مُقدِّمة:
يُعدُّ إنتاج عسل النحل نشاطًا زراعيًّا مُهمًّا يتطلَّب إدارة دقيقة، حيث يرتبط بعددٍ من المخاطر التي تُؤثِّر على السلامة البيئيَّة، والصحيَّة، والاقتصاديَّة، وعلى سلامة جودة وكميَّة الإنتاج. ومن التعامل المباشر مع النحل، وما يصاحبه من مخاطر اللَّدغات إلى استخدام الأدوات والمُعدَّات المتخصصة، توجد مجموعةٌ من التحديات التي تتطلَّب اهتمامًا خاصًّا بسلامة النحَّالين، وحماية البيئة المحيطة، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ الأمراض التي تصيب النحل، والتعرُّض للمواد الكيميائية، وسوء ظروف التخزين، كلُّها عوامل قد تؤدِّي إلى تلوث العسل، وانخفاض جودته؛ ممَّا يهدِّد السلامة الغذائية للمستهلكين، وهو ما يجعل من الضروري اتِّباع أساليب سلامة متقدمة لإدارة النحل، وحمايته من هذه التهديدات.
المخاطر المتعلقة بإنتاج العسل
مهنة النحَّال مُدْرجة في تصنيف المِهَنِ الخطرة، خاصةً بسبب لدغات النحل التي يمكن أن تكون قاتلةً، لكن هذا ليس هو الخطر الوحيد الذي يواجهه عند ممارسة نشاطه.

ومن الضروري أن يتمكَّن كل مُربِّي نحل من تحديد وتقييم جميع المخاطر التي يتعرَّض لها هو ومُوظَّفوه حتى يتمكَّن من سلامة الوقاية منها.
مخاطر متعلقة بالنحل:
قد تكون نحلة العسل خطيرةً، لكنها – في الغالب – حشرات مُسَالمة تقضي وقتها في البحث عن الرحيق، وحبوب اللِّقاح، ويصبح النحل عدوانيًّا في مواقف مختلفة، ولكن في الغالب عندما يحاول حماية سلامة العشِّ من تهديدٍ محتملٍ، وفي هذه الحالات تحاول النحلات العاملة ضد التهديد بلسعها عدَّة مرات، وبالنسبة للبشر يمكن أن تكون اللَّدغات الفردية مؤلمةً، وتُسبِّب أعراضًا خفيفةً، ولكن عدة لدغات يمكن أن تَطْغى وتثير استجابةً خطيرة، ويمكن أن تكون اللدغة سيئةً أيضًا لشخصٍ يعانـي من حساسية خطيرة؛ لأنَّ استجابته يمكن أن تؤدي إلى الوفاة دون الدواء أو العلاج المناسب.
المخاطر المرتبطة بالتنقل:
للحصول على عسل جيِّد ذي جودة عالية يجب البحث عن حقول جاهزة ذات جودة عالية، وفيها نباتات مثمرة، ونكهات زكيَّة؛ لهذ يضطرُّ المنتجون للتنقل بالصناديق بشكل دائم وباستمرار؛ ممَّا يجعلهم مُعرَّضين لمخاطر عديدة أثناء النقل، والَّتي تكون مرتبطةً بظروف متعددة (ظروف المرور، تعب النحَّال، حالة المنحل، الطقس)، وهذه المخاطر تكون خطيرةً في أغلبية الأحيان، وتُؤثِّر على سلامة العاملين؛ سواء بالنسبة للسائقين، أو الرُّكاب، أو سلامة النحل وخسارته بسب حوادث السير.
مخاطر تتعلق بالتعامل مع الأحمال:
من أكثر المخاطر الَّتي يتعرض لها منتجو العسل: نجد التعامل مع الأحمال أثناء رَفْع وإنزال الصناديق من الشاحنات، خاصةً إذا تمَّ تنفيذ هذا الحمل بطريقة مستدامة ومتكررة، فإنَّ هذا النوع من التعامل يُولِّد ضغطًا كبيرًا على العظام، أو العضلات، أو الأوتار، أو المفاصل، ويمكن أن تُؤثِّر هذه الإجراءات على سلامة وصحة العاملين، وتُؤدِّي إلى التعب والحوادث والأمراض؛ مثل: الاضطرابات العضليَّة الهيكليَّة، أو آلام أسفل الظهر، إضافةً إلى إمكانيَّة سقوط العامل؛ سواء أثناء رَفْع وإنزال الصناديق، أو السقوط على نفس المستوى نتيجة وجود عوائق؛ مثل: الأدوات، والفروع، أو وَضْع الصناديق في مكانٍ مُبلَّلٍ ولَزِجٍ؛ ممَّا قد يؤدي إلى وقوع حوادث وإصابات خطيرة.
مخاطر تتعلق باستعمال الأدوات الحادة:
أثناء مراحل إنتاج العسل، يستعمل العاملون أدوات حادَّة من أجل فتح أو إغلاق الصناديق، أو غيرها من المهام، وتعتبر مُدْية القشط من أكثر المواد الحادَّة التي يتمُّ استعمالها، ولها أنواع عديدة، وهي سكينٌ طولُها أكبر بقليلٍ من عرض الإطار، تُسْتعمل لقشط أغطية العيون السداسية الملونة بالعسل لفرزها، ولا يخرج العسل بالفرز مطلقًا وهو مُغطًّى بهذه الطبقة، وأفضل السكاكين تلك التي تكون مُدبَّبة الحدَّين، ويكون مقبضُهُ مَثْنيًّا بشكل يشبه مقبض مسطرين البناء لسهولة استعمالها، ويُفضَّل أن يكون عند النحَّال اثنتان منها؛ لأنَّ السِّكين تُسْتعمل ساخنةً أثناء العملية بقشط بواحدة، وتسخن الثانية، ومتى بردت الأولى، تُسْتعمل الثانية، وتَرْك الأولى لتسخن، ويتمُّ تسخين السكاكين بالغلَّاية، وهذه الأدوات تؤثر على سلامة المستخدمين، وتتسبَّب في حوادث خطيرة؛ كالتمزُّق، والجروح، وقد تصل إلى البَتْر دون إغفال خطورة استعمال الزجاج، خاصةً أثناء تعبئة العسل داخل قارورات زجاجيَّة بشكل يدويٍّ.
المخاطر المكروبيولوجية والكيميائية:
من بين أكثر المخاطر الَّتي قد يتعرَّض لها المنتجون، ومنتجو العسل معًا في أي مرحلة من مراحل الإنتاج نجد تلك المتعلقة بالمخاطر المكروبيولوجية والكيميائية، والمرتبطة أساسًا بالبكتيريا المُسبِّبة للأمراض المرتبطة بالنظافة والتلوث البيئي؛ نتيجة استعمال المبيدات والأدوية، أو تسريب لمواد خارجية، أو لعدم جودة تعقيم القارورات.
وهذه المخاطر تتسبَّب في أضرارٍ كبيرة على المنتوج، وخسارة كبيرة في أرباح المنتجين، إضافةً للأضرار الصحية التي تصيب المستهلك بعد تناوله للعسل نتيجة تدهور الجودة، والَّتي تؤدي إلى نتائج وخيمة على سلامة وصحة المستهلك قد تصل إلى الوفاة نتيجة التسمُّم.
المخاطر المرتبطة باستخدام الآلات:
الآلات المستعملة خلال مراحل إنتاج العسل متعدِّدة ومتنوِّعة؛ منها ما هو يدويٌّ، ومنها ما هو آليٌّ، ومنها ما هو كهربائيٌّ، ومنها ما يشتغل بالغاز. إن تنوُّع الآلات المستعملة خلال مراحل الإنتاج يجعل مُنْتجي العسل عُرْضةً لأخطارٍ مُتَنوعةٍ ومتعددةٍ من أهمِّها: نجد تلك المتعلقة بالمخاطر الكهربائية، ومخاطر الاحتراق، والانفجار، واشتعال النار، إضافةً إلى مخاطر السَّحق، ومخاطر أخرى قد تؤدِّي إلى خسائر فادحة؛ سواء في المُعدَّات، والإنتاج، والأرواح البشريَّة.
إنَّ المخاطر المتعلقة باستعمال الآلات تَبْقى خطيرةً جدًّا، والأضرار الناتجة عنها تكون كبيرةً جدًّا على سلامة المستخدمين لها .
خاتمة:
إنَّ الحصول على كميَّة قليلة من العسل الجيد تتطلَّب مجهودًا جبارًا، وتستلزم وقتًا طويلًا، وأي حادثة تقع، تزيد من الصعوبة، وتُطِيلُ في مدة الإنتاج، ومن هنا وَجَب التعرف جيدًا على المخاطر المحيطة بعمليَّة الإنتاج خلال جميع مراحلها، والعمل على تجنُّبها، وإيجاد الطرق للسلامة مناسبة للتصدِّي لها.
إنَّ سلامة إنتاج عسل النحل تتطلَّب توجيه جهود مُكَثَّفة نحو الحدِّ من المخاطر المحتملة؛ سواء على مستوى النحَّالين، أو النحل، أو المستهلكين، ومن خلال تطبيق ممارسات سلامة آمنة، واعتماد تقنيات حديثة في إدارة خلايا النحل، يمكن الحفاظ على سلامة العمال والمنتج، مع تعزيز استدامة النظام البيئي.
إنَّ تبنِّي إجراءات السلامة المهنية، ومراقبة الجودة في كلِّ مراحل الإنتاج هو خطوة أساسية لضمان عسلٍ نقيٍّ وصحيٍّ يُسْهم في سلامة الإنسان، وحماية سلامة البيئة.