للعمل الآمن في ظلِّ التطوُّر التقني والصناعي والتكنولوجي الَّذي شهدته المجتمعات، وما صَاحَبَه من تطوُّر في الآلات، والماكينات، ووسائل الإنتاج، وقد نَتجَ عنه الكثير من المخاطر التي ينبغي للإنسان إدراكها، وأَخْذ الحذر والحَيطة من الوقوع في مُسبِّباتها.
بالإضافة لما تلعبه ظروف الإنسان العامل الصحيَّة والنفسيَّة في المخاطر، وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى حدوث أكثر من (2.3 مليون حالة وفاة سنويًّا)، و(300 مليون حادث) يُسبِّب إصابات في مكان العمل كل عامٍ، أي إنَّ هناك عاملًا يموت جرَّاء حادث عمل أو مرض مهني كل (15 ثانية)، ويتعرَّض (60 عاملًا تقريبا) لحادث عمل كل (15 ثانية)، بينما يموت (5760 شخصًا) يوميًّا جرَّاء الحوادث المهنية، أو الأمراض ذات العلاقة بالعمل، غير أنَّ هذه التقديرات لا تكشف تمامًا حجم المشكلة، ولا الأثر الحقيقي للحوادث والأمراض المهنيَّة على العمال، والأُسَر، والاقتصاد، لكنَّها مؤشرٌ، فحَجْمُ التكلفة الإنسانية جرَّاء ذلك كبيرةٌ، ولا تُقدَّر بمالٍ، كما أن التكلفة الاقتصادية لسوء التصرُّف في مجال السلامة والصحة المهنية تُكلِّف العالم (4%) من مجموع الناتج العالمي الإجمالي.
مقدمة عن أهميَّة السلامة في بيئة العمل:
إنَّ إجراءات الأمن والسلامة والصحة المهنية من الأساسيات الواجب توافرها في كلِّ بيئة عمل، فلابدَّ أن يشعر العامل أو الموظف أنَّه يعمل في بيئةٍ آمنةٍ، لا يوجد بها أي مخاطر تهدد صحته أو حياته حتى يكون قادرًا على العمل والإنتاج بأفضل شكلٍ ممكنٍ؛ لذلك من واجب الشركات والمصانع الحفاظ على سلامة الموظفين والعاملين في مكان العمل، وتطبيق إجراءات وقائيَّة لحمايتهم، وللسلامة والصحَّة المهنيَّة مجموعةٌ من المميِّزات، والَّتي تجعلها مكسبًا ثلاثيًّا مضاعفًا؛ سواء كان هذا للعملاء، أو العاملين، أو حتى المؤسسة، فهي تساعد على:
- وجود إجراءات وخطط للحفاظ على سلامة وصحة الموظفين والعاملين، وكذلك العملاء، ووضعهم في مقدمة الأولويَّات.
- التقليل من حجم الإصابات والحوادث في مكان العمل.
- حماية العاملين، والحفاظ على صحتهم، وتعزيز قدرتهم على أداء العمل بما يصبُّ في النهاية في مصلحة العمل.
- وجود مناخٍ آمنٍ للعمل يجعل الموظفين والعاملين قادرين على تأدية وظائفهم بأفضل شكلٍ ممكنٍ.
- حماية المُعدَّات والأدوات المستخدمة في مكان العمل من التلف أو الخسارة.
- بث روح الطُّمأنينة في نفوس الموظفين.
- زيادة الإنتاج، وعدم تعطيل العمل، وتعزيز كفاءة العاملين.
- خَلْق بيئة عمل جذابة وقادرة على استقطاب عاملين جددٍ.
- الحفاظ على حياة العملاء، وعدم المخاطرة بسُمْعة العلامة التجارية إذا ما تعرَّضت لأيٍّ من الهجمات الإعلاميَّة المعادية من المنافسين.
- كَسْب ثقة العملاء؛ كونها تحافظ على جودة منتجاتها، وكذلك حياة العاملين فيها؛ ممَّا يجعلها تتَّسم بالاحترافية المثالية.
- الاهتمام بقواعد السلامة والصحة المهنية يساعد في تعزيز السلامة النفسيَّة للعاملين؛ ممَّا يضاعف من إنتاجيتهم، وكذلك معدل ولائهم الوظيفي للمؤسسة.
اللغة العربية ونشأتها مع علم السلامة، وكيف أنَّ العرب هم أصلُ كل العلوم:
اللغة العربية في عمومها وسيلةُ التواصل والتفاهم؛ ولذلك عرَّفها أبو الفتح عثمان بن جني (ت392هـ) بقوله: «أصوات يُعبِّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم»، واللُّغةُ أساس الهُويَّة؛ ولذلك كانت اللغة العربية صلب الهُويَّة المصرية وأساسها، وهي اللغة الرسمية للخطاب الإعلامي في البلاد؛ سواء في القنوات الإعلامية المكتوبة، أو المسموعة، أو المرئية.
«السلامة أولًا»: هذا المصطلح من أهمِّ المصطلحات التي ينبغي لكلِّ شخص أن يتعرَّف عليه؛ لِما له من أهميةٍ بالغةٍ في الحفاظ على حياته وممتلكاته، فهو يلازمُهُ منذ ولادته حتى وفاته، فالسلامةُ هي لفظ السلام، والسلام اسمٌ من أسماء الله الحسنى، ينشر الطُّمأنينة والراحة والأمان، قال الله تعالى: {سَلامٌ قَوْلًا مِن ربٍّ رحِيم} [يس:58]،
وهي لغة عند صاحب معجم «المصباح المنير» من «سَلُمَ المسافر يسلمُ سلامةً، أي: خَلُصَ ونجا من الآفات»، وكذلك نجا من التهلكة، قال الله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكةِ} [البقرة:195].
ومن حيث الاصطلاح: تعني الصحَّة والمُعَافاة والنجاة من المهالك والعيوب والنقائص، وهي أيضًا: التقليل من الإصابات والخسائر في الأعمال غير المدروسة.
وقد أسهم العرب والمسلمون عَبْر التاريخ في الكثير من الإنجازات في شتَّى أنواع العلوم، حيث برعوا في الطِّبِّ، والرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والفَلَك، وغيرها، فقد كَتَبوا في الطبِّ، وأوجدوا العديد من العلاجات للأمراض المختلفة، واخترعوا مجموعةً واسعةً من الأدوات الطبيَّة، وأسَّسوا علم الجبر في الرياضيات، وبرعوا في دراسة الصوتيات في الفيزياء، كما برعوا في وَضْع القواعد الأساسيَّة للتحاليل الكيميائية في المختبرات.
وختامًا، نُورِدُ بعض الوصايا والتوجيهات العامة للعناية بالصحة والسلامة النفسيَّة والصحيَّة، والوقاية من الأمراض:
- قال أبقراط: «الإقلال من المضار خيرٌ من الإكثار من المنافع»، وقال أيضًا: «استديموا الصحة بتَرْك التكاسل عن التعب، وبتَرْك الامتلاء من الطعام والشراب».
- قال بعض الحكماء: «مَن أراد الصحَّة، فليُجوِّد الغذاء، وليأكل على نقاء، وليشرب على ظمأ، وليتمدَّد بعد الغداء، ويتمشَّى بعد العشاء، ولا يَنَمْ حتى يعرض نفسه على الخلاء».
- قال الحارث بن كلدة طبيب العرب المشهور: «مَنْ سرَّه البقاء – ولا بقاء – فليباكر الغداء، وليعجل العشاء».
- وقال أيضًا في مرض موته: «لا تأكلوا من الفاكهة إلا في أوان نضجها، ولا يُعَالجَن أحدكم ما احتمل بدنُهُ الداء، وعليكم بتنظيف المعدة في كلِّ شهرٍ؛ فإنَّها مذيبةٌ للبلغم، مهلكة للمُرَّة، مُنْبتةٌ للحم، وإذا تغدَّى أحدكم، فَلْينَمْ على أثر غدائه ساعةً، وإذا تعشَّى، فليمشِ أربعين خطوةً».
- قال أحد الأطبَّاء مُوصِيًا أحدَ الملوك: «لا تأكُلْ من اللحم إلا فَتِيًّا (جديدًا)، ولا تشرب الدواء إلا من علَّةٍ، ولا تأكل الفاكهة إلا في نضجها، وأَجِدْ مَضْغَ الطعام، وإذا أكلتَ نهارًا، فلا بأسَ أن تنام، وإذا أكلتَ ليلًا، فلا تَنَمْ حتى تمشي ولو خمسين خطوةً، ولا تأكُلَن حتى تجوع، ولا تأكُلَن طعامًا وفي معدتك طعامٌ، وإياك أن تأكل ما تعجز أسنانك عن مضغِهِ، فتعجز معدتك عن هضمه».
- قيل لجالينوس: ما لَكَ لا تمرض؟ فقال: لأنِّي لم أجمع بين طعامين رديئين، ولم أُدْخل طعامًا على طعامٍ، ولم أحبس في المعدة طعامًا تأذيتُ منه».
- قال أبو سليمان الداراني: «مَن شبع، دخل عليه ستُّ آفات… فذكر منها: ثقل العبادة، وزيادة الشهوات».
- قال الإمام الغزالي رحمه الله: «ممَّا يستفيده الإنسانُ من قِلَّةِ الأكل: صحةُ البدن، ودفعُ الأمراض، فإنَّ سببها كثرة الأكل، وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق، ثم المرض الذي يمنع العبادات، ويشوش القلب، ويمنع الذِّكر والفِكْر، وينغص العيش، ويُحْوج إلى الدواء والطبيب، وكلُّ ذلك يحتاج إلى مُؤَنٍ ونفقاتٍ لا يخلو الإنسان منها بعد التعب».
من مقال «قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام»، د/ بدر محمد حسن الصميط – موقع الألوكة
- 9 قاعدة: «ولا تُلْقوا بأيديكم إلى التهلكة»: والَّتي أشار إليها الكثير من النصوص، وهي تتَّسق مع كون الهدف النهائي لعلم السلامة هو المحافظة على حياة وصحة الناس.
- 10 قاعدة: «لا ضرر، ولا ضرار»، والَّتي أشار إليها الكثير من النصوص؛ ومنها الحديث الحسن الذي رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما مسندًا، ورواه مالك في «الموطأ» مرسلًا، وهي تتَّسق مع كون مضمون علم السلامة: إلغاء الأسباب المباشرة للحوادث التي تتضمَّن الظروف والأفعال المشتملة على قدرٍ من المخاطر، والمخاطرُ أضرارٌ.
- 11 الأمر الإلهي بأخذ الحذر: والوارد في الكثير من النصوص؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا} [النساء:71]، وهو ما يتَّسق مع كون علم وفن السلامة يهدفان إلى الحيلولة دون وقوع الحوادث المحتمل وقوعها في المستقبل، وهو شكلٌ من أشكال الحذر.
محاور مجلة السلامة العربية والمجتمعات العلمية في نشر علم السلامة في جميع أنحاء الوطن العربي:
- التعرُّف على مفاهيم ورقة العمل (السلامة والصحة المهنية – التنمية البشرية – الحد من البطالة).
- الوقوف على واقع ومعايير السلامة والصحة المهنيَّة الدولية، والعربية، والمحلية.
- الكشف عن دور السلامة والصحة المهنية، وإحداث التنمية البشرية، والحد من البطالة.
- التعرُّف على المسئوليات والتحديات لتطبيق معايير الصحة والسلامة المهنية.
ما أهمية (مجلة السلامة العربية) والمجتمعات العلمية والإعلام؟
المجلة والإعلام:
- المجلة والإعلام هما قنوات الاتصال المستعملة في نَشْر مفاهيم السلامة، كما أنَّ الإعلام هو الوسيلة الاجتماعية الرئيسة للتواصل مع الجماهير، ومن التعريفات الأخرى للإعلام: أنَّه المعلومات التي تُنشَر بواسطة الوسائل الإعلامية؛ مثل: الصحافة والإنترنت، كما أنَّ الإعلام يكون بمجموعةٍ من الوسائل التي تؤثر على نطاقٍ كبيرٍ من الأفراد داخل المجتمع.
- كما يُقصَد بالوسائل الإعلاميَّة: جميع الوسائل والأدوات التي تَنْقل إلى الجماهير ما يجري من حولها عن طريق السمع والبصر، وهناك مَن يرى أنَّ وسائل الإعلام هي: المذياع، والصحف، والمجلات، والكتب، والإعلان، وهي من أهمِّ المؤسسات المرجعيَّة التي تؤثر في شخصية وقِيَم وأفكار وممارسات الشباب على الأمد البعيد في مفاهيم السلامة.
المجلة العلمية الخاصة بالمعهد العربي لعلوم السلامة:
ويقوم المعهد بإصدار (مجلَّة السلامة العربية) شهريًّا، وهي أوَّل مجلة متخصصة في مجال السلامة تَصْدُر بشكلٍ شهريٍّ في الوطن العربي، كما يُنظِّم المعهد مسابقة السلامة العربية سنويًّا، وهي أوَّل مسابقة علميَّة عربيَّة تهدف إلى تشجيع المبتكرين والمخترعين في مجال علوم السلامة.
وقد أصدر (المعهد العربي لعلوم السلامة) خلال الثلاثة أعوام السابقة (35 عددًا) من (مجلة السلامة العربية) والتي تجذب أكثر من (10,000 قارئ شهريًّا).